نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الحاجة ملحة الى المعارضة الراشدة

تاريخ النشر :20 مايو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

هناك جدل قائم في المجتمع يدور حول الاحباط الذي أصاب المواطن من رفض زيادة الرواتب وتحسين الحياة المعيشية وتوفير الحياة الكريمة وتجويد نوعية الحياة. وحوار اخر يدور حول تقارير الرقابة المالية والادارية السبعة وقضايا الفساد التي علق عليها النواب في جلستهم الاخيرة وعجز البرلمان والحكومة من التصدي لها وللهدر في المال العام وتكراره في تقارير ديوان الرقابة سنة بعد اخرى. وجدل ثالث يدور حول مستقبل تجمع الوحدة الوطنية وهل يكون جمعية سياسية وماهو دوره في المجتمع؟ ونرى انها جميعا محاور مترابطة.

نبدأ بالتساؤل عن القضية التي ينطلق منها المجتمع في مناقشة هذه المعضلات، فماهي قضيتنا كمجتمع؟  هل هي “تكوين مجتمع مدني يحترم حق الاخر في الحياة الحرة الكريمة في ظل نظام ديمقراطي يتسع الجميع؟” وماهي قضية تجمع الوحدة الوطنية؟ وماذا يريد ان يحقق وماهي المشكلة التي يسعى لمعالجتها؟ وماهي قضية الحكومة ولماذا رفضت رفع الرواتب لتحسين مستوى المعيشة طوال هذه الفترة؟ وهل ذلك بسبب سياسات واستراتيجيات الحكومة ام ان هناك معوقات اخرى لا تملك الحكومة السيطرة عليها؟ وماهي قضية البرلمان وكيف يرى سبل تحقيقها ولماذا عجز طوال هذه الفترة في الحد من الفساد واحداث اصلاح الرقابة البرلمانية وتحقيق التوزيع العادل للثروة؟ 

في هذا المنعطف الهام من تاريخنا السياسي لا بد وان نكون متيقنين من قضيتنا الرئيسية كمجتمع حتى وان اختلفنا في وسائلنا حولها. وضمن هذه القضية الكبرى لا بد وان تحدد كل جهة من الجهات المذكورة الدور الذي يمكن ان تلعبه والقضية التي تعمل من أجلها لتساهم في البناء الكلي للمجتمع. وبدون هذا الفهم والادراك فان كل طرف قد يلغي عمل الطرف الآخر، او ان نفس الجهة قد تناقض نفسها وتعمل ضد مصلحتها كما تجسد في اداء البرلمان.

ما اثار هذه التساؤلات هو ماحدث في جلسة البرلمان الأخيرة التي ناقش فيها النواب تقرير الرقابة المالية والادارية. وردت عدة مداخلات من النواب تشير الى امتعاض باداء الحكومة في محاربة الفساد والهدر في المال العام واسلوب تعاملها مع تقارير الرقابة المالية. فمثلا يقول احد النواب أن “حث الحكومة لا يكفي، وإنما يجب فرض أو إلزام الحكومة بشأن ما ورد في التقارير، لأنه على رغم الحث في كل سنة يخالفون” والسؤال كيف سيكون الالزام؟ ويتساءل أخر عن ماهي “الآلية الحكومية في متابعة ومعالجة المخالفات المتكررة لبعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية والهيئات والشركات التابعة للحكومة”، وينبه ثالث إلى أنه “يجب على الحكومة أن تحيل كل من تحوم حوله شبهات فساد بحسب ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية للنيابة العامة، لأن هناك تجاوزات كثيرة ولم نسمع في يوم من الأيام أنه تم اتخاذ إجراء بهذا الشأن”.  ورابع يقول أن “هناك مخالفات متكررة في الوزارات، والشعب يطالبنا بتفعيل أدواتنا الرقابية، ولابد ان يكون هناك دور رقابي، ونريد تحقيقا فعليا في المخالفات”.

خلاصة مداخلات النواب تشير الى وجود معضلة مستعصية مفادها ان النواب يرون ان حالات الفساد تتكرر سنة بعد اخرى في تقارير ديوان الرقابة دون ان تُتخذ اجراءات في حق المخالفين؟ والسؤال لماذا؟ والى ماذا تشير تكرار الاخطاء؟ 

بحسب قوانين علم النظم فان تكرار الخطأ ينبئ بمشكلة منظومية. اي ان المشكلة خُلقت في منظومة الجهاز الحكومي وان اصلاحها لابد وان يكون خارج هذا الجهاز. بعبارة اخرى ان الحل يكمن في تقوية البرلمان وادواته الرقابية وفي المواد الدستورية التي تنظم عملية المساءلة والمحاسبة وكيفية تطبيقها وليس في الاجراءات او الاشخاص ضمن الحكومة. وان النظام السائد في الرقابة والمحاسبة البرلمانية الحالي غير مجهز لمعالجة تكرار المشكلة ويستوجب تعديلات تزيد من شمولية المساءلة لكي تتمكن من التصدي للفساد؟ اما بوضعها الحالي فقد اثبتت التجارب بان الوضع يتنافى مع قوانين المنظومة، وهي قوانين لا تقل أهمية عن قوانين الطبيعة ومخالفتها يؤدي الى مشاكل مزمنة ومتكررة.

والسؤال الى أي مدى يدرك اعضاء البرلمان ذلك؟ من سلوك النواب في الجلسة التي سبقت هذه يبدو ان النواب يتجاهلون ابسط قوانين النظم وما تفرضه من تقوية ادوات البرلمنا الرقابية للتصدي لمثل هذه الحالات. فمثلا في جلستهم قبل الاخيرة صوت النواب على رفض التعديلات الدستورية السبعة التي سبق ان وافقوا عليها. بالرغم من ان هذه التعديلات ليست كافية في حد ذاتها لاعطاء البرلمان ما يحتاج، لكنها خطوة في الا تجاه الصحيح نحو تقوية البرلمان. لذا نجد صعوبة في فهم كيف يصوت النواب لرفض تعديلات تقوي معارضتهم وتشكل خطوة في تعزيز قدرتهم على محاربة الفساد الذي يشتكون منه؟ 

في احدى المقابلات التلفزيونية يقول الشيخ عادل المعاودة بان جميع الكتل البرلمانية تشكل معارضة، وهذا صحيح الى حد كبير ولكن كيف لنا ان نفهم ما حدث؟ ويقول الشيخ عبداللطيف المحمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية بان التجمع هو معارضة راشدة، فهل يمكن للمجتمع ان يعول عليها في اصلاح الوضع؟ وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *