نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

قـطاع الإعـلام ودوره فـي الـتـنـمية الاقتصادية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٣ مايو ٢٠٢٠ – 02:00

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة «الصحافة من دون خوف أو محاباة»، بودنا أن نوسع النقاش ليشمل الإعلام بشكل عام ودوره في التنمية والتقدم العلمي والفكري وارتفاع مستوى المعيشة للناس وكذلك رفع القدرات الإنتاجية في عالمنا العربي. الإعلام (والصحافة جزء مهم منه) يلعب دورا كبيرا في تصحيح المجتمع والسلطة، وهو جزء من تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, الذي يعتبره بعض رجال الدين المستنيرين على أنه سلطة رابعة. وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته إلى حرية الكلمة بقوله «خلوا بيني وبين الناس»، واستمرت الدعوة الإسلامية على المنوال نفسه في تحرير إرادة الشعوب التي كانت خاضعة للقهر والإكراه وكانت الدعوة الإسلامية هي تحرير هذه الإرادة تطبيقا لقوله سبحانه «لا إكراه في الدين», وإعلاءً لكلمة الله العليا التي سبقت لأهل الأرض.

أما على مستوى الدول العربية فإنها تحتفل بالإعلام وحرية الصحافة وحرية الكلمة في مناسبات عدة. فمثلا في 2018 نظمت إحدى الدول العربية ورشة عمل بعنوان «مقدمة حول أهداف التنمية المستدامة ودور الإعلام في السعي نحو تحقيقها». تقام هذه الورشة من منطلق الإيمان بدور الإعلام في التنمية، وتهدف إلى توسيع مدركات المتخصصين والإعلاميين بما يسهم في تنفيذ أجندات هذه الأهداف. كذلك أعلنت مؤخرا جمعية إعلامية في دولة عربية أخرى عن إقامة مؤتمر إعلامي بعنوان: الإعلام والتنمية. وأول محور في هذا المؤتمر هو «الإعلام والتنمية: الأدوار والمتطلبات والتحديات». 

الإعلام كأي أداة له حسناته وسيئاته ومشاكله ويحتاج إلى قوانين تحمي الفرد والمجتمع من أي تعديات، في نفس الوقت هو يقوم بعدة ادوار إيجابية كثيرة نود أن نتحدث في هذا المقال عن دور محدد يختص بالتنمية الاقتصادية. أصبح الإعلام قطاعا واسعا من قطاعات الاقتصاد الذي يضيف إلى الإنتاج المحلي الوطني, فإذا عددنا مجالات الإعلام والإنتاج الفكري نجده يشمل الصحافة والسينما والمسرح والإنتاج الأدبي من كتب وأوراق بحثية وأوراق عمل ومؤتمرات وسياحة ثقافية وهذا قطاع واسع يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي وخلق فرص عمل. كثير من الأنظمة العربية ليست مطمئنة إلى ترك الإعلام يعمل بشكل مستقل عن السلطة وأخذت تهيمن عليه لتطويعه لترويج أيديولوجيتها. وهذا التوظيف السياسي حد من فعالية الإعلام في التنمية وجعله قطاعا غير مساهم بشكل كامل في التنمية، فهل يستعيد الإعلام دوره؟

تؤدي المؤسسات الإعلامية دورا أساسيا في مجال توفير منصة لحرية التعبير والنقد والنقاش الديمقراطي المطلع بين جهات فاعلة مستنيرة بمعلومات صحيحة وموثوقة وحديثة، يتعلم المجتمع من خلالها عن نفسه وعن قدراته. مثل هذه المقاربة تعالج مشاكل المجتمع الاقتصادية والتنموية بشكل فعال يجنب الدولة مطبات قد تكون مكلفة ومدمرة, أي أن الإعلام ناشر للأفكار والمعلومات وحتى القصص والتخيلات التي تتحول في دول أخرى إلى أفلام وأعمال فنية تلفزيونية تدر الملايين, كما أنه يصقل فهم القيم والعادات ويشكل وسيلة للتعبير الثقافي والتماسك المجتمعي, بالإضافة إلى كونه أداة رقابية مهمة.

كل هذه المجالات العلمية والأدبية والفنية والاجتماعية هي مجالات لخلق فرص عمل فيما لو تم استغلالها بشكل فعال. استغلال هذه الطاقات يتطلب تنمية وتطوير جانبي العرض والطلب في المعادلة الاقتصادية في السوق العربية. من ناحية العرض لا بد أن يكون ما تعرضه وسائل الإعلام على نوعية عالية تنافسية. الإنتاج الإعلامي والعلمي والفني والأدبي يعتمد، في قدر كبير منه، على المحتوى والمعالجات التي يقدمها لقضايا المجتمع. وهذه كلها تحتاج إلى مناخ من الحرية والمصداقية والشفافية، تتفاوت فيها الدول العربية، فكثير منها تضع قيودا صارمة على إنتاج المعلومة والوصول إليها وانتشارها وتوظيفها في أعمال علمية وفنية وادبية. أما من حيث الطلب فان جودة المنتج سوف ترفع الطلب عليه، وزيادة التعليم والانفتاح السياسي والاقتصادي لا بد أن ترفع من مستوى الوعي والحاجة إلى مزيد من المعرفة وزيادة الطلب, فهي عملية تفاعلية ديناميكية تصاعدية إلى الأعلى تخلق قطاعا إعلاميا مساهما في الاقتصاد والتنمية.

بالإضافة إلى ذلك فإن للإعلام دور في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعتبر أساسا في نقل المعرفة وفي التنمية. الاستثمار أصبح يفضل الدول التي يثق في معلوماتها وفي استقرارها وانفتاحها وشفافيتها, وبذلك يكون الإعلام وتوفر المعلومة ورواج بيئة النقاش والحوار الصحفي والمرئي يعتبر مؤشرا أساسيا في تقييم مستوى الانفتاح وبالتالي جذب الاستثمارات الخارجية.

في اقتصاد المعرفة الذي يتوجب على الدول العربية التوجه له، فإن دور المعلومة والمعرفة وبالتالي الإعلام يصبح محوريا وأساسيا في جهود التنمية الاقتصادية والإنسانية. يقول تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2003 «لعبت وسائل الإعلام دورا محوريا في نشر المعرفة. لكن الأهم من منظور التنمية الإنسانية وبناء مجتمع المعرفة هو العلاقة بين حرية الإعلام وتقدمه من جهة وبين ازدياد كل من العرض والطلب على المعرفة. فكلما توسعت حدود حرية الإعلام وتعزز عمقه في قضايا التنمية الإنسانية من حكم صالح ومعرفة وتمكين المجتمع كلما تجذرت التوجهات المجتمعية الممكنة للتحول نحو مجتمع المعرفة». اقتصاد المعرفة يقوم على البحث والتطوير، والبحث العلمي، في المجالات الإنسانية والاجتماعية، لا يمكن أن يتقدم دون وجود حرية كلمة بالمعنى الحقيقي. هذا المجال إذا ما انفتح فانه سوف يستقطب باحثين ومساعدين وكُتَّاب وناشرين وكل هذه فرص عمل تضيف إلى الناتج المحلي العربي. 

من ذلك يتضح لنا حجم الخسائر التي تلحق بالدول العربية من جراء عدم استغلال هذا القطاع الهام في التنمية الاقتصادية والبشرية والإنسانية. فرص العمل الممكنة في هذا القطاع من شأنها أن تشجع دراسة تخصصات ليس لها سوق اليوم، وهي أساسية لتقدم ورقي المجتمعات. من هذه التخصصات التي فقدت سوقها بسبب ضعف قطاع الإعلام هي الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا والتاريخ والأدب ودراسات الإعلام المتعددة. مثل هذه التخصصات تنتج كتابا ومحاورين ومذيعين وناشرين ومحللي أخبار. أما الخسارة الأكبر فهي عجزنا عن تنمية الفكر النقدي المحاور المطلوب لمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة والولوج في عالم القرن الواحد والعشرين متسلحين بمنظومة ابتكار عربية قومية إقليمية تخدم ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين مليون نسمة قادرة على أن تنافس في هذا العالم ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن على المستوى السياسي والعسكري ومن منظور الالتزام بالمصالح العامة المتفق عليها للأمة. هذا هو حجم الخسارة من جراء التضييق على حرية الإعلام وحرية الصحافة وحرية الكلمة.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *