- رجال الدين … ماذا عن اصلاح المجتمع
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر 1 ديسمبر 2007
يركز رجال الدين في الاصلاح على الدعوة والارشاد الموجه الى الفرد في حثه على الطاعة والاستقامة وبطبيعة الحال فان هذه من الامور المهمة والاساسية في حياة الانسان المسلم تهدف الى اصلاح دنياه واخرته. والسؤال هو هل ما يقوم به رجال الدين في محاولات اصلاح الفرد يؤدي الى اصلاح المجتمع؟ وهل يولون اصلاح المجتمع نفس القدر من الاهمية؟
ان المشروع الاصلاحي يسعى الى اصلاح المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورفع قدرته الانتاجية ويجب ان تتظافر الجهود جميعا نحو هذه الغاية حتى لو اختللف المجتهدون في التوجهات والوسائل, وفي هذا المقال سنحاول ان نلقي الضوء على دور رجال الدين كونهم اكثر الفئات تاثير في مجتمعنا البحريني ونبدأ بفرضية ان الفرد له كيان مستقل وخصائص تختلف عن خواص وكيان المجتمع وبالتالي فان اصلاح الفرد لا يؤدي بالضروة الى اصلاح المجتمع.
يقوم علم النظم على مبدأ ان الكل اكثر من مجموع اجزائه. فمثلا فريق كرة القدم مكون من حارس ودفاع وهجوم ووسط، وكل المجموعات لها خصائصها التي تختلف عن خصائص اللاعبين انفسهم. نقول ان الفريق متجانس وخطوطه متماسكة وتكتيكاته ناجحة الى اخره. وهذه الخصائص ليست خصائص افراد. فخصائص الفريق هي محصلة تفاعل اللاعبين بالاضافة الى المدرب واسلوب معامله مع اللاعبين والاستراتيجية التي يتبعها والعلااقة التي تربط اللاعبين مع بعضهم وكيف يعامل المسئولون في النادي اللاعبين ومدى تطبيقهم القوانين والانظمة بعدالة على الجميع من دون محابات لاعب على اخر مما يعطي اللاعب الشعور بانه مقدر ومحترم لكفاءته ومهارته وليس لقربه من هذا المسئول او ذاك. وكذلك المجتمعات لها خصائص “قيم وتقاليد” تشكل عبر الزمن نتيجة تفاعل افراد ومؤسسات المجتمع وقوانينه وتعاملاته. وكما ان اصلاح فريق كرة القدم لا يقتصر على اللاعب بل يطول التشخيص كل الجوانب فكذلك اصلاح المجتمعات يجب ان يطول القيم المجتمعية.
وفي علم الادارة واصلاح المؤسسات يتم تاصيل القيم من الاعلى من قبل مجلس الادارة والرئيس التنفيذي. فاذا كان الرئيس الذي يطالب الموظفين بالجد والانتاج ويكافئ على النتائج ويعاقب على الاخفاقات غير المبررة. يقوم هو في نفس الوقت باعطاء ابن اخيه نفس المكافأة بسبب القرابة وليس لكفاءته وانتاجيته ويحابيه في الترقيات والتعيينات. فلن يتمكن هذا الرئيس من ترسيخ قيم الانتاجية والتفاني في العمل بل سيتحول الامر الى تحايل وتقرب من ابن الاخر هذا للحصول على المميزات والعلاوات. ولن يعم العدل والولاء للمؤسسة بل يزداد النفاق. فالفقر والفساد والمحاباة والتزلف كلها آفات اجتماعية اهم اسبابها عدم تاصيل القيم المجتمعية التي تتشكل من الاعلى الى الاسفل.
كذلك نجد ان الاسلام بدأ الاصلاح بتغيير العقيدة وتلاها بالقيم المجتمعية من عدالة اخاء ومساواة. فالمساواة ليست من خصائص الفرد بل هي قيمة اجتماعية ولا يكون الفرد متساويا. بل المجتمع يتصف بالمساواة، والفرد لا يكون عادلا الا تجاه مصالح غيره في المجتمع ، والاخاء هو شعور واحساس نحو الاخرين. وهذه الصفات المجتمعية تتشكل عبر الزمن ويتكون الوعي الاجتماعي والثافي الذي يميز مجتمعا عن غيره. وقد وضع الاسلام مبدأ مهما لاصلاح المجتمع وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حوله بعض رجال الدين الى محاربة المنكرات الفردية من دون التعرض الى الافات الاجتماعية التي اساسها عدم الالتزام بالقيم الاسلامية مثل العدل والمساواة والاخاء ومحاربة الفقر والفساد.
وبالرغم من ذلك نجد ان خطاب رجال الدين يكاد ينحصر في اصلاح الفرد والقيم التي يتحلى بها والاخلاق التي يتصف بها والممارسات التي يزاولها والتعاملات التي يقيمها والعلاقات التي يعززها. كما يركزون على اصلاح الاسرة لكونها الخلية الاولى في المجتمع وصلاحها مهم لصلاح افراد الاسرة. وكل هذه الامور مهمة واساسية في اصلاح الفرد والحياة العائلية لكن هذه لا تؤدي بالضرورة الى اصلاح المجتمخ. فكما بينا في فريق كرة القدم فاصلاح الجزء “الفرد” من المنظومة الاجتماعية لا يصلح الكل.
من هذا المنطلق نناشد رجال الدين ايلاء هذا الجانب من اصلاح المجتمع اهمية توازي الاهمية التي يولونها لاصلاح الفرد والاسرة. وان يدركوا ان كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته تعني بالدرجة الاولى اصلاح المجتمع من الاعلى وبالذات من قبل القيادات المختلفة.