نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. نوابنا الأفاضل.. جهاز تخطيط وليس هيئة ولا وزارة

  تاريخ النشر :١ مايو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- ضرورة وجود جهاز تخطيط على مستوى الحكومة وليس وزارة او هيئة تخطيط. الجهاز اقل كلفة واقدر على الحصول على المعلومات…

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13552/article/20327.html

 في اجتماعها الأخير أوصت اللجنة التشريعية بمجلس النواب برفض مقترح «انشاء هيئة عليا للتخطيط». هذه ليست المرة الاولى التي تطرح قضية انشاء هيئة عليا للتخطيط. فقد تم طرحها في عام 2002 وفي عام 2009 وفي عام 2011 وفي عام 2013. تم تداول الفكرة في مجلسي النواب والشورى وتم رفضها، لأسباب مماثلة مع إضافة عنصر التكلفة، فالمقترح لم يمرر على مدى ثلاث دورات نيابية.

 وجه اعتراض اللجنة: «تعارض الصلاحيات مع اختصاصات مؤسسات الدولة المختلفة مثل جلالة الملك ومجلس الوزراء وبعض الوزارات، وحتى صلاحيات مجلس النواب»، وبذلك، وفق رأي المعترضين، فهي تخالف المادة 32 من الدستور المعنية بفصل السلطات. 

 الإشكالية التي يقع فيها بعض النواب هي عدم الفصل بين ضرورة وجود جهة تقوم بوظيفة التخطيط، وبين شكل وتسمية هذه الجهة. الحاجة إلى وظيفة التخطيط قائمة وضرورية ومبرراتها كثيرة، الاختلاف هو على شكل هذه الجهة، وارتباطها وصلاحياتها، والتطبيق العملي والعقبات التي سوف تواجهها. أما موقف الحكومة فهو غير معروف، لكن من مواقف سابقة، كانت ترى أن وجود تخطيط على مستوى الوزارات يكفي ولا حاجة إلى تخطيط مركزي، ولا نتفق مع هذا الرأي. 

 أولا ان وظيفة التخطيط هي جزء أساسي من العملية الإدارية، ووظيفة التخطيط تتم بصور مختلفة في جميع المؤسسات سواء كانت تجارية أو حكومية أو مجتمعا مدنيا. الاختلاف هو في شكل الناتج من هذه العملية. هل سنخرج بخطة استراتيجية مكتوبة يلتزم بها الجميع، أم سنخرج بتصورات غير مكتوبة تقبع فقط في ذهن من صاغها؟ في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تدار من قبل شخص واحد، قد لا تتم عملية التخطيط وفق معايير، لكن التوجه والخطوات واضحة في رأس صاحب المؤسسة، وقد تتغير وفق الظروف التي تمر بها مؤسسته. أما في المؤسسات الكبيرة التي تدار من قبل مجالس إدارة وطاقم إداري متعدد فإن وظيفة التخطيط تتم بصورة منظمة ومؤسسية، ولها مخرجات محددة ومكتوبة. وتختلف المؤسسات من حيث: من يقوم بهذه الوظيفة، وكيف يقوم بها وما هي مخرجاتها وارتباطها، وهذا يعتمد على طبيعة عمل المؤسسة وحجمها ومستوى التعقيد فيها وسرعة التغيير في بيئتها وثقافتها المؤسسية وعلاقاتها الداخلية.

 في عالم اليوم لا يمكن إدارة بلد وإحراز تقدم اقتصادي أو مجتمعي من دون وجود جهاز تخطيط على مستوى الحكومة يقوم بمهمة التخطيط للعمل الحكومي سواء من حيث تقديم الخدمات، أو توجيه جهود التنمية، أو تحقيق الامن والاستقرار. فعلى جميع الأصعدة هناك تحديات كبيرة تواجه البحرين ترجع إلى حجم البحرين وحساسيتها الديمغرافية ومواردها الطبيعية. 

 في دراسة امريكية تقول انه يتم خلال العشرين سنة المقبلة رسم الخارطة الاقتصادية في العالم؛ فأين سيكون الخليج وأين ستكون البحرين؟ وقريبا ألقى معالي وزير مالية البحرين كلمة امام لجنة التنمية في اجتماعات محافظي صندوق النقد الدولي ذكر فيها أهمية مواجهة التحديات من خلال توزيع متوازن للموارد وضمان كفاءة الانفاق لتحقيق النمو والحد من الفقر ودعا إلى نهج استراتيجي في هذه المواجهة، وخصوصا ان الاعتماد على النفط قد استنفد اجله ولا بد للنظر بعيدا لضمان مستقبلنا ورخاء مجتمعنا.

 تلبية طموح معالي وزير المالية ومتطلبات المجتمع وأسئلته تتطلب رؤية واضحة لمستقبل المنطقة وكيف ستتأثر بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. التحدي الاقتصادي هو اهم التحديات كونه يؤثر على نوعية الخدمات التي تقدمها الحكومة ويؤثر على مستوى المعيشة التي تحققها جهود التنمية وبالتالي يؤثر على الامن والاستقرار. 

 يتفق معظم النواب على أهمية التخطيط لمواجهة المستقبل، ولكن يختلف الطرح في التنفيذ. هناك من ينادي بوزارة للتخطيط ومن يطالب بهيئة عليا للتخطيط، ومن يرى ضرورة وجود جهاز للتخطيط. هذه الصيغ مستخدمة في كثير من الدول. يختلف التطبيق باختلاف طبيعة ونظام الدولة وحجمها ودرجة نضجها ونظامها السياسي. لكن الأهم هو وجود وظيفة التخطيط. فمثلا في بريطانيا على كبر حجمها وتنوع اقتصادها وتاريخها نجد ان التخطيط هو جهاز في رئاسة الوزراء، لذلك لا يمكن القول ان التخطيط على مستوى الوزارات يكفي.

 الخلاصة هو انه أمامنا ثلاثة خيارات: أولا ان يبقى الوضع كما هو من دون تخطيط، وهذا ليس بخيار بل عملية انتحار مجتمعي بطيء، الخيار الثاني انشاء هيئة عليا أو وزارة للتخطيط، والخيار الثالث إيجاد جهاز صغير في مجلس الوزراء يقوم بعملية التخطيط ويستفيد من القدرات المتوافرة في البلد من مجلس التنمية ومراكز الأبحاث.

 بالنسبة إلى البحرين وما يفرضه حجمها نرى ان انشاء هيئة عليا للتخطيط سيكون مكلفا، وسيكون التعيين فيه وفق معايير لا تمت للتخطيط بصلة، وسوف يتضخم الجهاز ويخضع لتجاذبات القوى الفاعلة في الدولة وقد يتعارض مع مجلس التنمية الاقتصادية ومع الوزارات. وخيار انشاء وزارة للتخطيط، فإن الثقافة السائدة في الحكومة سوف تشل عمل هذه الوزارة ولن تحصل على المعلومات التي تملكها الوزارات المختلفة، بالإضافة إلى ان تكلفتها قد تكون أكبر من الهيئة. 

 لذلك نرى ان الصيغة الأكثر فاعلية هو ان يكون جهاز صغير في مجلس الوزراء يقوم بعملية التخطيط بشكل شمولي ومتكامل ويتعامل مع التخطيط بجميع حلقاته ومستوياته. وارتباط هذا الجهاز بمجلس الوزراء مباشرة يمنحه سلطة أكبر على الوزارات ويساعده في متابعة تنفيذ الخطط وتخصيص الميزانيات، وقدرة على الحصول على معلومات اشمل يستخدمها في التخطيط. هناك نماذج أخرى في الخليج ترتبط بالملك مباشرة، مثل عمان والسعودية، وهذه في نظرنا لا تتناسب مع وضع البحرين التي يُعتبر العمل الإداري فيها مرتبط تاريخيا برئاسة الوزراء، وهو الأفضل من حيث فصل السلطات وكذلك من حيث إمكانية المساءلة. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *