نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٨ يونيو ٢٠٢٣ – 

مقال الاسبوع-  الاسلام ليس السبب في غياب ثقافة الحوار ليس ـ وازدهر الحوار في النهضة الاسلامية في القرن الثاني الهجري وتعددت المدارس الفقهية والعقائدية الى ان تدخلت السياسة في الدين فحددت عقيدة الدولة وحاربت الاختلاف. هذا ما حدث في اوروبا كذلك. فما الذي اختلف فيما بعد؟

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1335018

ثقافة الحوار في المجتمعات العربية (3)

خلصنا في الاسبوع الماضي الى ان المتحاورين في ندوة “ثقافة الحوار في المجتمعات العربية” التي قدمها دكتور حسن مدن في مجلس الدكتور محمد الكويتي الى رصد اربعة عوامل لغياب الحوار اولا عوامل سياسية تتلخص في غياب الديمقراطية وضعف المجتمع المدني. ثانيا عوامل ثقافية تتعلق بالتربية في البيت والعلاقة بين الرجل والمرأة والاولاد ومفاهيم التربية التي تعظم الطاعة على حرية الرأي وتنمية الشخصية. ثالثا عوامل دينية تتلخص في ارث يقوم على الاعتقاد بامتلاك الحقيقة الوحيدة وبالتالي من الضروري ان يكون الاخر على باطل. رابعا عوامل تربوية تعليمية نابعة من فلسفة التعليم واهدافه. الى اي حد تساهم هذه العوامل في ثقافة الحوار وخلق البيئة المناسبة؟ وهل هذه العوامل شاملة ام ان هناك عوامل اخرى؟ مثل الجغرافيا والتاريخ؟ لمناقشة ذلك نطرح السؤال: هل خلق البيئة المناسبة شرط اساسي لتجذر الحوار؟ وما دور كل من هذه العوامل في خلق هذه البيئة؟

تذكيرا بتعريفنا للحوار، هو “القدرة على طرح مختلف وجهات النظر اقرارا بالتعددية التي تعبر عن مصالح مختلفة وقناعات فكرية متعددة ومتنوعة والقبول المبدئي بتعدد الاراء، واحترام هذا التعدد والاختلاف”. ضمن هذا التعريف، الذي يعلي من قيمة الانسان وحريته وكرامته، نبدأ بهذا التساؤل: هل للتقدم الغربي علاقة بثقافة الحوار؟ لم يعد التقدم محصورا في الغرب بل ان دولا كثيرة في مختلف مناطق العالم تمكنت من التقدم. مما يزيد من الحاح طرح السؤال: هل للتقدم علاقة بثقافة الحوار؟ وما يتبعه من حرية تعبير وفكر واعتقاد واحترام الاخر؟ سوف نفترض في هذه المناقشة وجود علاقة. وسنحاول الاستدلال على ما يعزز هذه الفرضية وما يدحضها، ومحاولة الخروج بخلاصة للنتائج.

اولا السؤال حول الاسلام والحضارة العربية الاسلامية على انها السبب تدحضه الوقائع والاحداث التاريخية. بدأت الدعوة الاسلامية بالمطالبة بالحوار وابداء الرأي وحق التعبير عنه بالقول والاحتجاج. بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمطالبت قريش بحرية التعبير في قوله “خلوا بيني وبين الناس”. اي يدعو الى حرية الدعوة وحرية القبول او الرفض. وفي فترة الخلفاء الراشدين شهدت خلافات كما شهدت انتعاش لحرية الرأي وحرية التأويل والفهم لاحكام الاسلام، اعطى الخلفاء العقل حقه في الفهم، وهناك امثلة عدة في التاويل المختلف في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب تتعلق بالسرقة، وتوزيع غنيمة الحرب، والمؤلفة قلوبهم وغيرها؟ كذلك الحال بالنسبة للاممة من بعدهم. وكان هناك ثلاث مدارس فقهية مدرسة اهل الرأي، ومدرسة اهل الظاهر، ومدرسة اهل الحديث التي كانت اكثر تمسكا بالنصوص وعدم الخروج على الموروث منها. كما تنوعت المدارس العقدية مثل الاشعرية، والمتصوفة ، والمعتزلة التي اعطت العقل حقه. راجت في القرن الثاني الى الرابع الهجري بدءا من عصر المأمون النهضة الاسلامية الاولى، عنت بالعلوم والثقافة، فانتجت الفلسفة والعلوم. في هذه الفترة كان التعدد في المشرق العربي الاسلامي وفي الاندلس. اختلفت التوجهات ضمن المدارس الفقهية والعقائدية وتعددت الاراء الفلسفية في كتابات ابن رشد والعزالي.

ازدهر في عصر النهضة الاولى هذه العلم والحوار والاختلاف، واختطت لنفسها مسار العقل وثقافة الحوار والتعدد وانتجت العلم والاختراعات التي مازالت قائمة واستفاد منها الغرب في نهضته في بداية القرن الثاني عشر؟ راجت الكتابات الفلسفية والفكرية والثقافية المتنوعة وتجلت في كتابات ابن سينا والكندي والرازي واخوان الصفا والمعري والجاحض وغيرهم. وتمت مواجهة هذه الكتابات بكتابات اخرى تطرح الرأي الاخر، وليس القمع بقوة السيف. لكن سرعان ما تغير ذلك وانتهت هذه الفترة الذهبية في عهد القادر العباسي، الذي حدد عقيدة الدولة في الوثيقة القادرية والزم بها الناس وحجر على العقل ورفض الاختلاف والتنوع، تلاها الغزو المغولي الذي انهى الدولة العباسية عمليا، ومن ثم الغاء السببية في كتابات الغزالي. فهل كانت هذه بدايات رفض ثقافة الحوار ورفض الاختلاف وتجميد دور العقل؟

الى هذا الحد لا يختلف تاريخ الحضارة الاسلامية عن الحضارة المسيحية الاوروبية. السؤال لماذا لم تستمر النهضة التنويرية الاسلامية العربية هذه، لماذا تمكنت القيادات السياسية في الحضارة الاسلامية ان تفرض رؤيتها الاحادية وفشلت في الحضارة الغربية؟ وهل هذا كاف لإحداث هذا الفارق الكبير وانتاج التراجع العربي؟

بدأت محاولة اصلاحية اخرى في عهد محمد علي باشا في بداية القرن التاسع عشر حيث قام بحركة تحديثية واعتُبر بذلك مؤسس مصر الحديثة. كان لاصلاحاته اثر سياسي واقتصادي واجتماعي. فمثلا قام ببناء جيش حديث، واسس لمشاريع صناعية منها صناعة النسيج، واوجد نظام المدارس، وبنى تحتية، وشجع على تنمية زراعية وتجارية واسس للتنمية المستقبلية التي جعلت من مصر دولة رائدة في المنطقة. لكن هذه الاصلاحات لم تخْلُ من سياسة فوقية استبدادية لم تؤسس لحوار فكري. اي ان التحديث كان ماديا اكثر منه تحديثا فكريا.

تلتها حركة تنويرية في نهايات القرن التاسع عشر تناولت احياء النهضة الاولى، بدأت بالافغاني ومحمد عبده والطهطاوي. كانت حركة فكرية تجديدية اسلامية، مستفيدة من الكفاءات التي تخرجت من الجامعات وساهمت في اثراء الحوار. لم تستمر ومع ذلك فقد نشأت نهضة ثقافية وفنية كبيرة وحركة مدنية تمخضت عن احزاب سياسية تعبر عن تنوع انتهى بموجه قومية عربية احادية التوجه. لماذا انطفأت هذه المحاولات واستمر الوضع في التراجع؟ سؤال تطرق له العديد من الكتاب ويستحق البحث والتقصي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *