نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مصر وتونس .. ومبادئ التغيير المنتظر

تاريخ النشر :6 يونيو  2011 طباعة 6

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بدأ العام الحالي بأحداث مهمة في العالم العربي قد تكون البداية لحقبة جديدة في تاريخ الامة أطلق عليها البعض الصحوة الثانية. فهل تنجح الثورات في إحداث التغيير ام انها ستفشل وتعود الامة في انتظار صحوة ثالثة؟

اول هذه الاحداث كانت الثورة التونسية التي ثار فيها الشباب على الاوضاع الاقتصادية المتردية والفساد وسوء توزيع الثروة وفقدان الانسان شعوره بالحرية والكرامة. يمكن القول ان هذه كانت عوامل مشتركة في معظم الثورات العربية.

من الصعب التعميم في التفاصيل فيما يتعلق بتاريخ الثورات العربية فلكل دولة خصوصيتها التي تنبع من ثقافتها وتركيبتها السكانية وتجاربها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لكن يمكن القول ان الصحوة الاولى التي بدأت في مصر في القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا كثورة علمية صناعية قبل اليابان والصين استمرت الى سبعينيات القرن نفسه حتى افشلها الغزو البريطاني والاحتلال عام 1887. استمرت المحاولات للتغلب على هذا الوضع بثورة عرابي واتبعتها ثورة 1952 التي وضعت لنفسها ثلاثة اهداف هي الديمقراطية؛ والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي» وبرنامج وطني تنموي صناعي.

فشلت الثورة بسبب عدم ادراكها ان هذه الاهداف الثلاثة هي في الواقع مترابطة ولا يمكن الاستمرار في احدها من دون الآخر, فكانت محاولات الاصلاح من خارج الديمقراطية وليست من خلالها ولذلك فشلت في التغلغل في عمق المجتمع.

متطلبات النجاح هذه المرة تستوجب النظر الى قضيتين رئيسيتين تشترك فيهما الثورات العربية من تونس الى سوريا مرورا بمصر وليبيا واليمن هما اولا: قضية الفساد وسوء توزيع الثروة. وثانيا قضية كرامة وحرية الانسان. هاتان القضيتان تتفرع منهما مشاكل عدة ولهما علاقة التخلف العربي في جميع مناحي المنافسة العالمية كما انهما الاساس في فقدان الدول العربية استقلاليتها على مستوى السياسة الخارجية وقدرتها على حماية ثرواتها الطبيعية.

الان وبعد ان نجحت ثورتا تونس ومصر في كسر الحواجز وبدأتا مسيرة الاصلاح وبرزت ملامح الانفراج في كل من ليبيا وسوريا واليمن وتتحرك معظم الدول الاخرى نحو الاصلاح السياسي والاقتصادي نتساءل ما هي التحديات التي تواجه هذه الجهود في الاصلاح والتغيير؟ وماهي عوامل النجاح في اخراج العالم العربي من المستنقع الذي استمر فيه منذ أمد؟ بمعنى آخر ما هو النجاح الذي ينتظره المواطن العربي والنتائج التي يتطلع اليها؟ 

‏يتطلع المواطن الى ان يتحول العالم العربي الى شريك عالمي في مسيرة التطور الانساني. ولاعب فاعل ومؤثر في السياسة الخارجية, وحارس أمين على مصالحه وحمايتها من الاستغلال الاجنبي واستباحتها. ويتطلع الى وطن يسوده الامن والاستقرار والتنمية المستدامة يتمتع بها جميع المواطنين. ان تحقيق ذلك يتطلب وجود منظومة – غير مجتزأة – من الاصلاحات الدستورية والسياسية والاجتماعية والادارية تحافظ على حقوق المجتمع في كل دولة وتؤكد أمورا مهمة هي:

اولا: إخضاع السلطة التنفيذية للمساءلة والمحاسبة» وفصل السلطة التنفيذية عن أجهزة الدولة للحد من هيمنتها على المجتمع واستمراء الفساد والتغطية عليه من خلال الاعلام المنقادة لها والبرلمانات الصورية المؤتمرة بأمرها والقضاء الذي يسير في فلكها. 

ان السلطة التنفيذية في أي مجتمع هي قاطرة الحركة نحو التقدم وسلوكها وسياساتها ونشاطها يجب ان تُحْمى من الفساد من خلال المراقبة والمحاسبة المستمرتين ولا تترك لحسن النوايا. فقدرة المجتمع على محاربة الفساد تبدأ باخضاع السلطة التنفيذية دستوريا لارادة الشعب. وما لم يطبق هذا الشرط فان ضمان نزاهة عملها سيكون دائما موضع شك، وبذرة الفساد ستكون موجودة في داخل منظومتها لتؤدي في النهاية الى مصير السلطات التنفيذية نفسها التي رفضتها الجماهير. 

ثانيا: اشاعة العدالة في المجتمع وتوكيل الامر الى من هم أهل له واعتبار تنمية الانسان هي الغاية. وهذا يتطلب نظاما سياسيا خاضعا للمساءلة والمحاسبة يرفض جميع انواع الفساد والمحسوبية ويقر بأن الدولة في خدمة المجتمع وليس العكس. ووجود برلمان يمثل الشعب وقادر على ان يحمي الثروة الوطنية ومكاسب التنمية ويضمن توزيعها العادل.

ثالثا: تحرير ارادة الانظمة من الهيمنة الاجنبية وجعل شرعيتها مستمدة من شعوبها لكي تستطيع ان تبني اقتصادا منافسا وتديره بما تقتضيه المصالح الوطنية بما في ذلك إيجاد التكامل الاقليمي والعربي والاسلامي.

رابعا: تعميم الادراك ان الأمن والاستقرار مطلب تنموي مهم ومسئولية مجتمعية يسانده في ذلك جميع المؤسسات الدستورية, وللأمن والاستقرار استحقاقات على الجميع، ومرتكزاتها العدالة والمساواة والتنمية.

اذا لم ينتج عن هذه الثورات العربية نظام يحارب الافات المجتمعية والسياسية من فساد واستبداد وامتهان كرامة الانسان واستباحة حقوقه فانها لن تنجح في تحقيق التنمية والتقدم ولن تمكن الامة العربية من تبوء مكانتها بين الامم وستبقى خيراتها مرهونة بالارادات الاجنبية وفي انتظار صحوة ثالثة.

ان عملية التغيير التي تمر بها الامة العربية سوف تأخذ وقتا طويلا لكي تخرج من هذا المخاض وهناك من يستعجل الامر وينظر الى تونس ومصر على انهما لم تحققا شيئا بعد؛ وانهما تتعرضان للخراب والدمار وعدم الاستقرار, ولكن من الطبيعي ان مثل هذه التغييرات تحتاج الى وقت لكي تستقر الحياة وتجني ثمار الاصلاح الذي نتمنى ان يشمل الميادئ المذكورة سالفا. ولنتفاءل بأن بوادر التغيير قد بدأت في سياسة مصر الخارجية والمصالحة الفلسطينية وفتح معبر رفح, واول الغيث قطرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *