نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  تقارير الرقابة والحاجة إلى معالجات جذرية 

  تاريخ النشر :٢٥ نوفمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- محاربة الفساد يتطلب اكثر من تصريحات، اهم أسبابه غياب الإرادة السياسية وضعف المساءلة وعدم الإفصاح عن المال العام.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13760/article/54356.html

 مظاهر الفساد ليست أمرا دخيلا على الأنظمة وعلى حياة الناس فهي مرض إنساني تعاملت البشرية معه على مر العصور وعملت الأديان على محاربته كما اجتهدت المؤسسات الأممية على تعريفه وتصنيفه ووضع الأسس الإدارية والقانونية والمؤسساتية (التنظيمية) والسياسية والثقافية لمكافحته. هذه الجوانب تعمل في منظومة تتسم بالتكامل في محاربة الفساد وما لم يتحقق مستوى مناسب من البناء المنظومي فإنّ الفساد سيستشري في المجتمع ويضعف جهود التنمية وقد يعطلها كما سيتسبب في تقويض الاستقرار السياسي والسلم الأهلي ويجعل المجتمع عرضة للتدخلات الخارجية.

 هذا يجعل محاربة الفساد والحفاظ على المال العام من العبث والهدر مصلحة وطنية ينبغي ألا تخضع للتجاذبات السياسية. ان وضع النظام القادر على محاربة الفساد، بنوعيه الفردي والمؤسسي، هو قرار سياسي على أعلى مستوى وما لم يتخذ هذا القرار وتوضع الأسس السليمة فإنّ جهود محاربة الفساد على المستوى الإداري لن تجدي نفعا مهما كانت مخلصة أو جادة. والدليل على ذلك استمرار حالات الفساد والتجاوزات وتفاقم مشكلة الدين العام بالرغم من اثني عشر تقريرا. 

 على مدى أكثر من عقد من الزمن لم نتمكن بصورة قاطعة من معالجة الفساد، وفي كل عام تطالعنا تقارير الديوان ببعض حالات الفساد ناهيك عن الحالات التي لا يذكرها التقرير لكونها خارجة عن صلاحياته. هذا كفيل بأن يقنعنا ان لدينا مظاهر قصور في منظومتنا المؤسساتية والإدارية والقضائية والتشريعية. 

 لا تجدي العبارات التي تطلقها السلطة والمجلس النيابي حول التعامل بجدية مع تقرير الرقابة، فمحاربة الفساد لا تختلف عن مكافحة الأمراض المعدية والآفات الفتاكة، فإنها تحتاج إلى الوصول إلى جذور المشكلة.

 فمثلا في بدايات القرن العشرين كانت تجتاح المنطقة موجات من الجراد في موسم الزراعة، هذه الموجات كانت بكثافة كبيرة تتلف المحاصيل الزراعية وتشكل خطرا كبيرا على مصادر الغذاء. أخذت السلطات البريطانية على عاتقها محاربة هذه الآفة. لم تقم بقتل الجراد الذي يهاجم المحاصيل فقط، بل أرسلت بعثات تبحث عن مصادر تكاثره وتعمل على إتلاف وتغيير البيئة الحاضنة له. وكذلك الحال مع البعثات التي تحارب الملاريا وغيرها من الأمراض المعدية والفتاكة. فهي لا تكتفي بقتل الحشرة واحدة بعد أخرى بل تبحث عن أماكن تكاثرها وتحارب المصدر. 

 هذا التعامل مع المصدر والبيئة الحاضنة ينبغي ان نتبعه في تعاملنا مع مظاهر الفساد، غير أننا نرى ان تعامل الجهات الإدارية وتعامل السادة النواب وأصحاب الفضيلة خطباء المساجد تنهال خطاباتهم وإجراءاتهم من منظور المقارنة العلمية المشار إليها على «تل الحشرات» بدلا من «محاربة البيئة الحاضنة والبحث في أسباب تكاثرها». 

 في تقرير لمؤسسة ستراتفور (للدراسات الاستراتيجية والاستخباراتية) يبحث في جذور الفساد ويلخصه في ثلاث نقاط: أولا كشف ما الذي يساهم في نشر واستشراء الفساد، ثانيا كيف نقلل من آثاره الضارة، ثالثا ما تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية. يتخذ التقرير عددا من التوجهات في محاربة الفساد: التوجه التنموي يركز على الدول النشطة اقتصاديا وتملك شركات منتجة حيث يذهب جزء كبير من الموارد والإيرادات في جيوب مسؤوليها. بينما المسار السيكولوجي يركز على الاختلافات الثقافية وكيف ينظر المجتمع إلى الفساد. فمثلا الغرب ينظر إلى تعيين الأقارب في المناصب نظرة دونية بينما في الشرق ينظر إلى تعيين الغرباء على انه عمل غير مسؤول. في حين ان الجغرافيا السياسية تقول ان الدول التي يصعب حكمها بسبب تقسيمها الجغرافي أو تكوينها الديمغرافي تكون أكثر عرضة لتفشي الفساد فيها بسبب حاجة السلطة إلى استرضاء هذه المناطق أو الفئات أو التكتلات.

 بينما يرى صمويل هانتنجتون (صاحب نظرية صراع الحضارات) ان التغلب على الفساد يكمن في وجود مؤسسات مستقلة قوية بصلاحيات واسعة لا تخضع للتوجهات السياسية، هذه المؤسسات تجعل القيادات العليا خاضعة للمساءلة ولا تفلت من العقاب. ويرى هانتنجتون ان نوع الحكومة (ليبرالية ديمقراطية) ليس شرطا مسبقا لنجاح الحوكمة في محاربة الفساد. وإنما يعتمد على قوة المؤسسات الرسمية والمدنية وقدرتها على كبح جماح المسؤولين وضبط المال العام وحق التصرف فيه.

 والسؤال الذي تطرحه الدراسات هو ما الذي يحفز جهود مكافحة الفساد؟ ما الذي يمنح أجهزة مكافحة الفساد القدرة والشجاعة على العمل؟ يرى التقرير أنه لا يوجد جواب محدد لكن تتبع الإجراءات يشير إلى ثلاث محفزات لمكافحة الفساد، أولا ان انخفاض النمو الاقتصادي يفرض نوعا من مراقبة الفساد، ثانيا التنافس السياسي الداخلي ووجود معارضة قوية، ثالثا التشجيع أو الحث من دول وقوى أجنبية تسعى لمصالحها الخاصة وترى ان الفساد يضر بهذه المصالح. كما يؤكد التقرير ان آثار الفساد لا تظهر في أوقات الرخاء ولكن في التقشف تبرز خطورته على الاستقرار السياسي.

 الخلاصة هي أن بناء المؤسسات التي تراقب بعضها بعض مع وجود مجتمع مدني نشط وحرية تعبير على قدر كبير من الحرية ومستوى عال من الشفافية مدعوم بقانون حق الحصول على المعلومات هي التي تحفز على كشف الفساد ومحاربته. هذا لم يحدث إلى الآن في البحرين ونتمنى ان يكون ضمن إصلاح سياسي وانفتاح على المجتمع بحيث: أولا يوجد بيئة تشريعية مناسبة لمحاربة الفساد تبدأ بتعريف المال العام وسبل حمايته من الهدر وسوء الإدارة، ثانيا يضع مؤسسات رسمية ومدنية مستقلة وقادرة على القيام بالتوعية والتحري وتتبع حالات الفساد والمحاسبة والمساءلة لمرتكبي الفساد. ثالثا تعيين كفاءات ذات معرفة وقدرة على إدارة المؤسسات الرقابية، رابعا إرادة مؤسساتية جادة للنجاح تذلل الصعاب وتعوض النقص. خامسا ان خلق مثل هذه البيئة هي مسؤولية القيادات وليس المجتمع. هذه البيئة إلى الآن غير متوافرة لدينا بالنسبة المأمولة، فلا يوجد تعريف واضح للمال العام مما يسهل بعض التجاوزات والاستئثار به ولا توجد المؤسسات الكفيلة بتعقب الفساد، ولا توجد التشريعات الكافية للمساءلة على أعلى مستوى ولا توجد الإرادة المجتمعية بتفعيل القوانين والتشريعات الكفيلة بالمحاسبة. أما ما يقوم به السادة النواب والدولة فهو تعامل مع مظاهر الفساد من دون علاج الجذور.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *