نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ سبتبمر ٢٠٢١ 

مقال الاسبوع- الديمقراطية افضل ما توصل اليها الانسان لحل النزاعات في المجتمع سلميا بالرغم ما بها من قصور. انتشرت في العالم باستثناء الوطن العربي وهذا احد اسباب تخلفنا، مازال الحكم فرديا باختلاف مسمياته، يخلف فساد وتخلف. تتفنن الحكومات في افراغ المؤسسات الديمقراطية من مضمونها وتضعف المجتمعات. فهل يحق للحكومات الاحتفاء باليوم العالمي للديمقراطية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1267475

في الخامس عشر من شهر سبتمر يحتفل العالم باليوم العالمي للديمقراطية. ويحق للعالم ان يحتفل بهذه المناسبة كون الديمقراطية وحقوق الانسان تمثلان حقبة مهمة في تطور الانسانية وفي تقرير مصير الفرد كانسان وفي حرية اختياره وصيانة حقوقه وكرامته حتى وان كان على المستوى النظري في كثير من دول العالم. فمجرد اقرار هذه الدول بان الانسان له حقوق كانسان وليس كمنتمي لجنس او عرق او دين هو مكسب يستحق التشبث به والبناء عليه. الديمقراطية ظاهرة حديثة، بدأت عمليا في 1801 عندما تم اختيار اول حكومة منتخبة في امريكا.

الديمقراطية محكومة بعنصرين الاول اقتصادي متمثلا في تناقض الديمقراطية ورأس المال ويتحدد بعدم المساواة الاقتصادية، والثاني التناقض بين الديمقراطية والسلطة وما تمثله من عدم المساواة السياسية. في التحليل الاخير ترتكز الديمقراطية على ثلاث مقومات لا تستقيم بدونها، انتخابات تنافسية، حقوق التعبير والاجتماع، وحكم القانون. وكلما ضاقت الحقوق وتآكل حكم القانون ضعفت الديمقراطية واصبحت شكلية. هذا يفترض وجود مؤسسات تتمتع باستقلالية ومنها القضاء، وبقاء الديمقراطية ونجاحها يعتمد على ما تحققه من نتائج للمواطنين. وفق هذا التعريف اجتاحت العالم موجات من الدمقرطة كان اخرها في سبعينات القرن الماضي وانتشر الفكر الديمقراطي في معظم الدول. للاسف منطقتنا العربية مازالت اقل مناطق العالم تاثرا بالتيارات الديمقراطية ومازالت الصدامات والحروب هي الوسيلة الغالبة لفك المنازعات والصراعات كما حدث في 2011.

عمليا الديمقراطية هي آلية لفض النزاعات على السلطة سلميا. وتكون في احسن حالاتها عندما تستطيع هيكلية المؤسسات من استيعاب خلافات المصالح المختلفة وادارتها وفق مقتضيات مؤسسية منبثقة من الفطرة السليمة في الحرية والعدالة والمساواة والشفافية، وتمنع الظلم والاستبداد والتسلط. نجاح الديمقراطية اذا يعتمد على وجود الحوافز الكافية لجميع فئات وتيارات المجتمع ان تعالج خلافاتها وفق قواعد وشروط المؤسسات الديمقراطية وتقبل النتائج التي قد لا تتوافق مع تطلعات اي من الفئات.

يقول (ادم برزيورسكي، 2019)[1] بان هذه الالية تعمل جيدا اذا كانت هناك فرصة للخاسر في المنافسة والنجاح مستقبلا، وخسارة الانتخابات لا تعني كارثة يفقد الخاسر فيها حياته او ثروته او نفوذه،. تتضرر الديمقراطية اذا كانت الجهة الفائزة مؤدلجة تستغل فوزها في تغيير قواعد اللعبة وتضع العراقيل لمنع فرص غيرها، تتراجع حينها الديمقراطية وتبدأ مرحلة الصراع العنفي. والحالة تكون اسؤأ اذا اصبحت هذه العراقيل ممأسسة تحول الديمقراطية الى اداة شكلية. فهل يعاني الغرب من هذا التدهور؟

تعمل الديمقراطية افضل وتتجنب الصدامات اذا ادرك المتنافس ان هناك ما يستحق التنافس عليه، وان صلاحياته وقدرته على تحقيق نتائج مقبولة ومقنعة له وللمجتمع وتؤثر في حياة الناس ومستوى المعيشة، اي ان هناك صوت مسموع للمجتمع. مخالفة ذلك يجعل الديمقراطية في ازمة، والازمة تعني عدم القدرة على انتاج حلول ذات معنى مما يتسبب في فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ومؤسساتها ويهدد النظام والسلم الاهلي. يحدث ذلك بسبب خلل منهجي منظومي في تصميم المؤسسات الديمقراطية وعملياتها، كما حدث في المانيا قبل الحرب الثانية وشيلي وغيرها.

اليوم يعاني النظام الامريكي من خطر مشابه وهو سيطرة رؤوس الاموال على الحياة السياسية وايديولوجية الحرية الاقتصادية المفرطة تسيطر على القرار السياسي والاقتصادي. كثير من قرارتها خاضعة لضغوط المصالح العسكرية التي تستفيد من شن الحروب الظالمة كما فعلت في العراق. نتيجة سيطرة رأس المال والمصالح الضيقة اتسعت الفجوة بين الغني والفقير وتأكلت الطبقة الوسطى واصبح دخل الطبقة الثرية (1% من المجتمع) اكثر من نصف الدخل. كذلك ظهرت في الاونة الاخيرة تيارات شعبوية ترى ان النظام الديمقراطي مختطف من قبل النخب والمؤسسات والمنظمات اما العامة فليس لهم صوتا يمثل مصالحهم.

ما يحمي المجتمعات الغربية، الاوروبية، بشكل خاص من تراجع الديمقراطية وتصدع مجتمعاتها هو هذه الحيوية والحرية التي يتمتع بها اعلامهم وقدرتهم على طرح القضايا ومناقشتها علنيا دون تحفظات مفرطة او اعتبارات تعيق العقلانية والموضوعية في النقاش. بالاضافة الى الثقافة العامة التي تحمي الحريات وتدافع عن الحقوق وتحترم الاقليات حتى في غياب الضمانات الدستورية. فمثلا بريطانيا والسويد ليس بها فصل بين السلطات او رقابة قضائية على السلطة التنفيذية ولكن هناك تقاليد راسخة تمنع تجاوز السلطة والمساس بالحقوق. فحكم القانون يسود ليس بالقانون، فالقانون لا يحكم، ولكنه ادراك الساسة والتنفيذيون امكانية خسارة مواقعهم اذا لم يحترموا القضاة. كذلك ما يكرس النظام الديمقراطي الاوروبي بشكل خاص هو الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومات للرعاية الاجتماعية والحماية التي توفرها للطبقة الفقيرة ووضع حد ادنى للدخل يحفظ كرامة الانسان ويحد من التفاوت الكبير في الثروة والدخل.

امر اخر يحمي الديمقراطيات الغربية هو ان احزابها لديها المرونة لتبني اكثر من توجه حول نفس القضية وتنفسم سلميا الى اجنحة. فمثلا يمكن ان يكون الحزب يمينيا سياسيا ويساريا اقتصاديا. تدير الاحزاب هذه التناقضات من خلال هيكلة الاختلاف في بنية الحزب وتناوب الاجنحة في التاثير وبنظرة استراتيجية متوسطة المدى تمكنهم من السيطرة على تحركات اتباعهم. فقدان هذه الخاصية تؤدي الى احتمالات العنف؟

من القضايا التي تضر بالعمل الديمقراطي هو تعسف الاكثرية الديمقراطية على الاقليات. او عندما تعمل حكومة الاكثرية على تقويض النظام الديمقراطي من خلال خطوات صغيرة تؤدي الى تآكل القدرة على المعارضة، او عندما تتجاهل الحكومة الاصوات المعارضة، او تعتبرها اعمال تخريبية لاشاعة الفوضى، في هذه الحالة تتراجع الثقة بين الحكومة والمجتمع وتهدد النظام الديمقراطي، خصوصا مع الاحباط الذي يحدث من ان المؤسسات السياسية اصبحت نخبوية ولا تعطي صوتا لباقي الشعب، ولا تقدم العملية الانتخابية خيارات حقيقية.

وبالرغم من كل هذه المشاكل والمطبات فان البدائل عن الديمقراطية اسوأ ولا تقدم حلولا تجنب المجتمعات ويلات الصراعات السياسية، وهناك مناطق كثيرة تدلل على ذلك منها منطقة الشرق الاوسط.

drmekuwaiti@gmail.com


[1] ازمات الديمقراطية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *