- شجاعة الساسة في تقديم مبادرة
تاريخ النشر :30 سبتمبر 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
ان الوضع الذي نتج في البحرين بعد احداث فبراير ينبئ بكارثة مجتمعية حقيقية ظاهرها هذا الانشطار وباطنها عدم الثقة التي تغلغلت في المجتمع. يُرجع الكثير من المحللين هذا الوضع الى اربع عوامل هي العامل السياسي، العامل الاقتصادي، العامل الطائفي المذهبي، والعامل الاقليمي. لكن طبيعة الامور وعلم النظم يقول بانه لا بد من نقطة بداية للمشاكل تتعقد بعدها القضية وتتشعب الاسباب والدوافع. وبداية ازمتنا هو البعد السياسي. نستدل على ذلك من السياق التاريخي للاحداث منذ السبعينات الى اليوم. وكيف ان التأزيم ينحسر ويتلاشى عندما يلوح في الافق حل سياسي وامل في العدالة كما حدث في السبعينات عندما كان ينجح مرشح سني في دائرة شيعية والعكس. وكذلك عندما بدأ المشروع الاصلاحي في 2001 فَتحَوَّل التأزيم الى تلاحم بين القيادة والمجتمع.
هذا الوضع الكارثي نجد وللاسف من يقتات على استمرار جذوته بل والمساهمة في اشعالها. فالصحافة وبعض الصحفيين لا ينفكوا عن النفخ لاشعال النار لكي يستمر التأجيج وتتبادل التهم والصدامات. كما ان بعض السياسيين مازال يرى بان التصعيد في التأزيم والمحافظة على الزخم سوف يكسبه مراده. نقول للاطراف المعنية ان البحرين لا تستحمل هذا السلوك، وان القاء اللوم على الطرف الآخر لن يؤدي الى ايجاد حل، فالكل يجب ان يقر باخطائه وخطاياه وتجاوزاته.
ان التقدم بمبادرة لحل الازمة يتطلب ان ياتي من جمعية سياسية تتمتع بعقلية منفتحة تحاول ان تقرب بين مختلف المصالح المادية والمواقف الفكرية وتتعامل مع المخاوف والشكوك والتوجسات التي نشأت. فلا يمكن تجاهل ذلك في الوقت الحاضر. كما عليها ان تلتزم بمبادئ انسانية واسلامية في العدالة والانصاف للخصم قبل النفس. وان تكون لديها القدرة على التفكير بعقلية الآخر ووضع النفس في موقعه لفهم مواقفه ومخاوفه. واخيرا عليها النظر بموضوعية الى مايُطرح من حلول وتقييم مدى الاستفادة منها وطنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومردودها على الحياة المعيشية للفرد والمجتمع دون تمييز.
ما يحول دون ايجاد الحلول هو ماتعانية القيادات السياسية “الكبيرة” من عدم القدرة على قيادة الشارع البحريني المنقسم والمؤجج عاطفيا. ففي الوقت الذي يتطلب الوضع مواقف قيادية نجد القيادات تنقاد لعواطف الشارع وتجبن عن مصارحة “انصارها” بضرورة البحث عن حل عادل ومنصف للجميع. ان من واجب السياسي في مثل هذه الظروف ان يقود المجتمع ويقدم الحلول التي يؤمن بها، كما ان من واجبه ان يقنع اتباعه بسلامتها وجدواها على المدى البعيد لا ان يستسلم لعواطفهم.
يتطلب الوضع ان تتقدم “جمعية سياسية” بمبادرة تستطيع ان تقنع به اتباعها اولا والشارع ثانيا ليس بدغدغة العواطف بل بتناول الوضع باساليب مختلفة تخاطب به مختلف التوجهات الفكرية والمصالح والمستويات الثقافية. فهناك مدخل سياسي للحل يمكن ان يخاطب به البعض، وهناك مدخل اقتصادي وآخر امني ورابع ديني قِيَمي. واي طريق تنتهج سوف يقودها الى الحل السياسي واهميته ومركزيته. اما التفسيرات المذهبية ومحاولة قراءة النوايا وتأويل كل ما يحدث بمنظار احادي العدسات ومسايرة عواطف الشارع، فهذه العقلية لا يمكن ان تصل الى حل.
فمثلا لو اقتصرنا المشكلة في المطالبة بتحسين مستوى المعيشة كما يرى البعض، فسرعان ما ندرك بان ذلك غير ممكنا مالم نحقق اولا الامن والاستقرار، وثانيا المحافظة على المال العام من الفساد، وثالثا رفع قدرتنا التنافسية وتحسين انتاجيتنا وتعظيم امكاناتنا الابتكارية. والثلاث حالات تتطلب اصلاحات سياسية تسمح للمواطن اولا بالمشاركة في اتخاذ قرار في كيفية توجيه الاستثمار لكي لا يُجَيَّر لمصلحة فئة متسلطة ونافذه كما حدث في السابق. ثانيا ان يكون له رأي في كيفية توزيع ثمار التنمية وحصوله على نصيبه من الثروة لكي لاتستاثر بها فئة. وبدون اصلاحات سياسية تسمح بالمشاركة في القرار وفي المسئولية سوف يستمر الفساد وسوء توزيع الثروة وتعود حالة عدم الاستقرار. اي اننا رجعنا الى ان المشكلة سياسية بالدرجة الاولى. وسنصل الى هذه النتيجة لو بدأنا بمعالجة الاستقرار او بدأنا بمعالجة الطائفية التي تَغَلبت عليها مجتمعات كثيرة من خلال المواطنة وسيادة القانون. اما البعد الاقليمي فان المكاسب التي سيحققها المجتمع البحريني كفيلة بان تضع حدا لتأثير اي تدخلات. كما ان التيار التحرري الذي يجتاح المنطقة سوف يصل الى الجانب الشرقي من الخليج عاجلا ام آجلا ويغير الوضع في صالح الديمقراطية.
هذا يقودنا الى الاستنتاج بانه لا مناص من تقديم مبادرة سياسية تعطي كل ذي حق حقه وتفسح المجال للمجتمع بان يتعامل مع القضايا المختلفة بكل شفافية ومكاشفة مع وجود ضمانات لاحتواء المخاوف تتمثل في تدرج مُجَدْول يحقق الوصول الى النظام الديمقراطي الذي نرتضيه. وتلخيصا لذلك نقول بان المبادرة يجب ان:
- تعالج المشاكل بشكل مباشر (سياسيا) مع طرحها باساليب مختلفة تناسب مختلف التوجهات.
- تحقق توازن بين مختلف المصالح المجتمعية،
- تطلب تنازلات من الاطراف المعنية،
- خطوات مرحلية تمنح فترة بناء ثقة بين اطياف المجتمع.
وفوق كل ذلك لا بد من الاهتمام في كل ماتقدم بحفظ كرامة الانسان وكفالة حقوقه وتطبيق مبدأ العدالة للجميع. والايمان الراسخ بان التقدم والرخاء والاستقرار لن يتحقق دون تقوية المجتمع بوحدته من خلال اشاعة العدالة. فيا جمعيات سياسية مازلنا بانتظار مبادرتكم؟