- الحوار الوطني …طائفية بدون طائفيين
تاريخ النشر : 11 ابريل 2008
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في نهاية الشهر اقيم مؤتمر الحوار الوطني الثاني تحت شعار : “الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية” وافتتح بكلمات تدعوا الى الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والطائفية وكل ما من شأنه ان يقسم الوطن ويضعف قدرته على التنمية وتحقيق حياة كريمة للمواطن ومشاركة المجتمع المدني في القرار والتنمية. تكون المؤتمر من اربع ورش عمل هي الطائفية والمجتمع المدني، والطائفية والمواطنة، الطائفية والاعلام، وعلى ما يبدو ان العمل الرئيسي كان في ورشة العمل المتعلقة بمفاهيم الطائفية ودوافعها ومظاهرها وكيفية محاربتها.
حضر المؤتمر معظم الاطراف المعنية وقدمت اوراق حددت المرجعية لهذا الحوار منها ورقة برنامج الامم المتحدة التي وضعت اسس الحوار من حيث مناقشة الموضوعات بهدف التوصل الى افضل الحلول التي تحقق فوز الجميع. وقد حددت كلمة اللجنة المنسقة القضايا المطلوب مناقشتها والتي تعترض المشروع الاصلاحي منها التشريعات المقيدة للحريات وتعزيز المشاركة المجتمعية ومحاربة الفساد وازمات الاراض والاسكان والبطالة والتمييز وغيرها. كما تطالب اللجنة بالمناقشة “بكل شفافية وبدون حساسية ومن منطلق الاحترام المتبادل والثقة وعدم التشكيك والاستماع الجيد للاخر. فهل حصل ذلك؟
من الاوراق والحوار نستخلص ان الطائفية يمكن تناولها على ثلاث مستويات، مستوى فردي ومستوى ديني ومستوى سياسي. على المستوى الفردي نجد انها تكاد تنحسر في المجتمع ولا تشكل اي خطرا. اما على المستوى الديني فان الوضع يختلف بعض الشيئ. نجد ان المشكلة في تزايد بتاثير الاحداث في المنطقة ووجود الجمعيات الدينية والتحريض في حلقات الدرس ودور العبادة بدل التسامج والقبول بالاخر كما هو وليس كما نريده ان يكون. وبالرغم من خطورة البعد الديني الا انه يمكن احتوائه لو لم يكن للطائفية بعدا سياسيا يوظفه، ولولا وجود الطبقية والعائلية والقبلية التي تزيد المشهد تعقيدا وتعمق ازمة الثقة بين الاطراف.
كذلك نستخلص مما طرح انه لا يوجد انسان في البحرين يقبل ان يوصف بانه طائفي، والكل يرفض هذه الوصمة وينادي بالوحدة الوطنية ونبذ الطائفية. لذا نتسائل هل هناك طائفية بدون طائفيون؟ ومع ذلك هناك اهتمام كبير بالطائفية واجماع بانها مرض اجتماعي متنامي يهدد بمخاطر وتأثيرات سلبية على استقرار المجتمع. من ذلك تاتي اهمية الحوار الوطني والندوات التي اقيمت مؤخرا لمناقشتها ومحاولة التوصل الى علاج لهذا المرض.
واذا نظرنا الى ورقة الوفاق التي نوقشت في مؤتمر الحوار الوطني في هذا السياق، نجد انها بالرغم من المسحة الطائفية التي تمثلت في اقرار المحاصصة الطائفية، فهي تتحدث عن المظالم التي يشعر بها طرف من اطراف الحوار. ومع رفضنا للمحاصصة في صالح اي جهة وبناء على اي اساس، الا اننا نرى امكانية القراءة الايجابية في ما عرضته الورقة من حيث انه لخص المشاكل والاسباب وراء هذا الشعور من وجهة نظرها. وهذا في حد ذاته مدخلا مهما للنقاش والتوصل لحلول اذا ما توفرت حسن النوايا لدى الجميع وحرصت الاطراف على طرح مرئياتها حول أسباب الطائفية ومظاهرها وسبل معالجتها وفق اسس الشفافية والمكاشفة التي حددتها اللجهة المنظمة للمؤتمر.
ولدينا امثلة في المجتمعات الغربية التي اختفت منها الطائفية بعد ان شاع النظام الديموقراطي المبني على المشاركة القائمة على المصالح المهنية والاقتصادية وليست على الولاءات الطبقية اوالعائلية اوالمعتقدات الدينية. كما ان الاسلام في بداياته استطاع صهر القبائل المختلفة والاجناس المتعددة في امة واحدة باشاعة قيم الاخوة والمساواة واعتماد معيار واحد هو “ان اكرمكم عند الله اتقاكم”. اي ان الحل سياسيا وليس دينيا ويكمن في الدولة المدنية والاحزاب السياسية ذات الطابع الديموقراطي القومي الوطني الليرالي.
فمثلا في المؤتمر الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان “الخليج العربي بين المحافظة والتغيير” خرج بنتيجة مشابهة لما نطرحه، مثل الدعوة الى تحقيق المشاركة السياسية وإلى قيام دوله مدنية غير دينية تضمن المساواة دون تمييز لا على اساس طائفي او قبلي او اي انتماء اخر. وتقول ابتسام الكتبي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات خلال مداخلة حول المواطنة في دول مجلس التعاون الخليجي: “أجزم بأن هناك فرقا شاسعا بين دول المجلس ودولة المواطنة القائمة على قاعدة المساواة”، وطالبت “بإشراك المواطن في الحكم”. واردفت انه “في سنوات الرخاء الاقتصادي تكون أعين مواطني دول المجلس مغمضة عن كل الأخطاء وعن الحقوق السياسية ولكن في حال التراجع لا تبقى العيون مغمضة فالشعوب تبحث عن جهة تعلق عليها الفشل ولا يمكن ضبط المواطنين في جو من المعاناة الاقتصادية”. بالنسبة لوضعنا في البحرين نجد انه بالرغم من حسم قضية الولاء في اكثر من مناسبة، ما تزال مشكلة الثقة تعيق الحلول السياسية ومازال البعض يرى ان المخاطر المحدقة من دول الجوار تفرض الحذر من التدرج في الحلول السياسية وتستخدمه لتاخير المسيرة الاصلاحية في حين ان الدرع الواقي ضد هذه المخاطر هو المزيد من الاصلاحات والمشاركة السياسية.