- هل حكوماتنا جادة في التنمية المستدامة؟
تاريخ النشر : 18 سبتمبر 2009
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الاستدامة هي أحد أهم القيم التي وردت في الرؤية الوطنية والتي يُبنى عليها مستقبلنا الاقتصادي بالاضافة الى قيمتي التنافسية والعدالة. فماذا تعني واين نحن من تطبيق مبادئها وماهي الاستراتيجيات التي وضعت لتحقيق اهدافها؟ بينا في مقال سابق ان الاستدامة تعتمد على عوامل نجاح أهمها قدرتنا على وضع نظام تعليمي وتدريبي قادر على توفير العمالة والمهارات والقدرات العلمية والتقنية اللازمة للاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة، وثانيا امكانياتنا في ايجاد قاعدة انتاجية لخلق اقتصاد على قدر من الاستقلالية، وثالثا القدرة البحثية والتطويرية لخلق اقتصاد المعرفة المأمول. وفي هذا المقال نضيف الى ذلك عامل رابع وهو قدرتنا على حماية بيئتنا وثرواتنا الطبيعية.
اي ان تحقيق الاستدامة يتم من خلال الحفاظ على البيئة وتنميتها، بالاضافة الى قدرات الانسان الانتاجية والعلمية، وملكية وسائل الانتاج والاستخدام المنتج للثروات. فهل تحقق اي من ذلك في الرؤية الوطنية وفي الممارسة العملية اليوم؟
يُعرِّف السيد بارت دي بووير والسيد ريير جرلاف ( مركز الاحصاء، ومعهد دراسات البيئة الهولندي) الاستدامة على انها الرخاء المتزايد (non-declining welfare) . والاستدامة في بعض معانيها تعني ان يحقق الجيل الحالي نموه وتطوره دون ان يُضر بفرص التنمية والتطوير للجيل الذي بعده. اي يجب ان لا تؤثر انشطتنا الاقتصادية والعلمية والاجتماعية سلبا على قدرة الاجيال القادمة في العيش الآمن الصحي المنتج. وهذا يفترض الاهتمام بالبيئة وسن التشريعات التي تحميها من استغلال الانسان لها لتعظيم فوائده الشخصية او مصالح عائلته او طائفته او شركاته.
اما تعريف الاستدامة حسب الرؤية الوطنية 2030 فانها تشمل استخدام الموارد لتطوير رأس المال البشري وتنمية وتشجيع الريادة والابتكار لتأمين الاستدامة. ويؤكد التعريف على ان النمو الاقتصادي يجب ألا يتحقق على حساب البيئة وسلامة المواطنين على المدى الطويل، مما يستوجب علينا ألا ندخر أي جهد في سبيل حماية بيئتنا.
كذلك تؤكد الاستراتيجية الوطنية 2009-2014 علي إيجاد مناخ معيشي مستدام وجذاب وتعتبرها اولولية وطنية. وبموجب ذلك فهي تلتزم بالحفاض على التنوع البيئي ويشمل ذلك البيئة الطبيعية مثل الاراضي والموارد المائية والبيئة المبنية مثل البنية التحتية والمباني والمواقع الصناعية بهدف ايجاد بيئة صحية قابلة للاستدامة. وتضع الاستراتيجية اهدافا لحماية البيئة تتلخص في اولا: توفير الحوافز لخفض انبعاث الغازات وزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة؛ ثانيا: مراجعة وتطبيق قوانين مكافحة التلوث المتعلقة بالتخلص من النفايات، والانبعاثات الصناعية، وردم الاراضي؛ ثالثا: التأكد من حسن إدارة الطلب على المياه؛ رابعا: حماية البيئة الطبيعية والتنوع الحيوي. كما تلتزم الاستراتيجية بعدد من المبادرات لتحقيق هذه الاهداف منها تقديم الحوافز على خفض انبعاث الغازات، ومراجعة القوانين التي تنظم عملية التخلص من النفايات، والانبعاثات الصناعية، وردم الاراضي.
ويعزز هذا الادراك لاهمية البيئة ماقاله سمو ولي العهد في مجلس كازروني باهمية الاستدامة والتنافسية للمستقبل الاقتصادي للبحرين. وتاكيده على ضرورة الاهتمام بالزراعة والثروات الطبيعية ومع كل ذلك نجد ان هناك تدمير شبه ممنهج للبيئة البحرية والاراضي الزراعية.
هذا الوعي البيئي ليس وليد الساعة فقد بدأ التفكير في وضع الرؤى والاستراتيجيات منذ عام 2004 عندما وضعت الدراسات من قبل مكنزي وركز على التنمية الاقتصادية. ولكن منذ ذلك الوقت الى الان تم تدمير الكثير من البيئة البحرية وتجاهلنا تماما ما يحدث في خليج توبلى وتم تحويل اراضي زراعية الى سكنية او جامعات. وبحسب الناشطين البيئيين فقد تقاعست الوزارات في تطبيق القوانين التي تحمي البيئة. فقد مر 12 عاما على إعلان خليج توبلي محمية وما زالت الأنشطة العمرانية متزايدة فيه، كما تجاهلت وزارة الكهرباء القانون الوزاري البحريني لعام 1998 ولم تقم بتركيب تقنيات تصفية لخفض انبعاث الغازات السامة في 40% من محطاتها توليد الطاقة الكهربائية.
ان الاهمال في حماية البيئة يضر المواطن بشكل مباشر ومرعب واصبح يدفع ثمن التدمير البيئي عدة مرات. فالمواطن يدفع الثمن عندما تمنح (هبات) الاراضي لافراد دون مقابل، ويدفع الثمن عندما يتم دفن هذه الاراضي دون مردود على الدولة، ويدفع الثمن عندما يرتفع اسعار السمك ليصل كيلو الهامور 10 دينار والصافي 6 دينار. ويدفع ثمن ذلك عندما لا يحصل على وظيفه بسبب استخدام الاستثمارات في بناء هذه الاراضي بدلا من استخدامها في خلق فرص عمل مجزية، ويدفع الثمن عندما لا يحصل على مسكن لان الاراضي وهبت لافراد، ويدفع الثمن عندما لا يحصل على سرير في المستشفي لان الميزانية غير كافية.
قبل ايام اعلن سمو رئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية خطة قد تكون المنقذ لخليج توبلي، ولكن هل سيكون ذلك كافيا؟ ماذا عن محاسبة المسئولين عن ما حل بالخليج من تدمير بعد ان اعترفنا بان هناك اخطاء ارتكبت وتقصير في تطبيق القوانين مثل محطة الصرف الصحي التي لوثت الخليج على مدى سنوات؟ هل سيكون هناك تحقيق ومحاسبة؟ وماذا عن التدمير في البحار والسواحل والتلوث الجوي، متى سيوضع له حد ومتى سيحاسب المسئولون عنه؟
نأمل ان تثبت الحكومة جديتها في التنمية المستدامة وتضع خطة مماثلة لتلك التي قامت بها الهيئة لوضع حد لتدمير ما تبقى من البحار والسواحل وحماية مصالح المواطن العادي وتخفيف خسائره من جراء هذا التجريف والردم التي لا تخدم سوى مصالح فئة قليلة من الناس، وللحديث بقية.