نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢١ يونيو ٢٠٢٣ 

مقال الاسبوع – هل #ثقافة_الحوار في المجتمعات العربية ضحية الانظمة السياسية التي مازالت ترى مهمة المجتمع الطاعة العمياء ام انها جمود فكري ثقافي وديني وايديولوجي. هناك تجارب دولية تجاوزت قضية الحوار ضمن المجتمع الواحد بتكريس #الديمقراطية و #المجتمع_المدني و #الحرية_الفكرية كآلية للتعامل مع الخلافات ، هل هذا ما نفتقد ولماذا؟

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1334275

ثقافة الحوار في المجتمعات العربية (2)

الحوار انواع، فهناك الحوار العالمي الذي يدور بين مختلف التجمعات الدولية مثل المنظمات الدولية والتكتلات الاقليمية تحاول ان تصل الى ارضية مشتركة تعبر عن مصالح اعضائها. وبطبيعة الحال يقتضي هذا الحوار تقديم عدة مقترحات والوصول الى تنازلات يصل المجتمعون الى صيغة مقبولة يقرها المجتمعون ويحترمون تطبيقها. لكن هذا ليس الحوار المقصود، بل هو الحوار ضمن المجتمع العربي الواحد والذي هو جزء من المجتمعات العربية. ونتساءل الى اي حد تختلف المجتمعات العربية في تقبل ثقافة الحوار وممارسته لاتخاذ القرارات ووضع آليات لحسم الاختلافات في المصالح والرؤى والقناعات الدينية والسياسية والاقتصادية والفكرية والايديولوجية وتقبل نتائجها؟

انتهينا في المقال السابق بطرح سؤال مفاده: هل غياب الحوار خاص بالمجتمعات العربية ولماذا ان كان كذلك؟ لمناقشة ذلك قد يكون من المفيد النظر الى مجتمعات اخري يبدو انها حققت قدرا من ثقافة الحوار لديها، وقبلته كآلية لمعالجة النزاعات والاختلافات فيما بين مكوناتها ومناطقها وعقائدها وقناعاته. فمثلا لدينا المجتمع الهندي مقارنة بالمجتمع الباكستاني. الاول استقر نسبيا واصبح اكبر ديمقراطية بينما يشهد الباكستان الانقلابات والصراعات على السلطة بالرغم من الوحدة الدينية. الفارق في هذه الحالة النظام السياسي وعدم حسم قضية انتقال السلطة سلميا. فهل الديمقراطية وصفة ناجحة لتكريس ثقافة الحوار؟ مع العلم بان آلية الحوار في الهند لم تنجح في حماية المسلمين في بعض المناطق، فهل هذه حالة خاصة تثبت القاعدة؟

الحالة الاخرى التي يمكن ان يستفاد منها في تحليل الاسباب هي الحالة الاوروبية. ضمن المجتمعات الاوروبية حدثت صراعات دموية عدة بين فرق مختلفة دينيا او طبقيا، انتهت هذه الصراعات بعد قرون من الحروب الاهلية وجرائم القتل ومحاكمة النوايا والمعتقدات، والتي استخدمت لقمع فرقة من قبل السلطة او فرقة اخرى. بعد جولات من الصراع استقرت المجتمعات في حالة من التوازن في المصالح وقبلت الديمقراطية وقيمها كآليات لحسم الخلافات في المصالح السياسية والمعتقدات الدينية والايديولوجيات الفكرية. يتضح ذلك في توجه اسكتلندي للانفصال عن بريطانيا، وقبول قادة الانفصال بآليات الاستفتاء كما قبلت بها بريطانيا وقرر المجتمع البقاء، هذا لم يمنع القيادات في استمرار المطالبة بالانفصال والعمل على عقد استفتاء اخر في وقت مناسب لعرض قرار الانفصال. والاهم ان الاطراف مستبعيدين تماما خيار العنف واصبح من غير المفكر فيه.

مثال ثالث هو جدوى حوار التعايش بين الاديان في المجتمعات العربية الاسلامية. تاسست منظمة “حوار الاديان” واستمرت في عقد اجتماعاتها واتفاقاتها، لكن الى الان لم تضع آليات مقبولة من الجميع لعرض الاختلافات والوصول الى توافقات حولها، ومازالت الاختلافات تثير التعصب والتنافر والتكفير المتبادل والاقتتال في بعض الحالات. فلماذا لم تتمكن هذه المنظمات من وضع آلية تناقش الاختلافات وتصل الى صيغ تنهي الصراع حول الخلافات العقائدية بقبول وجود الاختلاف وتعدد الافهام وتنوع العقول وتضارب المصالح.

مثال رابع يقول بان الثقافة المجتمعية تتشكل من التربية في البيت والمدرسة في السنوات الاولى. وان ثقافة الحوار ينبغي ان تغرس في هذا السن المبكر. لكن يبقى السؤال لماذا لم يحدث ذلك في العائلة وفي المدرسة؟ وفي الدولة والمجتمع الى حد الان؟ لماذا يستمر غياب ثقافة الحوار؟

هل ما نشهده من خلافات عربية سياسية ودينية هو نتيجة غياب ثقافة الحوار ام انه اعمق من ذلك؟ او اكثر بساطة؟ هل هذه الصراعات الدائرة في معظم دولنا العربية صراع مصالح ام انها صراعات طبيعية بين قوميات وثقافات ومعتقدات وطبقات اجتماعية لم تصل الى صيغة تنظم التعامل فيما بينها. ام انها ببساطة مطالبات بحقوق انسانية واقتصادية وسياسية واجتماعية مازالت بعض الانظمة السياسية والقيادات الدينية والاجتماعية والاقتصادية ترفض الاقرار بها؟

من المشروع ان نتساءل هل تنفرد المجتمعات العربية في غياب ثقافة الحوار؟ ام انها سمة نالت نصيبها في جميع المجتمعات في فترات مختلفة وما زالت بعضها تقتتل في مناطق مثل افريقيا واوروبا وامريكا الجنوبية؟ واذا اقتنعنا بان مهمة مثقفينا ومفكرينا البحث في وضعنا العربي الاسلامي، فما الذي يميز المجتمعات العربية ويجعلها ترفض الحوار؟ هل هي الاديان؟ ام الانظمة السياسية؟ ام انه التعليم وعجزه في تكريس ثقافة الحوار. وهل ساهمت الحضارة العربية الاسلامية في هذا الغياب؟

طرح المتحاورون في الندوة عدة اسباب تتلخص في اولا اسباب سياسية- غياب الديمقراطية وضعف المجتمع المدني. ثانيا اسباب ثقافية تتعلق بالتربية في البيت والعلاقة بين الرجل والمرأة والاولاد ومفاهيم التربية التي تعظم الطاعة على حرية الرأي. ثالثا اسباب دينية تتلخص في اعتقاد بامتلاك الحقيقة الوحيدة وبالتالي من الضروري ان يكون الاخر على باطل. رابعا اسباب تربوية تعليمية نابعة من فلسفة التعليم واهدافه، وكيفية عرض الفرضيات واختبارها للوصول الى نتائج وحلول تبدأ بتعريف من هو المتعلم، وصولا الى النتائج من البحث العلمي الرصين ورفض التناقضات التي يقدمها القيادات الدينية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية كتفسير لقراراتهم وأرائهم في دعم مصالحهم. وعدم اعتبار النتائج على انها دعوة لاستخدام العقل والمنطق والاعتماد على الادلة والاحصائيات لوضع السياسات ولحسم الخلافات من جهة، ومن جهة اخرى قبول اختلاف الرأي والفهم والتفسير والتأويل ومختلف الحلول واخضاعها للادلة العقلية مع قناعة بحق الاخر في رفض هذه الاراء والافهام والخلاصات والسياسات وحقه في التمسك بما يرى ويقتنع به، بشرط ان لا يفرضه على الاخرين بسلطة سياسية او سلطة دينية او سلطة ابوية؟ ماهو مصدر هذه الاعتقادات والتناقضات في المواقف والقناعات؟ يبقى السؤال اي من تلك الاحتمالات هو الاكثر تاثيرا؟ سؤال لمناسبة اخرى.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *