نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

العمالة الوافدة وتشريع لمنع تسريح البحرينيين

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٨ يوليو ٢٠٢٠ – 02:00

في هذه الأيام هناك ضغط على الشركات لتقليص التكاليف بسبب ما تعانيه من الإغلاق، أو إذا وجدت حالات ركود لأسباب اقتصادية بحتة. والعنصر الأكثر عرضة وتأثرا بتقليل التكاليف هو العمالة كونها اكبر بند في التكاليف في معظم المؤسسات، وعندما تطول هذه الإجراءات البحرينيين فإنها تثير الرأي العام الذي يعتبر ذلك تعديا على حق المواطن في العمل في ظل وجود عمالة وافدة تنافسه على الفرص القليلة الموجودة، ثم إن وجود العمالة الوافدة بهذه الأعداد يراها المجتمع أنها نتيجة خلل في تطبيق القوانين وفتح المجال لاستجلابهم، ومن ثم استحواذهم على فرص العمل المحدودة، هذا يجعل القضية تصبح حساسة ومهمة ومؤثرة على مستوى معيشة المواطن. 

هذا يعني أن تسريح العمالة البحرينية في القطاع الخاص لا يمكن أن ينفصل عن واقع سوق العمل المشوه بوجود العمالة الوافدة، ولا يمكن أن ينفصل عن قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل واستثمار في الاتجاه الصحيح، ولا ينفصل عن قدرة مؤسسات التعليم والتدريب المسؤولة عن خلق رأس مال بشري مؤهل ومدرب، ولا ينفصل عن قيام الدولة بالدور المنوط بها في خلق فرص عمل وتهيئة البيئة الاستثمارية واتخاذ المبادرات الضرورية التي يعجز عنها القطاع الخاص أو لا يريد الدخول فيها.

على هذه الخلفية جاءت مناقشة قانون العمل في الصحافة المحلية شاركت فيها غرفة التجارة ووزارة العمل ومجلس النواب واقتصاديون. فماذا قالوا؟ أولا يفرض القانون على صاحب العمل إبلاغ وزارة العمل قبل فصل أي بحريني، فما هي خيارات الوزارة؟ أولا رجال الأعمال لديهم مخاوف من عدم القدرة على دفع الرواتب مع استمرار انخفاض الايرادات بنسب تصل إلى 70% بحسب تقدير المنتدين. يقول شاكر الشتر ممثل غرفة التجارة إن قطاع الصناعة يستعد لتسريح 52% من العمالة (الحديث عن الأجانب)، والقطاعات الأخرى تتراوح نسب التسريح فيها بين 26% و45%، ويبرر عدم تسريح البحرينيين بأن كلفة البحريني أقل. هذا يطرح سؤالا على وزارة العمل لماذا إذن تفضل الشركات توظيف الأجانب؟ هذا يستوجب جوابا من وزارة العمل وخطة علاج!

أمر آخر يثير الانتباه ويطالب بجواب هو ما أفصح عنه أحد المنتدين وهو القول إن هناك 90 ألف مؤسسة في البحرين، 10 آلاف منها (11%) فقط توظف بحرينيين! 89% من المؤسسات لا توظف بحرينيين؟ السؤال هل وزارة الصناعة ووزارة العمل والوزارات الأخرى وغرفة التجارة لديها تفسير ودراسة للأسباب هذه؟ مع هذه المعلومة لا يواسي البحريني القول إن نسبة التسريح في هذه الفترة كانت أقل منها في العام الماضي، في الوقت الذي تقول غرفة التجارة وفق دراستها إن نصف الشركات تتوقع تسريح 20% من العمالة الوافدة والبحرينية.

برزت في الحوار أن مقولة إن البحريني ليس لديه كفاءة وأقل قدرة على المنافسة وأقل إنتاجية غير صحيحة. من النقاط التي برزت كذلك مقولة إن البحريني لا يعمل في الوظائف المتدنية (بينما السؤال لماذا هناك أعمال بهذا القدر التي لا ينجذب إليها البحريني؟) وعندما توجد 89% من المؤسسات لا ينجذب إليها البحريني، هناك سؤال كبير يجب أن يطرح حول التوجه الاقتصادي ولماذا هذه النسبة الكبيرة من الشركات لا توظف أو لا تجذب البحريني؟

سلطت الندوة كذلك الضوء على وجود ما يقارب 8 آلاف موظف في الجهات الحكومية وهذه أعداد كبيرة إذا ما قورنت بعدد العاطلين وفق وزارة العمل. وقد سبق أن ناقشنا ذلك وقلنا إن الدولة مسؤولة عن إعداد الكوادر، ولذلك ليس من المقبول القول إنه لا يوجد من بين العاطلين مؤهل لهذه الوظائف؟ وأن المتقدمين يرسبون في امتحانات القبول، وفي الوقت نفسه ترصد الوزارات ميزانيات للتدريب. هذا تناقض يجب ألا يكون، وخصوصا أن هناك توقعات بتسريح في قطاع الفنادق كما يقول النائب سيد فلاح هاشم.

الخلاصة وفق المنتدين هي أن شريحة كبيرة من الخريجين الجدد ليس لديهم عمل ويرى المنتدى أن مستوى البطالة قد يزداد، والاعتماد على دعم (تمكين) لن يعالج المشكلة حتى ولو تم زيادة هذا الدعم، وتطالب جهات كثيرة البحريني بالتوجه نحو الوظائف المهنية. وهذا أمر مهم، ويعني أن يتهيأ المجتمع لتغيير ثقافي يقبل هذه الوظائف ويحترمها، ويقبل بالكفاءة كمعيار أوحد للتوظيف، بالإضافة إلى ذلك نحتاج أولا إلى حل سريع يتمثل في سياسة إحلال نشطة وجادة وقانون يخصص وظائف للبحرينيين مدعوم بمعاهد تدريب على مستوى عال من الكفاءة لإعادة التأهيل. ثانيا نحتاج إلى اقتصاد أكثر حيوية، وهذا يتطلب تدخلا حكوميا مباشرا موجها نحو القطاعات المنتجة التي يقبل عليها البحريني، كما فعلت في السبعينيات. ثالثا توجيه استثمارات محلية نحو هذه المجالات وأهمها هيئة التأمينات وهيئة الاستثمار الوطنية. يمكن لاستثمارات الدولة أن تخدم الاقتصاد المحلي بشكل أفضل لو أنها توجهت نحو الاستثمارات الإنتاجية. أما الاعتماد التام على القطاع الخاص فقد تم تجربته منذ 2004 إلى الآن وتبين ضعفه في الإقدام على المخاطرة وريادة الأعمال والابتكار. المطلوب توجه قيادي أكثر داعم للقطاعات الصناعات والتكنولوجية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *