- ماذا بعد الاحداث .. كيف نعود الى مسيرة الاصلاح؟
تاريخ النشر :16 ابريل 2011 – طباعة 3
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في هذا الجو المشحون بالحس الطائفي بسبب ما انتجته القراءة الخاطئة لواقع البحرين، مازلنا نسمع قصصا توحي بالامل لان البحرين مازالت بخير وان كثيرا من ابنائها مازالوا يرون ان الانسان يستحق ان يحترم وان يعامل كانسان ونتعامل معه على هذ الاساس بغض النظر عن الانتماءات المختلفة او كبواته اوحتى جرائمه. الانسان في نهاية المطاف هو المخلوق الذي كرمه الله لذاته وليس لديانته او مذهبه او لونه. ومن هذا التكريم ان وضع الله سبحانه وتعالى شريعة للتعامل مع الملتزم باخلاقيات ونواميس الكون في احترام النفس البشرية, واحترام مصالح الاخرين من مال وعرض وعقل وعقيدة ونسل، ومحاسبة المسيء والمجرم على قدر اساءته او جرمه من دون افراط او تفريط. وجعل له في الاحسان والاساءة حدودا وحقوقا وأوكل أمره إلى ولي أمر الزمه العدل والاحسان في الحقوق كما اوصاه بالحزم والمساواة في المحاسبة.
في هذه الاجواء مازلنا نسمع عن التزام المواطن بالاخاء والانسانية في تغليب ميزان العدالة والانصاف والتعاون في سبيل المصلحة العامة. ففي احدى الوزارات في شهرمارس من العام الحالي, اي في وسط الاحداث المؤسفة والشحن الطائفي, تتفضل احدى المديرات “شيعية”؛ بترقية احد الموظفين “سني سلفيء” تقديرا له على تفانيه في العمل. لكن هذا المواطن “السني السلفي” يرفض الترقية ويتنازل عنها لزميله في نفس القسم “شيعي”؛ ويقول انه احق بهذه الترقية.
مثل هذه القصص تظهر ان الدين والمذهب ليسا بعائق امام حسن العلاقات الانسانية، وتشيع الامل بانه بامكاننا تجاوز ماحدث اذا ما وضعنا واتفقنا على اسس ومعايير لتقييم خطواتنا في مسيرة الاصلاح والتنمية التي يبدو ان الجميع مقتنع بضرورة استمرارها. فجلالة الملك يرى ذلك وسمو ولي العهد ينادي به وسمو رئيس الوزراء يحث عليه. والمواطنون والجمعيات السياسية وتجمع الوحدة الوطنية جميعهم يدعون اليه ويقترحون مَساراته.
واسمحوا لي ان استخلص بعض الأسس من مقابلة سمو ولي العهد في 7 مارس اذ يقول “ان الحوار الحضاري والمخاطبة العقلانية هما السبيل الوحيد لنسمع بعضها بعضا وان نصون وطننا الحبيب بالحوار كي نجنبه الفلتان . وان نضمن للشباب حقهم في التعبير السلمي عن انفسهم وطموحاتهم”. ان اول هذه الاسس هو الاقرار بحق الآخر في اسماع صوته حتى وان اختلفنا معه وان يكون ذلك باسلوب حضاري. ثاني هذه الاسس هو “ان هذا التعبير لا يكون على حساب حرية الآخرين”. موضحا سموه أن الالتزام بشجاعة التعبير عن الرأيء يجب ان يقترن بحق المواطن الآخر في حريته والحفاظ على مصالحه وعدم الإضرار بهاء. اي ان المطالية بالحقوق لا بد ان تدرك وتّعي حقوق وحرية الآخرين. والاساس الثالث هو ان “الاستبداد والتسلط يؤديان إلى تفاقم المشكلات”. وهذا الاستبداد بالرأي يمكن ان يصدر من شخص صاحب قرار او من جماعة تفرض ارادتها على جماعة اخرى سواء أكانت اقلية ام اكثرية. والاساس الرابع هو “أن يشعر الجميع بالطمآنينة والأمان وأن نتجنب التأجيج والشحن وأن نعود بالحوار الى وسائله الناجحة”، وهذا يشمل كيفية الحوار ومكانه والذهنية المنفتحة للاستماع والتفهم.
بالاضافة الى تلك الأسس فاننا بحاجة الى معايير نزن بها مطالب الاصلاح والتنمية، ونحتاج الى جرأة لمساندة التغيير الذي يتفق مع هذه المعايير، ورفض ما يتعارض معها، ونتحاور فيما نختلف عليه. ونرى أن أهم هذ المعايير هو العدالة وإحقاق الحق، فالمحك هو: هل التغيير سيؤثر في معيشة المواطن ويحقق له حياة حرة كريمة؟ المعيار الثاني هو الوحدة الوطنية وتقوية المجتمع. وعلينا ان نجيب عن السؤال: هل التغيير يعزز الوحدة الوطنية ام يضعفها؟ والمعيار الثالث هو هل التغيير يقوي الامن القومي ام يقوضه؟ قد نختلف او نتفق على ماهو مصلحة وطنية, فليكن الحوار الفعال هو السبيل مسلحين بمعيار العدالة لانصاف الفرد، ومعيار الوحدة الوطنية لتقوية المجتمع، ومعيار الامن القومي لحماية الدولة.
بهذه الاعتبارات فان ما أجمع عليه المجتمع هو اهمية وضرورة الحوار لمناقشة المبادئ السبعة التي عرضها سمو ولي العهد والتي اكتسبت صفة المصلحة الوطنية بعد ان اتفق عليها المجتمع وتعهد سموه برعايتها في كلمته الاخيرة حين قال ان “المؤسسات الدستورية القائمة، التي لم تنج من محاولة المساس بها والإضرار بمسيرتها، ستظل قادرة – كل في دائرة اختصاصه – على تفعيل التطوير في مسيرة المشروع الإصلاحي الشامل في المملكة الذي لن ابخل بجهد فيما شرفني به سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك الوالد من مشاركتي إياه في دعمه والمضي به قدماً”. وهذا يعني ان سمول ولي العهد سيبذل جهدا لممارسة هذا التشريف في المشاركة والدعم للحوار لتحقيق المبادئ التي اطلقها سموه، اولا لان هذه المبادئ اكتسبت اهمية كبيرة في مسيرتنا نحو الديمقراطية والتنمية لا يمكن التفريط فيها. وثانيا ان بهذه المبادئ تتحقق المعاييير الثلاثة التي اسلفنا اهميتها وهي العدالة والوحدة الوطنية والامن القومي.