- عبد الرحمن الكواكبي والربیع العربي – ليس مقالي
بقلم:محمد منذر الشرباتي
تاريخ النشر 28-10-2014 :
عبد الرحمن الكواكبي والربیع العربي تمر شعوبنا العربیة ھذه الایام في محنة عصیبة مركبة ومعقدة ، فھي تعاني من انحدار حضاري مریع ، وترزح في ظل أنظمة أقل ما یقال فیھا أنھا انظمة استبدادیة ، وتواجھ أخطارا محققة ، كنھب ثرواتھا ، وتفتیت ما تبقى من وحدتھا ، وتقسیم أراضیھا المجزأة منذ حطت أراضیھا أقدام الاستعمار الغربي . كما تعیش أمتنا تحت ضغط آلة إعلامیة ضخمة ، ودعایة مكثفة ، یبرع فیھا المحللون السیاسیون في عبد الرحمن الكواكبي والربیع العربي بقلم:محمد منذر الشرباتي 2020/08/22 https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/346080.html 2/4 إجلاء صورة ما نواجھھ ، فمنھم من یصفھ بالربیع العربي الزاھر والواعد بغد مشرق ، مستشھدین بقدرة الشعوب العربیة على التخلص من حكام مستبدین كما حصل في تونس ولیبیا والیمن ومصر . ومنھم من یوسم ھذا الربیع العربي بالخریف القاتم المظلم ، الذي أوقع بلادنا في الفوضى الخلاقة التي خططت لھا أمریكا ، حتى وصل الامر الى حد الاحتراب الداخلي وسقوط الدولة ككیان سیاسي ، وجلب لنا مزیدا من التدخل الاجنبي ، والنموذجان اللیبي والسوري شاھدین على ذلك . وقد لا یخطئ المرء حین یقرر أن أغلب المحللین السیاسیین قد أوقعوا المشاھد ومنھم كاتب ھذه المقالة في حیرة من أمره ، وزادوا الأمر غموضا ، خاصة وأن كلا منھم یقدم براھینھ من وجھة نظره ومنطلقاتھ الفكریة والعقائدیة والسیاسیة ، بعیدا عن الالتزام بالحیادیة والأمانة في نقل المعلومات . الا ان ھناك كثیر من المشاھد والأحداث تظھر أن ھناك خللا ما أصاب ھذه الثورات ، كاستدعاء قوى اجنبیة لنصرة ھذا الطرف أو ذاك ، وطول فترات القتال التي رفعت كلفة الثورة وحولتھا الى آلة ھدم بعكس ما یراد لھا ، وغرق بعض الدول العربیة التي شھدت الثورات بالفوضى بعد انھیار النظام الحاكم ، وعدم وحدة الثوار مما ینذر بتجدد الصراع الداخلي كما یحصل في لیبیا والیمن . قد یكون ھذا التحلیل متسرعا ، لكنني عندما طالعت كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي الذي توفاه الله عام 1902 ، انجلت لي كثیر من الامور التي كان لا بد لمن قاموا بھذه الثورات ووجھوھا بمراعاتھا قبل القیام بھا. فقد ذكر الكواكبي رحمھ الله خمسة وعشرین مطلبا لا بد من تحدیدھا والاتفاق حولھا ومن أھمھا : منبع سلطات الحكومة ، وشكلھا ، ووظائفھا ، وصلاحیاتھا ، والحقوق والواجبات المترتبة علیھا ونحوھا ، وطرق محاسبتھا ، والحقوق العامة والخاصة للشعب والأفراد ، وإقرار مبدأ الفصل بین السلطات الثلاث في الدولة . وكان البند الخامس والعشرین تحت عنوان ” مبحث السعي في رفع الاستبداد ” ، وتساءل الكواكبي ” ھل ینتظر ذلك من الحكومة ذاتھا ، أم نوال الحریة ورفع الاستبداد رفعا لا یترك مجالا لعودتھ من وظیفة عقلاء الأمة وسراتھا ” . وقد قرر ثلاثة قواعد لرفع الاستبداد والظلم ، فأوجب شعور الأمة كلھا أو أكثریتھا بآلام الاستبداد ، الذي لا یقاوم الشدة وإنما باللین والتدرج ، ویتطلب قبل البدء بمقاومتھ ، تھیئة ما یستبدل بھ الاستبداد . ولكي لا یتھم الكواكبي بالتخاذل من قبل الثوار ، ویفرح بھذه القواعد الحكام المستبدین ، استشھد الكواكبي بحكمة لشاعر ایطالي یحذر فیھا الطغاة قائلا : ” لا یفرح المستبد بعظیم قوتھ ومزید احتیاطھ ، فكم من جبار عنید َجْن َدلھ مظلوم صغیر ” . ولكي ندرك ما وقعت بھ الثورات من أخطاء وانحراف عن الھدف ، تدرج الكواكبي في شرح قواعده الثلاثة ، اذ اعتبر أن الامة التي لا یشعر معظمھا بالاستبداد ، لا تعرف للحریة والاستقلال طعما ، ویغلب عبد الرحمن الكواكبي والربیع العربي بقلم:محمد منذر الشرباتي 2020/08/22 https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/346080.html 3/4 علیھا الطاعة العمیاء والانقیاد للمستبد ، واذا ما غضبت منھ ، أزاحتھ واستبدلتھ بمستبد آخر ، رغبة منھا في الانتقام لا من أجل نیل الحریة . واذا ما نالتھا مصادفة ، فسرعان ما ستفقدھا ، وتنقلب الحریة الى فوضى . وأما مطالبتھ بإتباع الحكمة واللین والتدرج في إزالة الاستبداد ورفض استخدام القوة ، فقد عزاھا إلى وجوب ترقي الأمة في الاحساس والإدراك عن طریق التعلیم ، وھذا یتطلب وقتا طویلا وصبرا على عامة الناس لإقناعھم . ومن جھة أخرى فقد رأى أن اغلب المستبدین یحیطون أنفسھم بقوة الجند والمال والأنصار من رجال الدین وأصحاب الثروات والمصالح والدعم الاجنبي ، وأي مقاومة لھذا المستبد ستقود الى فتنة تحصد أرواح الناس . وینصح الكواكبي ، انھ في حالة انفجار غضب الناس في وجھ الاستبداد لشدة بطشھ وجبروتھ ، فإن على عقلاء الأمة الابتعاد عنھا فترة من الزمن ، حتى تسكن ثورتھا ، وتأخذ الثورة مداھا ، حینئذ علیھم بالأخذ بید الحكومة في توجیھ الأفكار نحو تأسیس العدالة ، مستبعدین كل من شارك في الاستبداد والفتن . ولعل القاعدة الثالثة كانت من أھم القواعد ، التي افتقدتھا الثورات العربیة ، وھي وجوب تھیئة ما یستبدل بھ الاستبداد ، كشرط لازم لأي عمل ، فمعرفة الغایة لا تفید شیئا إذا ُج ِھل الطریق الموصل الیھا . والمعرفة وحدھا ایضا لا تكفي ، بل لا بد من تعیین المطالب والخطة تعیینا واضحا ، والحصول على موافقة الاغلبیة علیھا بنسبة تتجاوز الثلاثة أرباع ، وإلا ستكون الغلبة للمستبد ، وستوقع الثوار في الخلافات أثناء الثورة ، وتغرق البلاد بالفتن . فالثورات العربیة وفقا لھذه الرؤیا ، إما أنھا نشبت عفویة دون تخطیط ودون أھداف واضحة وقامت في غیر أوانھا ، وغالبیتھا لم تكون الشعوب مھیأة لھا ، وفھمت الحریة أنھا مرادفة للفوضى ، وأخذ القانون بیدھا . واختم بما قالھ الكواكبي ” ولھذا قرر الحكماء أن الحریة التي تنفع الأمة التي تحصل علیھا بعد الاستعداد لقبولھا ، وأما التي تحصل علیھا على إثر ثورة حمقاء فقلما تفید شیئا ، لأن الثورة تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورھا ، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولا ” . فنحن بحاجة الى رؤیا واضحة لعلل ھذه الأمة ، ونظام تعلیم متین ینقذ الناس من جھلھم لحقوقھم وواجباتھم ، قبل القیام بأي ثورة تجعل الناس یترحمون على أیام ما قبلھا . الباحث : محمد منذر الشرباتي – الخلیل ماجستیر تاریخ 2014-10-26 ارسالھا ت