نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء  ١ سبتمبر ٢٠٢١ –

مقال الاسبوع – ما حدث من تفجير في افغانستان صدم العالم، وجود داعش وبهذه السرعة يثير تساؤلات حول العلاقة بين طالبان وداعش، وتساؤلات حول الارضية الايديولوجية المشتركة. الارهاب ليست ظاهرة اسلامية، ثقافات كثيرة استخدمت الارهاب، لكن المهم لدينا هو نفي العلاقة بين الارهاب والاسلام. وهذه مسئوليتنا نحن العرب اكثر المتضررين والمؤثرين. علينا ترك الحلول القديمة واعتماد التفكير العقلاني للخروج من مازق الارهاب. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1264649

صُدم العالم بتفجير ارهابي تبنته منظمة الدولة الاسلامية (داعش) راح ضحيته ابرياء مدنيين وعسكريين. يستغرب الانسان ماهي الدوافع لمثل هذا التفجير الارهابي؟ وما هي القناعات التي تجعل انسان يفجر نفسه (قتل النفس) في ابرياء. هل هي اعتقاد ما يجيز له القتل العشوائي ليحقق هدف سياسي، او شخصي؟ ام انحراف مفاهيمي ام شعور بالاحباط واليأس من الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ ام انه، وهذا اشكالية اكبر، الادعاء بانه يخدم الدين بهذا التصرف اللا انساني والاجرامي. وبما انهم يدعون انتماؤهم للاسلام والعمل باسمه نتساءل كيف وصل هو وامثاله الى هذه الاعتقاد؟

الاعمال الارهابية ليست مقتصرة على الجماعات الاسلامية فقد وُجدت على مر التاريخ جماعات متطرفة تجيز لنفسها القتل ومنها مثلا الجماعات الحمر في اليابان وكوريا، والتطرف النازي والفاشي في اوروبا، وحتى باسم الكنائس المسيحية والعصابات الصهيونية المتطرفة. والتاريخ الامريكي يذكر اعمال ارهابية منذ 1782 الى اليوم (2700 حالة ارهابية في الفترة من 1970-2017) ناهيك عن الحروب غير الانسانية التي قادتها. كما تجتاح الغرب اليوم حركات يمينية متطرفة. وفي التاريخ الاسلامي كانت هناك جماعة ارهابية مثل الحشاشين وغيرها. حدثت هذه الحالات بسبب نزاعات ايديولوجية دينية او سياسية او عنصرية او لتهجير قامت بها حركات اصولية متطرفة اجرامية.

لكن ما يهمنا اليوم هو واقعنا الاسلامي العربي، فهل ما يحدث من تفجيرات واغتيالات هو افرازات المجتمعات والانظمة السياسية والفكرية، ام نتيجة الفقر والجهل والتهميش والفساد، ام انها افرازات الحقب الاستعمارية وامتدادها الامريكي التي مرت على العالم العربي الاسلامي وما تعرض له العرب والمسلمون من مهانة على يد الاستعمار؟ ايا كانت الاسباب والدوافع فعلينا كؤمة ان نلتزم بعدم تبرير هذه الاعمال الارهابية تحت اي ظرف، وان نتحمل مسئوليتنا نحن العرب بصفة خاصة، كوننا متضررين واكثر المؤثرين في هذا الفكر، ابراز التناقض بين الاسلام والارهاب فكريا وعمليا بالبحث عن جذوره واقتلاعها من حاضرنا ومستقبلنا ؟ فمن هي المؤسسات التي ستتولا المهمة؟ وكيف سنتناولها؟

لا يكفي ان نقول ان بعض مافي التراث الاسلامي يحتاج الى تنقيح لمعالجة اي سوء فهم يقود الى هذا السلوك، فقد اثبت مسلمون احترامهم للنفس والاديان الاخرى، فهل تكون الازمة اذا في نظامنا الاجتماعي او السياسي او الاقتصادي ام في تفاعل هذه الانظمة مع مفاهيم ايديولوجية دينية معينة؟. فالتاريخ العربي تمت مراجعته، في الفترة منذ القرن التاسع عشر وسقوط الدول العربية تحت الاستعمار، في محاولة لفهم اسباب التطرف. نشطت قامات فكرية ودينية وثقافية وسياسية في هذا الجهد لكنه توقف ولم يستمر وتراجعت الامة فكريا بسبب الصراعات ضد الاستعمار وظهور الدكتاتوريات العسكرية والحركات الاسلاموية السياسية والاصوليات اليمينية الدينية وغيرها التي ساهمت الى حد كبير في انتشار الفكر المتطرف وتراجع النقد وحرية الكلمة ولم تتمكن الامة من بحث اسباب التخلف العلمي والفقر والجهل. حاولت هذه الجهات فهم تقدم الغرب وعَزَتْهٌ بعض الادبيات الى ثلاث اسباب اولها العلم وثانيا تنظيم المجتمع على اسس ديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الانسان وثالثا الثورة الصناعية والرفاه المادي.

تقول الادبيات ان ردة فعل العرب في تلك المرحلة انقسمت الى ثلاث مواقف: اولا التقوقع والمحافظة خوفا من القيم الجديدة في تنظيم المجتمع، ورضى عن النفس وانتشار منطق التآمر؛ ثانيا الاصلاح والسلفية الجديدة التي حاولت البحث عن اسباب التخلف واقتنعوا بان الغرب تقدم بسبب تمسكه بقيم ومقتضيات الاسلام وابتعاد المسلمين عنها، والدعوة الى العودة الى منابع الدين (السلف الصالح)، لكن لم يجرؤ احد النظر في المسلمات التي افرزتها ظروف المسلمين وصراعاتهم، واعتقدت انها تستطيع الاصلاح بمجرد الوصول الى الحكم. الموقف الثالث هو الانبهار بالغرب والارتماء في احضانه دون تمييز والتنكر للمقومات الذاتية وتمسك بعضهم بالتدين الشكلي.

الاسباب التي ادت الى اتخاذ هذه المواقف في نظرهم فشل البلدان الاسلامية والعربية في مجارات الانتقال البنيوي الذي حصل في المجتمعات الصناعية وتاثيرها على عقلنة السلوك والتفكير المنطقي العلمي ونظام المجتمع المتحرك. استمر العرب والمسلمون يحاولواللحاق بالغرب المتقدم مما ولد شعور بالكراهية والاحباط والياس. فهل الارهاب هو نتيجة هذا الشعور والاحباط ام انه انتقام من الغرب الذي ساهم في تاخر تقدمهم؟ السبب الثاني هو الفصل بين منتجات الحداثة التي نسعى الى الحصول عليها وبين الشروط الموضوعية التي انتجتها من صراع مع هيكل المجتمع القديم من هيمنة الاقطاع والكنيسة، وحل محله الانتماء الوطني في الدولة الحديثة والمساواة امام القانون. لم يتمكن العالم العربي الاسلامي من تبني ما تمليه قواعد الاجتماع الجديد وقيمة الفرد فيها وكفاءته العقلية؛ السبب الثالث هو عدم مواكبة نظام التعليم للتغيرات التي فرضتها الحداثة معتبرينها قيم غربية لا تناسب خصوصيتنا العربية الاسلامية.

هكذا استمر العالم العربي الاسلامي يستعيد حلول الماضي والاعتماد على الحفظ وسلطته دون اعتبار كاف للحس النقدي والتفكير الحر والمغامرة في اكتشاف المجهول علميا تجريبيا. من الطبيعي في هذه الحالة ان تسود العقلية الاقصائية الاحادية، ورفض الاختلاف والتعددية، وما ينتجه من تطرف وعنف. قد نتفق او نختلف مع ما جاء في الادبيات من تحليل لكن المؤكد اننا بحاجة الى استمرار النقاش وعدم الجمود اوالتوقف عن المراجعة والتفكير في مسيرتنا ومعالجة جذور الاخفاقات والاحباط وما نتج عنه من تعصب او توجهات ارهابية وهذه مسئوليتنا تجاه اوطاننا وعروبتنا وديننا.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *