نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٢ 

مقال الاسبوع- القضاء على الفقر تحدي كبير تواجهه المجتمعات وبشكل خاص العربية، القضاء  على الفقر ينبع من دافع انساني بالدرجة الاولى ودافع تنموي، فهو يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية. من غير المقبول ان تقول اي دولة اننا قضينا على الفقر وفيها فئات محرومة ترى وتعي التصرف في المال العام. الفقر يرتبط بعوام كثيرة منها البطالة وسوء توزيع الثروة وضعف العدالة الاجتماعية. مسئولية الدولة توفير شبكة من الحماية والضمان الاجتماعي لهذه الفئة الضعيفة وتحديد حد ادنى للدخل، ومتابعة حجم هذه الفئة وتعمل على تقليصها وهذا عنوا الرقي والتقدم.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1313456

مراجعات في اليوم الدولي للقضاء على الفقر

في اليوم الدولي للقضاء على الفقر (17 اكتوبر ) ينبغي ان تراجع كل دولة سجلها فيما تحقق من القضاء على الفقر. وقبل ذلك علينا ان نعرف الفقر بالنسبة لكل دولة وكل مجتمع. وضعت الامم المتحدة الهدف الاول من اهداف التنمية “القضاء على الفقر بجميع اشكاله في كل مكان”. ومازال يعيش اكثر من 700 مليون شخص (10% من سكان العالم) يعيش في فقر مدقع، اقل من دولارين في اليوم.

تقسم منظمة (UNDP, 1996) الفقر الى فقر مطلق، فقر نسبي، وفقر مادي. الفقر المطلق هو عدم القدرة على توفير مستلزمات الحياة المادية لبقاء الانسان وحماية كرامته. وتشمل المأكل والملبس والمسكن والتعليم والصحة والتنقل. الفقر النسبي وهو عدم القدرة على توفير المستلزمات الاساسية ومستلزمات اخرى مثل قدر من الترفيه. والفقر المادي وهو الحرمان من اي ممتلكات، الانسان لا يملك اي شيء، فهو غير قادر على استغلال الموارد من حوله لتحسين معيشته. يحدث الفقر نتيجة البطالة وفقدان الدخل وكذلك يمكن ان يحدث نتيجة بعض الاعتقادات والتقاليد الخاطئة. او نتيجة عوامل خارجة عن ارادة الانسان مثل ارتفاع عدد السكان، ارتفاع مستوى المعيشة، ضعف التعليم، البطالة.

قد لا تنطبق التعريفات السابقة على كثير من الدول العربية. الفقر بالنسبة للمجتمعات العربية بشكل خاص يتجاوز الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، بل يشمل كل مظاهر الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات. فكثير من دولنا واجهت عدم استقرار بسبب العدالة الاجتماعية والحماية من البطالة والفقر وعدم المساواة، تفاقم بسبب الازمات الاقتصادية العالمي منذ التسعينات (وفق سيرانجي وزملائه في ورقته 2015 “نحو قياس افضل للفقر وعدم المساواة في الدول العربية”). وهذا يعني وجود مستوى من الفقر النسبي بالاضافة الى ان هناك تفاوتا في مستويات المعيشة. فالفئة التي تعجز عن توفير مستلزمات الحياة من غذاء وملبس ومسكن وضروريات الحياة ومستوى من الترفيه، تعتبر فقيرة بالنسبة لمجتمعاتنا العربية.

وفق هذا المفهوم الواسع والانساني نتساءل ماذا تحقق لدينا؟ هذا ما ينبغي من الحكومات العربية الاهتمام به والعمل على معالجته واعداد التقارير حوله ونشرها بكل شفافية. اهمية الاهتمام بالفقر بمفهومه الواسع والشامل تفرضها ضرورة الاهتمام بالتداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبيرة التي تهدد الامن والتنمية بشكل خاص. تؤكد العديد من الدراسات وجود العلاقة ارتباطية بين الفقر والاستقرار السياسي والاجتماعي والتنمية.

فمثلا في ورقته 2013 “البطالة والفقر وتداعياتها للامن الوطني وجودة الحكومة” يقول الكاتب اكوارا وزملائه ان البطالة تسبب الفقر، والفقر يقود الى عدم الاستقرار وتهديد الارواح والممتلكات. ويواصل بان مع الفقر تقل مستوى انخراط الناس في الحياة وفي الانشطة الاجتماعية والاقتصادية وتمثل تحدي كبير للتنمية، وفي الدول التي ترتفع فيها نسب البطالة والفقر ترتفع معها معدلات الجريمة. تنادي الورقة بضرورة دمج الفئات الاقل حظا في المجتمع من خلال برامج الضمان الاجتماعي وشبكة الحماية الكافلة للحياة الكريمة. المشكلة كما وجدت الدراسة ان الكثير من مرتكبي الجرائم هم من المتعلمين، وهذا اسوأ ما يمكن ان يحدث لمجتمع، ان يتحول شبابه المتعلم الى مجرمين محترفي الجرائم الالكترونية بسبب الفقر والبطالة، وغير المتعلمين يمتهنون الجرائم العنفية.

وتقول دراسة اخرى ان مع التنمية وتحسن الوضع المعيشي يبدأ الناس بملاحظة الفوارق الكبيرة في المستوى المعيشة ونمط الانفاق المبالغ فيه، هذا في حد ذاته يمثل طريق للاحباط. كذلك قد يتجه الشباب للاحباط والعنف في حالة الشعور بالحرمان والمهانة والتمييز، كما حدث في حالة البوعزيزي في تونس، وكذلك ارتفاع مستوى الجريمة في الاحياء الفقيرة في كثير من البلدان.

تناولت دراسة اخرى تاثير تفاوت النمو ومعدلات الدخل والثروة في المجتمع ومستوى الفقر على التنمية الاجتماعية في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا (الدول العربية)” شملت الفترة من 1985-2009 ، تبين من الدراسة ان التباين الكبير في الدخل اثر سلبا على النمو الاقتصادي ورفع مستوى الفقر، كما اثر فيه (الفقر) ايضا معدل الاستثمار الاجنبي ، النمو السكاني، ومعدلات التضخم، ومستوى التعليم.  يتزايد الاتفاق بين الدارسين بان التفاوت الكبير في الدخل له تاثير على حياة الناس وهو احد اهم اسباب فقدان الثقة في المجتمع وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، بالاضافة الى ارتفاع مستويات الجريمة. خصوصا مع ارتفاع متوسط الناتج المحلي للفرد مصحوبا بتفاوتا كبيرا في الدخل الحقيقي.

تواجه معظم المجتمعات هذه الآفات الثلاث (الامن، الفقر، البطالة) التي تمثل عائقا للتقدم الاجتماعي وهدر للموارد البشرية والمادية. لا يمكن تعميم هذه العلاقة الارتباطية على جميع المجتمعات، ففي كثير من الدول العربية قد يكون الارتباط ضعيفا، لكن لا ينبغي التساهل في ايجاد الحلول والعلاجات، ليس فقط خوفا من الجريمة والاضطرابات الامنية ولكن الاهم الاعتبارات الانسانية والاخلاقية، ورفض تعريض الشباب لهذا المصير او دفعهم في هذا الاتجاه، بالاضافة الى فقدان ما يمثلونه من طاقات بشرية متعلمة يمكنها المساهمة في برامج ومشاريع التنمية وفي تحقيق الرفاه الاجتماعي.

 قد ترى القيادات ان الدول العربية لم تصل الى هذا المستوى من الفقر والامراض الاجتماعية الناتجة عنه، لكن لا ينبغي الركون على ذلك ويجب علينا اخذ الامور بشكل جدي وعدم الاسترخاء معتبرين ان مجتمعاتنا لا تعاني من الفقر ولا يوجد فقر والتقليل من تاثير البطالة على معدلات الفقر والعنف وعدم الاستقرار. فكثير من الامراض الاجتماعية تحدث بسبب الفقر النسبي والحرمان والشعور بعدم المساواة والتهميش الاقتصادي والسياسي. علينا الانتباه الى ان زيادة التضخم وقلة فرص العمل قد تقود الكثير من الشباب نحو اليأس والاحباط الذي بدوره يؤدي، في كثير من الحالات، الى الاستعداد النفسي للعنف عندما تصبح الحياة بالنسبة لاعداد متزايدة من المجتمعات صعبة جدا تدفعهم في اتجاه الفقر اوالتهديد بالفقر.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *