نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. العرب والانتخابات الأمريكية وما أفرزته

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٦ نوفمبر ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- الانشغال العربي بشخص الرئيس الامريكي مضيعة للوقت، يجب التمعن في النظام الامريكي الذي خلق من امريكا دولة عظمى.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14117/article/48791.html
انشغل العالم العربي بالانتخابات الأمريكية أكثر من أي منطقة أخرى. دخلت الأمة في جدل حول أيهما أفضل لمعالجة قضايانا العربية وأي منهما يمكن أن يحررنا من التحديات التي تواجهنا إقليميا أو عالميا، وأي منهما يمكن أن يعالج الأزمات العربية المختلفة سواء على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية أو في المناطق الساخنة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، أو في المناطق المتوترة والمأزومة اقتصاديا وسياسيا مثل مصر وغيرها. وقالت تقارير أن بعض الحكومات قامت بضخ أموال في الحملات الانتخابية في حين أن بلدانهم أحق بهذه الأموال.
يجري كل ذلك مع علم الجميع بأن الانتخابات الأمريكية تسير وفق مصالح الشعب الأمريكي ومؤسساته، ولا يهم الساسة الأمريكان ما يجري في مناطق أخرى إلا بقدر ما يخدم مصالحهم ويحقق رخاء شعوبهم واستمرار هيمنتهم.
تطلُّع العرب إلى أمريكا لمساعدتهم يشير إلى أزمة عربية كبيرة لا يستطيع العرب الخروج منها وكل فريق يستنجد بأطراف خارجية تعينه على خصومه الداخليين والخارجيين وكأننا مازلنا في القرن الرابع عشر عندما اشتدت حرب الطوائف في الأندلس.
السؤال هو: كيف أصبحت أمريكا وغيرها متقدمة علميا غنية اقتصاديا ومستقرة سياسيا وقوية عسكريا وبقيت دولنا العربية في غياهب المجهول، فقيرة ومضطربة وضعيفة تهزها أقل عاصفة وتستنجد بمن تسميهم «أعداءها»؟! فما العوامل والمؤثرات التي أوجدت الفارق الكبير في التقدم، مقارنة بداية إنشاء أمريكا مع بداية إنشاء المكسيك في القرن السادس عشر يوضح الكثير.
في نهاية القرن الخامس عشر (1492م) بدأت إسبانيا مغامراتها في استعمار أمريكا الجنوبية باستخدام إستراتيجية بدأت في المكسيك تتمثل في القبض على زعيم القبيلة والاستيلاء على ثروته، وإجبار السكان على تقديم الغذاء والجزية والاتاوة إلى الاسبان مقابل الحفاظ على حياة زعيمهم. الخطوة الثانية هي تنصيب انفسهم نبلاء على المنطقة وإجبار السكان على العمل ودفع الضرائب ورفع أسعار السلع التي يبيعونها عليهم. ولأن السكان الاصليين مرتبطون بالأرض والمناجم واستخراج الذهب وكثافة سكانية كبيرة نسبيا استطاع الأسبان تنفيذ هذه الإستراتيجية بنجاح في معظم مستعمراتهم، وجعلوا من السكان الأصليين طبقة ثانية يستغلونها للاثراء من استخراج الذهب والفضة ونقلهما إلى إسبانيا. 
في ذلك الوقت لم تكن إنجلترا في وضع يسمح لها بمنافسة إسبانيا على أمريكا اللاتينية، فقد خرجت توا من حرب أهلية، بدأت إنجلترا مغامراتها بعد فشل الحملة الإسبانية عليها في 1588، وأخذت تفرض سطوتها على البحر، وهو ما مكنها من المشاركة في الحملات الاستعمارية، وتوجهت نحو المناطق الباقية التي لم تستعمر بعد وكانت أمريكا الشمالية.
حاولت الشركات البريطانية استخدام إستراتيجية الإسبان نفسها في السيطرة على نورث كارولينا فلم تفلح هذه الحملات، فشلوا في القبض على رئيس القبيلة، ورفض السكان الأصليون العمل الإجباري، ورفضوا تقديم مؤنٍ للمستعمرين. أعاد الإنجليز الكرة في نيوبورت عام 1607 وفشلوا في القبض على الحاكم الذي لم يستجب لإغراءاتهم وتعامل معهم بندية، بل فرض عليه حصارا عرضهم للمجاعة. اقتنع المستعمرون أن هذه أرض مختلفة وسكان مختلفون وعليهم اتباع إستراتيجية مختلفة ولا يوجد وسيلة للثراء السريع. فلم يكن هناك ذهبٌ وفضةٌ لدى السكان ولا يمكن إجبارهم على العمل. ولضمان العمل سنَّ قائد الحملة على المستوطنين الجدد قانون «من لا يعمل لا يأكل». ويمنعهم من الهرب، والسرقة، أو بيع أي شيء للسكان الأصليين، وعقوبة مخالفة أي من ذلك الإعدام. لم تنجح هذه الإجراءات في إجبار المستوطنين على العمل والسخرة. كما فشلت محاولات ملك إنجلترا والنبلاء اللاحقة في فرض سيطرتهم وإقامة نظام إقطاعي.
في 1618 تم استبدال هذه الإستراتيجية بسبب فشلها بسياسة أخرى يتم بموجبها توزيع مساحات من الأراضي على المستوطنين بالتساوي (خمسين ايكر)، ومساحة إضافية لكل من أفراد العائلة، ومساكن مجانية، وتم تأسيس هيئة (مقدمة للمجالس النيابية) تضم كل الرجال البالغين من المستوطنين لوضع القوانين للمستعمرة. 
هكذا بدأت نواة الديمقراطية القائمة على مؤسسات عادلة ومتساوية، نمت هذه الديمقراطية لتصنع من أمريكا ديمقراطية بها من التوازنات بين مختلف المؤسسات بحيث لا تطغى مؤسسة على الآخرين. كما تم بموجبها منح المستوطنين محفزات بالتساوي تحفزهم على العمل والاستثمار بدلا من الإجبار القسري على العمل، ووضع قوانين تحفظ كرامتهم وحرياتهم وأملاكهم، إلى أن وضع الدستور الأمريكي في 1787.
يبدو واضحا لماذا تبنت الولايات المتحدة، وليست المكسيك، دستورا يقوم على مبدأ ديمقراطي ويضع حدودا للسلطة السياسية ويوزعها في المجتمع. فعندما جلس الممثلون للولايات في 1787 لوضع دستور أمريكا كان الدستور نتاجا لهذا التطور والصراع الذي دار بين المستوطنين والقوة المستعمرة والمصالح المرتبطة بها منذ عام 1619. فالفرق بين هذا المسار في وضع الدستور الأمريكي والمسار الذي تمخض لوضع الدستور المكسيكي هو الفرق بين حكم الفرد وحكم المجتمع. استمرت المكسيك خاضعة لطبقة ارستقراطية وعسكرية، ورفضت محاولات النابليونيين بوضع دستور عادل.
النظام الأمريكي منح حقوقا اقتصادية واسعة للمواطنين مع بعض الاستثناءات. (باستثناء العبيد والسكان الأصليين والنساء) على عكس الوضع المكسيكي الذي اتسم بعدم الاستقرار السياسي وضعف الدولة وعدم احترام حقوق الملكية الفردية، واستغلال السكان الأصليين. استفادت أمريكا فيما بعد من الثورة الصناعية وفتحت المجال لحرية الفكر وحماية حقوق الابتكار وتوسعت في منح الحريات والحقوق السياسية فأصبحت أقوى دولة في العالم.
لذلك لا ينبغي أن ننظر إلى الرئيس الأمريكا لكي يقدم لنا الحماية والمساعدة بل علينا اتباع الإستراتيجية والقيم التي جعلت من أمريكا وغيرها دولا قوية وهي خلق المؤسسات الاقتصادية العادلة والمؤسسات السياسية التي تنشر السلطة وتشرك المجتمع في القرار وفي الثروات. لا تختلف هذه عن القيم الإسلامية الحقيقية التي نبذناها واستبدلها بعض العرب بقيم جاهلية. 
mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *