- تقارير ديوان الرقابة المالية ..هل من جديد ؟ 13-12-2020
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء 10 ديسمبر ٢٠١٧ – 01:20 – طباعة
صدر هذا الاسبوع تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية (2016-2017) وسط ظروف مالية واقتصادية صعبة تمر بها البحرين والمنطقة. تتلخص هذه الظروف في زيادة الدين العام الذي تجاوز عشرة مليارات دينار (71% من النتاتج المحلي الاجمالي) مع عجز سنوي بواقع مليار ونصف سنويا تقريبا. في هذه الظروف تاخذ هذه التقارير اهمية اكبر نظرا الى ما تمثله التجاوزات من ضغط على العجوزات والدين العام من ناحية، ومن ناحية اخرى ما يمثلة ذلك من تاثير على تصنيف البحرين الائتماني ومستوى الفوائد التي تدفع نحو الدين العام.
الجانب الاخر من الاهمية هو ان هناك اموالا لا يتم استثمارها بشكل فعال لرفع عوائدها في مشاريع منتجة تشكل دخلا اضافيا للميزانية يمكن ان يخفف من وطأة العجوزات. فمثلا هناك اموال التأمينات الاجتماعية واموال الاجيال القادمة واموال الاوقاف يمكن ان تستثمر بشكل افضل ليس فقط لتحقيق عوائد افضل بل لخلق فرص عمل في مشاريع انتاجية تدعم الاقتصاد الوطني وليس فقط فوائد للمنتفعين المباشرين.
طبيعة المخالفات والتجاوزات تبدو في هذا التقرير ادارية بحته لا تدخل في خانة الفساد او شبهات الفساد ولم يصدر من الهيئة ما يشير الى ذلك؟ لكن الخطورة في هذه التجاوزات هو ما يعلق في ذهن المواطن من هدر وتضييع لحقوقه وفي نفس الوقت فان المواطن مطالب بتمويل هذا الهدر والتقصير والتجاوزات من خلال زيادة كبيرة في الرسوم وفي فواتير الكهرباء وفي زيادة الاسعار لكثير من السلع لتمويل مثل هذه التجاوزات حتى مع ما تبديه من طبيعة ادارية.
في الوقت الذي تتغاضى فيه وزارة الصحة مثلا عن تحصيل مبالغ ب 13 مليون دينار من شركات الرعاية الصحية تطالب المواطن بتحمل جزء من فاتورة الصحة من خلال نظام التامين الصحي المنوي تطبيقه قريبا. وفي ظل عدم قيام شؤون الطيران المدني بمعالجة 118 ملاحظة، وتراكم خسارة اكاديمية الخليج للطيران فان المجتمع مطالب بان يدعم طيران الخليج. وفي الوقت الذي تتضاعف فيه الغرامات المرورية على المواطن نجد ان هناك مخالفات مرورية كثيرة تعود الى مخالفات جسيمة لا يتم متابعتها من قبل ادارة المرور. وفي الوقت الذي تتزايد العجوزات والدين العام هناك تقصير في انهاء المشاريع في البنى التحتية. وفي الوقت الذي وصل العجز في صناديق التقاعد الى حوال 11 مليار دينار نجد تدني نسبة تحصيل العائدات على عقارات هيئة التامينات، وتدني كفاءة الاستثمارات في هذه الصناديق وكثير من الودائع لا يتجاوم العائد فيها 3%.
بعد كل تقرير تجتاح البحرين حمى ونشاط في المنتديات والجمعيات السياسية يطرح فيها الكثير من الاراء ويحاول المواطن ان يعبر عما يشعر به من امتعاض لحجم الهدر في المال العام لكن سرعان ما تنتهي هذه الموجة ويسكت الجميع بمن فيهم مجلس النواب. لا نرى في هذه المرة ما يشير الى اختلاف باستثناء ان الحمى المجتمعية قد سهدت مبكرا واستسلمت للامر الواقع. الخشية من ذلك ان الدولة كذلك يصيبها نفس الشعور وتخفف من نشاطها في محاربة هذا الهدر.
خطورة الوضع يجب ان ينظر اليه في كليته وشموليته. اولا هناك امتعاض مجتمعي حتى وان لم يتم التعبير عنه بالحمى والنشاط كما كان في السابق. وقد يكون لهذا الهدوء النسبي دوافع ظرفية يجب الا تفسر على انها قبول المجتمع بالامر الواقع. ثانيا علينا النظر الى الوضع في ضوء التقارير الصادرة من اجهزة تقييم الوضع المالي والائتماني للبحرين واثر ذلك على قدرتنا على الاقتراض والتسديد وخطورته على العملة. ثالثا يجب النظر الى ذلك في ظل تزايد الاعباء المالية على المواطن وخصوصا الطبقة الفقيرة والمحدودة الدخل والطبقة المتوسطة. رابعا يجب النظر الى هذا التقرير في ضوء نسبة البطالة بين الشباب التي تتزايد وبلغت مستويات عالية. في ضوء كل ذلك نرى اهمية وضرورة العلاج الشامل من خلال رؤية شاملة لاصلاح الوضع الاقتصادي وتنويع دخل الدولة وتنويع الاقتصاد وتضييق الثغرات التي يتم من خلالها الهدر والتجاوزات.
اوصى ديوان الرقابة المالية والادارية بوضع استراتيجية شاملة لاصلاح الوضع المالي للدولة يتم تنفيذها وفق برنامج زمني. لا بد ان تشتمل هذه الاستراتيجية على : اولا تقوية القدرة الرقابية لمجلس النواب من خلال هيئة مستقلة لمحافحة الفساد. وثانيا تعزيز دور الصحافة من خلال اصدار قانون الصحافة مع توسيع سقف الحريات والمطالبة بالشفافية الكافية للتصدي لشبها الفساد وزيادة الرقابة على المال العام, وان يتم تاسيس الصحافة الاستقصائية التي تبحث في شبهات الفساد والهدر والتجاوزات من مصادرها. وثالثا تقوية دور المجتمع في الرقابة من خلال منظماته المهنية وجميعاته السياسية. يقول هانتنجتون (Huntington) في ورقته “النظام السياسي والانحلال”، ان قدرة المجتمع على التاثير تعتمد على مستوى انتماء اعضائه ومكوناته الى مؤسسات سياسية اهلية فاعلة وكذلك تعتمد على جودة هذه المؤسسات وقدرتها على تجسيد قيم المجتمع والدفاع عنها. واهم هذه المؤسسات هو البرلمان. في الواقع الحالي نجد ان البرلمان اصبح في حاجة ماسة الى تقوية ليتمكن من التعامل مع مختلف المصالح والمتطلبات في مجتمع متعدد ومتباين. في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا وفي ظل التحولات المالية والاقتصادية لا بد من اتخاذ مثل هذه الخطوات لتفادي الاثار السلبية المحتملة لاستمرار الهدر.