نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢١

قراءة في خطة التعافي الاقتصادية

مقال الاسبوع- خطة التعافي شملت عدة قطاعات واهمها قطاع الصناعة وقطاع التكنولوجيا نتمنى ان يتم تطويرهما بالتكامل مع الاقتصادي الامارات والسعودي. النجاح يتطلب تغيير التعليم ليواكب هذه الخطة، في الوقت الحاضر التعليم التلقيني لا يخدم اي خطة تعافي، ثانيا خلق صناعات مشتركة حكومية وخاصة تخلق فرص مجزية للمواطنين، ثالثا وضع منظومة لتقييم وقياس الاداء في كل قطاع وفي الاقتصاد ككل وتنشر نتائجه.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1273711

بعد موافقة مجلس الوزراء تم اطلاق خطة التعافي الاقتصادي. تتبنى الخطة 5 اولويات، 1- خلق فرص عمل واعدة وجعل المواطن الخيار الاول في سوق العمل، وتهدف الى توظيف 20 الف بحريني، وتدريب 10 آلاف بحريني سنويا حتى عام 2024؛ 2- تسهيل الإجراءات التجارية وزيادة فعاليتها بهدف استقطاب استثمارات مباشرة بقيمة تفوق 2.5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023؛ 3- تنفيذ المشاريع التنموية بهدف اطلاق مشاريع استراتيجية بقيمة 30 مليار دولار امريكي؛ 4- تنمية القطاعات الواعدة بهدف تحقيق نمو 5% في 2022. 5- تسعى هذه المبادرات الى تحقيق الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي والتوازن المالي بحلول عام 2024.

تسعى هذه الحزمة من الاصلاحات لتمكين البحرين الخروج من تبعات ازمة كرونا. وهي بداية مرحلة تتطلب تكثيف الجهود نحو تحقيق اولويات خطة التعافي لصالح الجميع. غير ان اهم اولويات الخطة بشكل اساسي هي معالجة قضية البطالة وقضية ارتفاع الدين العام وتخفيف ما يمثلانه من خسارة مالية جراء الانفاق على خدمة الدين العام وتعريض الاقتصاد لاملاءات المؤسسات الدولية، وبشكل اهم هدر موارد بشرية جراء تعطل مورد مهم وهو القوى العاملة. والاهم في معالجة قضية البطالة هو الجانب الانساني في تخفيف مستوى معاناة العاطلين واسرهم وتعرضهم للفقر والعوز. النجاح في معالجة الدين العام والبطالة سيكون له اثر في قدرة الميزانية على رفع المساهمة في الضمان الاجتماعي ودعم الطبقة الفقيرة ورفع مستوى المعيشة بشكل عام. هذايستدعي نشر نتائج الاداء بشكل دوري لتطمين المجتمع على سير الخطة.

تركز الخطة على ست قطاعات هي قطاع النفط والغاز، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي، وقطاع السياحة، وقطاع الخدمات اللوجستية، وقطاع الصناعة، وقطاع الخدمات المالية. ويفترض ان تخدم كل من هذه القطاعات خلق فرص عمل للبحرينيين بشكل اساسي. سوف يحتاج ذلك الى سياسات وآليات تجعل البحريني فعلا الخيار المفضل. فماهي السياسات والاليات التي ستتحقق من خلالها اهداف الاولويات الخمس؟ وماهي توجهات التنوع الاقتصادي لتحقيق النمو والاستقرار. وكيف سنقيم نتائج الخطة ونتابع الاداء فيها.

مناقشة ذلك سوف يحتاج الى قراءة ماذا يعني التعافي الاقتصادي بالنسبة للمواطن وبالنسبة للمجتمع وبالنسبة للدولة؟ بالنسبة للمواطن فانه يحتاج الى فرصة عمل متكافئة تحقق له مستوى معيشة تمكنه من تلبية متطلباته الضرورية، وتمكنه من القيام بمسئولياته تجاه اسرته من تعليم وصحة واسكان، والقدرة على توفير شيء من الكماليات اللازمة والرفاهية المعقولة التي لا تجعله واسرته يشعرون بالحرمان من اقل مجالات الرفاه التي يتمتع بها غالبية المجتمع وتمكنهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية وفق القيم والتقاليد السائدة. بالنسبة للمجتمع فهناك علاقة بين التعافي الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، يعني وضوح في تعريف مستوى المعيشة الكريمة واللائقة التي نسعى لها لكي يتحقق التعافي المجتمعي. وان نضع الخطط ونرصد الميزانيات للمحافظة على هذا المستوى من العيش الكريم المادي. ونضع مؤشرات تتابع مستوى المعيشه وفق الشرائح والتصنيف المعمول به في وزارة العمل بما يعزز الاهتمام بكرامة الانسان والفئات الضعيفة من خلال ضمان اجتماعي مناسب. اما بالنسبة للدولة فان التعافي يعني تحقيق تنويع اقتصادي وتكامل خليجي قادر على خفض مستوى البطالة بحيث تستفيد الدولة من طاقات شبابها وتهيئة البيئة المناسبة للخلق والابداع والاستثمار في رفع الانتجية بما يحقق نمو اقتصادي مستدام والسيطرة على الاسعار قدر الامكان وتضييق الفجوة بين مستويات الغنى والفقر. وضع مؤشرات تقييم خطة التعافي ومناقشتها لا بد ان تاخذ في الاعتبار الرؤى الثلاث لمعنى التعافي وعوامل النجاح في كل منها.

سنركز في هذا المقال على مناقشة جانب من الاولوية الاولى والمتعلق بخلق فرص عمل كونها اهم الاولويا التي يمكن ان تكون محركا لباقي الاولويات. تهدف الخطة الى توظيف 20 الف بحريني سنويا وتدريب 10 الاف. وهذا هدف طموح وسوف يعالج البطالة اذا تغلبنا على بعض التحديات. اول هذه التحديات كيف سيتحقق “مبدأ أفضلية التوظيف للكوادر الوطنية لتكون الغاية والوسيلة”، وهل رفع كلفة العامل الاجنبي كافية في ضوء تجربتنا السابقة في التسعينات من القرن الماضي. وما موقف مجلس الشورى وهيئة تنظيم سوق العمل بعد رفضهما حصر مهن لتوظيف البحريني، الا يتعارض ذلك مع خطة التعافي. هذا اسئلة تحتاج الى مناقشة مستفيضة لم تتضح معالمها بعد.

التحدي الثاني مخرجات التعليم ومواءمتها مع سوق العمل. كُتب في ذلك الكثير ووضعت الحكومة برامج لتحسين المخرجات لكن مازالت الفجوة موجودة. لم تتحدث خطة التعافي عن التعليم وكيف ستضيق الفجوة هذه؟ بالنظر الى الخطة والتي تسعى الى التوجه نحو قطاعات التصنيع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نرى انها توجها سليمه ولها قدرة استيعابية كبيرة في توظيف البحرينيين المدربين وفق خطة التدريب. التدريب مهم وسوف يخدم هذه القطاعات في توفير بعض احتياجاتها لكن هناك متطلبات اخرى تحتاج الى منهج تفكير وعقليات ابداعية لا يمكن اكتسابها الا من خلال نظام تعليم يكسب الخريجين مهارات التحليل والنقد. الى حد الان لم نتمكن من تحقيق ذلك ولنا امل في ان تضع الخطة ذلك في اعتبارها.

التحدي الثالث هو طبيعة المشاريع التي تقام ونوعية الاستثمار فيها. فمثلا كثير من المشاريع والصناعات وخصوصا في القطاع الخاص والقطاع العقاري بالذات تعتمد على كثافة عمالية رخيصة غير ماهرة لا تناسب البحريني حتى مع الدعم واعادة هيكلة التحفيز. نرى ان الخطة بتركيزها على تنمية وتفريع صناعة الالمنيوم (down stream) فانها في طريق معالجة جزء كبير من البطالة وتوفير فرص عمل ذات محتوى تكنولوجي ومعرفي. اي ينبغي اعادة هيكلة القطاع الخاص الانتاجي بالتوجه نحو الاتمته والارتقاء بالصناعات في اتجاه زيادة المحتوى التكنولوجي في الصناعات. لتحقيق ذلك لا بد ان تتجه سياسة الاستثمار نحو المكننة والتكنولوجيا المتطورة التي تخلق وظائف عالية الجودة. الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة يعني مشاريع صناعية كبيرة قد لا تكون في متناول القطاع الخاص او انه ليس مستعدا لها مما يستوجب مبادرات تشاركية بين القطاع العام والخاص. اما الاعتماد على الشركات الصغيرة والمتوسطة فهذه ليست لديها القدرة على خلق فرص عمل للبحرينيين بالكثافة المطلوبة. وللحديث بقية.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *