- صفات عضو البرلمان الجيد (1)
تاريخ النشر : 6 مايو 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
طرح مواطن من دولة عربية كبيرة سؤالا على صديق له يعرف بسعة ثقافته وميوله السياسية. من هو البرلماني الذي تعتبره مميزا؟ للاجابة على هذا السؤال اخذ الصديق المثقف يبحث في ارشيف ذاكرته ليختار افضل برلماني، ولكنه لم يتمكن من تحديد او نستمية اي برلماني يمكن ان يوصف بانه مميز.
وبعد جهد واستغراب من عجزه في تسمية عضو البرلمان المييز، اكتشف ان السبب ليس ضعف البرلمانيين ولكن لعدم وجود برلمان حقيقي في هذه الدول العربية. وينطبق ذلك على الغالبية العظمى من الدول العربية. ادرك المثقف والمواطن ان البرلمان الجيد هو الذي يوجد البرلمانيين. وان المنظومة السياسية برمتها، من دستور، وحراك المجتمع وحيويته، وحرية الصحافة وحقوق الانسان ووعي الناخب بمساهمته في صياغة مستقبله ومستقبل وطنه، هي التي تصنع البرلمانيين المميزين. كانت هذه مقدمة ندوة في مجلس احمد جناحي حول صفات البرلماني الجيد تحدث فيها كاتب هذا المقال بالاشتراك مع المهندس عبدالله حويحي. سنتناول الندوة في ثلاثة مقالات، الاول يتعلق بالفكرة العامة والثاني مميزات البرلماني والثالث دور المواطن والمجتمع.
بدأ المتحدث بان البرلماني محكوم بجملة من المصالح الشخصية والحزبية والمهنية والفئوية والقبلية والوطنية. وان تغليب اي منها يعتمد اولا على طبيعة وسلوك النظام السياسي والقوة النسبية للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ثانيا على قوة وتنظيم المجتمع ووعيه بهذه القوة وقدرته على توظيفها لحماية حقوقه. وثالثا على قدرات النائب (القوي الامين) وقوته المستمدة من سلامة ادواته مثل الدستور المتوازن، واللائحة التي تحكم عمله، وادواته الرقابية، وتوفر المعلومات له، وحرية التعبير وحرية الصحافة. وان تحقيق ما تقدم مرهون بتوافر شرطين اولهما مواطن واع ومدرك لحقوقه وتاثير صوته، واستعداده لمساندة عضو البرلمان والوقوف معه واستخدام حقه الدستوري في الاحتجاج والتظاهر السلميين، ثانيا ان لا تكون الاحزاب او الجمعيات قائمة على مصالح طائفية تضعف المجتمع. بل قائمة على اسس تنموية ومصالح مهنية وطبقية مثل مصالح العمال، ومصالح رجال الاعمال، ومصالح النقابات والجمعيات ومجموعات الضغط.
تركزت مداخلات الحضور على نقطة واحدة تعكس مدى الاستياء والشحن الموجود في الشارع، ليس من اداء البرلمانيين بقدر ماهو من عدم الرضا عن ما افرزته العملية الديمقراطية طوال الثماني سنوات. ويعزى ذلك اولا الى ضعف المجتمع وعجز ممثلية حتى عن اجراء تعديل في لائحته الداخلية. وثانيا على عدم وعي المواطن بحقوقه التي لن تتحقق ما لم يستخدم صوته وادواته الدستورية لخدمة مصالحه. ويرى الحضور بان شعب البحرين يستحق برلمن افضل بكثير.
يقول احد المتداخلين بان ثماني سنوات من التجربة افرزت برلمان تسيطر عليه جمعيات سياسية تراعي مصالحها ومصالح المنتمين اليها وتتقاسم فرص التوظيف ودخلت في صفقات مع الحكومة على المناصب والمصالح ناسين انهم يمثلون المواطنين جميعا. ويبدو ان السيناريو سوف يتكرر بسبب الدوائر المحسومة وتدخلات رسمية وعيرها. لذلك على المجتمع ان يدرك ذلك ويكثف من جهود التوعية لكي يستطيع ان يوصل النائب الذي يمثله، ان لم يكن في هذه الدورة الانتخابية 2010، فعلى الاقل في الدورة الانتخابية القادمة 2014 او حتى 2018.
لم تسلم الجمعيات السياسية الاخرى من سخط الحضور، فقد حملها مسئولية ما وصل اليه الوضع من تهميش للمواطن. فقد عاشت هذه الجمعيات ومازالت تعيش بعقلية اتحاد الطلبة، وتتذكر تحالفات ونزاعات تلك الفترة وزلاتها وتبني عليها مواقفها السياسية الرافضة لقيادة المجتمع نحو نظام ديمقراطي اكثر فعالية وتمثيلا من اجل مصالح الوطن والمواطن. ونتيجة لهذا التقاعس فقد استشرى الفساد واستطاعت مجموعات متنفذة من الاستيلاء على ثروات ومقدرات الشعب كما اظهرتها تقارير املاك الدولة والتجريف والدفان.
ومع ذلك نجد ان الجمعيات السياسية هذه (القومية والديمقراطية والليبرالية) تقوم اليوم بعملية تقييم لحظوظها الانتاخبية وتضع المعايير لاعضاء البرلمان الذين ستزج بهم في العملية الانتخابية . وتدرس الفائدة من التحالفات فيما بينها والدوائر الممكن النزول فيها وهي لا تدرك بان هذا الجهد موجه الى نسبة صغيرة من الناخبين. اما الغالبية الساحقة من الناخبين فهي خاضعة لاعتبارات اخرى. فهي محكومة بمن يعطيها كيس العيش اوعلبة الدهن والمساعدات الشهرية التي تاتي من الجمعيات الخيرية. او انها خاضعة لاملاءات رجال الدين او مسخرة لارادة من يتحكم في رزقها . لذلك فان التحدي الذي يجب ان تتصدى له هذه الجمعيات هو كيفية الوصول الى هذه الشريحة الكبرى من المجتمع والتي هي في الغالب غير مثقفة سياسيا وغير واعية لمعنى العملية الانتخابية ومفاهيم الديمقراطية وعلاقتها بظروفهم المعيشية من سكن وتعليم وصحة وبمستقبل ابنائهم وفرص العمل المتاحة لهم.