نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

حوار الحضارات.. إلى أين؟

 تاريخ النشر :٢١ مايو ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الأسبوع- حوار الحضارات الى اين التعصب الديني والفكري أساس الصراع والاقتتال- كيف نتجاوز ذلك؟ ماذا بعد الحوار، استمر الحوار ثلاثة عقود ومازال المسلمين يتقاتلون بدلا من الحوار. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13207/article/23563.html

تحت رعاية جلالة الملك عقد في البحرين مؤخرا مؤتمر حوار الحضاراتبمشاركة 500 شخصية فكرية ودينية وسياسية من مختلف الأديان والمذاهبيمثلون 24 دولة أبرزهم شيخ الازهر والأمير الحسن بن طلال والأمير تركيالفيصل. 

ألقى جلالة الملك كلمة في هذا الحفل قال فيها إن هدفنا جميعا هو «ان يسعدأبناء البشر ويأمنوا على ارواحهم واعراضهم واموالهم واوطانهم»، و«أنتتخلص الانسانية من التعصب والتطرف والإرهاب وتركز في جوهرها علىالانسان كفرد في ذاته». اما الحسن بن طلال فتساءل عن إمكانية اشتراكالأمم في القيم الإنسانية لبناء انساني جديد.  

بطريك انطاكيا جعل الغاية هي تأسيس قيم ثابته في حياتنا وهي التسامحوالمحبة والحرية والعيش المشترك. وعلى المستوى المحلي اعتبر وزير العدل حريةالفكر والعبادة قيمة اصيلة واعتبر «المساس بأي مذهب هو مساس بالدين كلهوان المذاهب هي فروع من شجرة واحدة» وطالب في نفس السياق بعدمتسييس المذاهب لتبرير العنف والبعد عن خطاب الكراهية. باختصار قدمالمشاركون رسالة مفادها «ان الحضارة الإنسانية تسعى إلى هدف واحد وهوسعادة الانسان».  

يتكرر هذا الحديث كل عام يدفعه الادراك بأنه لا طائل من تأجيج الاختلاف بينالأديان وجعله مادة للفرقة والقتل والتدمير. تزامن هذا الحدث مع اخبار قياممجموعة من المتعصبين تطلق على نفسها اسم «بوكو حرام» -أو التعليم الغربيحرام- باختطاف ما يزيد على مائتي طالبة وتعرضهن للبيع او الزواج بالإكراهلمنعهن من التعليم، كما حدث قبل فترة اطلاق النار على ملالا يوسف زاي كادتتودي بحياتها فقط لكونها تطالب بتعليم الفتيات. هذا الفكر المنحرف يدعي انهيطبق شرع الله ويفرضه بقوة السلاح على المجتمع الذي يعيش فيه. هذه الفئاتليست الوحيدة بل هناك مجموعات وأحزاب وقيادات دينية وسياسية تمارسنفس النوع من الإرهاب الفكري الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى مصادرة حقحرية التفكير وحق حرية التعبير وحق حرية الاعتقاد حتى وان تغلف بشرعيةسياسية. الحادثتان تبرزان جانبا من التعصب الديني ولكن هناك جوانب كثيرةمن التعصب يتبناها رجال يعتقدون أنها من الشرع ويجب فرضها بقوة السلاحاو سلطة الدولة من دون أي اعتبار لحرية المعتقد وحرية الرأي وكرامة الانسان. 

كم من المؤتمرات والمنظمات واللقاءات نحتاج إلى ان نصل فيها إلى قناعة بأنهالم تحقق أي شيء عملي في محاربة التطرف الديني والتعصب والاقتتال باسمالدين والصراع باسم المذهب؟ ونتساءل هل هذا بسبب صعوبة الامر ام عدمجدية القائمين عليه ام بسبب تداخل الدين والسياسة وعدم إمكانية الفصلبينهما ام هي طبيعة إنسانية تعود إلى جشع وطمع الانسان وصده عن الحقوالعدل والانصاف؟ ام هي ببساطة المصالح التي تعمي البصيرة وتشل العقل؟ 

يقول الأمير تركي (في كلمته حوار الحضارات إلى اين؟) إن منطقة الشرقالأوسط هي بؤرة صراع تتداخل فيه كل الابعاد الدينية والسياسية والاقتصاديةوالإنسانية والأخلاقية والثقافية مما يجعل إيجاد تسوية بين الأديان والمذاهبمهمة مستحيلة ما لم تُبْذل جهود حقيقية لتسوية القضية السياسية بصورةعادلة تقوم على مبادئ العدل والحرية والمساواة. مادامت الصراعات السياسيةقائمة بين الناس سواء كانت بين اطراف في المجتمع الواحد او بين الدولالإقليمية او الصراع الدولي فإن توظيف الدين في الصراعات السياسية سوفيستمر. وبذلك يستمر احد اهم مصادر الكراهية الدينية والصراع الديني وهذاما يجعله يستعصي على الحل. 

صحيح أن هناك جانبا كبيرا من الكراهية والتعصب بسبب الجهل وبسبباعتقاد البعض أنه يملك الحقيقة الوحيدة والكاملة وكل ما عداها هو باطل، ولكنهذا نابع من مواقف سياسية مسبقة مصدرها التاريخ والمصالح السياسيةوالاقتصادية الضيقة. نعم ان التوظيف السياسي للدين هو مصدر المشاكلوهذا ما يجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر المناطق توترا كونها مازالت لم تعالجالقضية السياسية علاجا تاما تكون فيه الحقوق السياسية والاقتصادية والدينيةوالثقافية واضحة وتخضع لقيم العدالة والمساواة والحرية التي تحدث عنهاالأمير تركي الفيصل. 

لم يفت المجتمعون وعلى لسان شيخ الازهر إلقاء اللوم على الغرب فيما تعانيمنه الامة الإسلامية من تشرذم وخلاف ونزاعات، واضعا المسؤولية على تعاليالغرب وانانية حضارته، كما لم يفته تذكير العالم بأمجاد الماضي وكيف كانالإسلام الأول دين محبة وسلام. ودعا إلى حوار بين العرب يوحد أهدافهمومقاصدهم قبل حوارهم مع الغرب، فماهي هذه المقاصد والاهداف التي يمكنللعرب ان يتفقوا عليها وهل يمكن للسلطات الحاكمة ان تتنازل عن امتيازاتهالتحقيق الوحدة القائمة على العدل والحرية والمساواة؟ 

طُرحت في المؤتمر أفكار كثيرة جديرة بالرصد والتفكير كما صاحب ذلك ادعاءكثيرين أنهم واحات التسامح وتعايش الأديان ولكن في نهاية المطاف المطلوبهو أولا: انهاء حالة الصراع السياسي الذي يجتاح المنطقة العربية والذي يغذيالتطرف الديني ويؤجج الصراع الطائفي بجميع اشكاله، ثانيا: وبالتزامن معذلك محاربة الفكر التكفيري وما يصاحبه من خطاب كراهية من خلال عمليةتنويرية تبحث في تاريخية الصراع واسبابه ودواعيه السياسية في صدرالإسلام وفي الحكم العضوض من بعده. وفي الحالتين فإن المعالجة تتطلبالعودة إلى القيم الإنسانية التي ذكرها الأمير تركي الفيصل وهي العدالةوالمساواة والحرية للجميع. ليس قولا ولكن تطبيقا في دساتير وفي قوانين وفيممارسة عملية على الأرض قوامها التوزيع العادل للثروات والمشاركة السياسيةالفاعلة وتكريس مفاهيم المواطنة وسيادة القانون عندها فقط يمكن محاصرةالكراهية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *