نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الازمات المالية والمشاكلل الاقتصادية

تاريخ النشر :13 سبتمبر 2011 طباعة 11
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
يرى الكثير من الاقتصاديين والمصرفيين ان ازمة الديون الامريكية سوف تترك اثارا كبيرة في اقتصاديات المنطقة بسبب اعتماد هذه الاقتصاديات على النفط وعلى الدولار كعملة احتياطية حيث يبلغ احتياطي البحرين 30-35 مليار دولار كما ان سعر النفط مقدر بالدولار الذي فقد 30% من قيمته خلال السنوات العشر الماضية. وفي حالة التباطؤ المتوقع فسوف تتاثر دول الخليج بعزوف الاستثمارات الخارجية بسبب الاوضاع غير المستقرة في الدولار وفي المنطقة. يصاحب ذلك ضعف قدرة البنوك المحلية على توفير الاستثمار. مع انفاق حكومي حذر بسبب تدني سعر النفط. كل ذلك يشير الى تباطؤ الاقتصاد الخليجي. ونتساءل لمذا تركنا اقتصادنا رهنا بتقلبات سعر الدولار والازمات الغربية، وهل كان بالامكان ان يكون الوضع مختلفا؟
الازمات المالية المتكررة في اوروبا وامريكا هي في المحصلة النهائية نتيجة لضعف الانتاج في هذه الاقتصاديات الكبيرة. ففي الوقت الذي تصدر الصين معظم المواد المصنعة في العالم سابقة بذلك المانيا التي كانت اكثر الدول تصديرا للمواد المصنعة، انخفضت مساهمة امريكا واوروبا في الانتاج الصناعي. هذا الانخفاض ادى الى زيادة ديون هذه الدول لتغطية الحياة المترفة التي تعيشها. ومن المؤلم العلم ان هذه الحياة المترفة هي في الواقع على حساب وبمساعدة دول الخليج التي تضخ اموال وعوائد النفط في سندات الخزانه لهذه الدول، كما تسهم الصين في تمويل هذه الحياة المترفة الى ان ارتفعت ديون امريكا الى ما يزيد على الناتج القومي. الدرس الذي يمكن ان نستنتجه من ذلك هو ان الازمات المالية هي من صنع الانسان ممثلة في السياسات المالية والاقتصادية ونمط الانفاق ونوعية الحياة التي تنتهجها الدولة.
الدول العربية والخليجية بشكل خاص معرضة لمثل هذه الازمات، ليس فقط كطرف متاثر بازمات خارجية كباقي دول العالم ولكن كذلك معرضة لازمات حقيقية من صنع مجتمعاتنا. بامكان دول الخليج اخفاء مظاهر الازمات بسبب الفوائض المالية المتوافرة من النفط. فالنفط يشنل ورقة التوب التي تخفي عوارات الدول الخليجية وتخفي ممارسات الفساد والبذخ والانفاق الزائد على التسلح لمساعدة الغرب على تجاوز مشاكلة وتشغيل مصانعه. اي ان دول الخليج تقدم التضحيات من اجل امريكا فخسرت في عامي 2008-2009 ما بين 25 الى 40% من اجمالي اصولها (مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية) وكذلك تكبدت خسائر بلغت تريليونين ونصف تريليون دولار منها 620 مليار قيمة عقارات اوقفت او الغيت، و 400 مليار خسائر الصناديق السيادية. وليس بالامكان سحب اي من الاصول في الغرب بسهولة. نتيجة لهذه السياسات الخاطئة نجد ان ارتفاع مستوى المعيشة في الدول الخليجية هو وهمي ووقتي ومقتصر على طبقات معينة، ويصاحبه ارتفاع كبير في البطالة المخفية بسياسات حكومية في التوظيف. وهي في تزايد مع تزايد القوة العاملة التي ستصل الى 20.5 مليون بحلول عام 2020. في حين نجد ان تركيا الدولة غير النفطية وبسبب القدرة الانتاجية فان متوسط دخل الفرد فيها يفوق متوسط دخل الفرد في دول الخليج.
الدرس المهم الذي استوعبته دول شرق آسيا ومازلنا نجهله هو ان مستوى المعيشة لا يمكن ان يستمر مالم يصاحبه انتاج وصادرات وقيمة مضافة وقدرة تنافسية وابتكار تجعل الاقتصاد قادرا على المنافسة وتوفير فرص عمل برواتب مجزية تسمح برفع المستوى المعيشي.
ان ارتفاع المستوى المعيشي الانساني لم يبدأ منذ اختراع المال او استخراج النفط، بل بدأ عندما كان الانسان فطريا وحرا طليقا فاستخدم قدراته الابتكارية لاختراع وسائل ساعدته على زيادة انتاجه، اي توظيف المعرفة لخدمة البشرية، باختصار التكنولوجيا. ومن اوائل هذه الادوات هو المحراث وادوات الصيد البدائية التي اخترعها الانسان لرفع قدرته الانتاجية في الزراعة والصيد واستطاع ان يؤمن فائضا من الغذاء مكنه من ان يمتهن الصناعات اليدوية وينعم بفراغ للتفكير والتمتع بالحياة. فاستطاع ان يبادل فائض انتاجه بسلع اخرى مثل الملابس والسلاح والادوات المنزلية.
ان رفع مستوى المعيشة الذي تنشده الثورات العربية والشعوب يعتمد على ارتفاع مستوى متوسط الاستثمار لكل مواطن وليس على مستوى دخل الدولة. فدخل الدولة الذي يوظف في الصرف البذخي ويقدم للغرب على شكل قروض وصفقات سلاح لا يرفع من مستوى معيشتنا. ان نتائج الاستثمار في رفع قدراتنا الانتاجية هو الباقي، اما الدخل الذي لا يوظف في ذلك فهو متقلب وفان.
نستطيع القول وبكل ثقة : ان حكوماتنا العربية والخليجية فشلت في ادراك هذه الحقيقة وتجاهلت تماما اهمية الانتاج والتصنيع والعلم وانتاج المعرفة لرفع مستوى المعيشة وركزت في تمويل متطلباتنا المعيشية من النفط او المساعدات الخارجية، وهذا لا يقل خطورة عن الازمات التي تواجه الغرب الذي يمول مستواه المعيشي باموال النفط الفائضة التي تتحول الى الغرب من دول الخليج وغيرها. يقول مركز الدراسات في ملخص كلامة: ان الحل يكمن في تطوير البيئة الاستثمارية في الدول الخليجية للحد من هجرة رؤوس الاموال. ولكن من المسئول عن ارسال الاموال الى الخارج ومن المسئول عن تحسين البيئة الاستثمارية؟ في الحالتين هو الحكومات.
وبعد كل ذلك لنا ان نتساءل هل فعلا هذه الازمات مصدرها الخارج ام ان الوضعين الداخليين الاقتصادي والسياسي، والسياسات التي تنتهجها حكوماتنا، هي سبب مباشر في تعرض اقتصادنا ومجتمعاتنا لتقلبات الاقتصاد الغربي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *