نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

3.    الأداء الاقتصادي بين القطاعين الخاص والعام

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ يناير ٢٠٢٠ – 02:00

مقال الاسبوع – توقعات الاداء الاقتصادي للخليج وفق البنك الدولي مشجعة ولكن وفق تقارير اخرى تقول ان هذا الاداء هو بسبب زيادة تعداد السكان وليس زيادة الانتاجية بسبب اعتماد دول الخليج على صناعة النفط، وان المخرج هو تنويع الاقتصاد والابتكار بهدف زيادة القدرة التنافسية وزيادة مستوى المعيشة. التحدي هو كيف سيكون ذلك في حين لم تنجح على مدى العقود الاربعة الماضية؟ وكيف ستقوم بإصلاح التعليم ليوفر مهارات الابتكار؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1197586

يتوقع البنك الدولي حدوث نمو عالمي في عام 2020، وبالنسبة لنا في البحرين فإن التوقع بنمو قدره 2.1% يرتفع هذا النمو إلى 2.4% للعامين التاليين. وإن مجلس التعاون سوف ينمو بمقدار 2.2% في 2019 وبمقدار 2.6% في 2021 و2.7% في 2022، وهذه توقعات مشجعة. هذا النمو يتوافق مع النمو العالمي المقدر بـ 2.5% متأثرا بهدوء الاضطرابات التجارية بين الصين وأمريكا. 

أما خطابه للحكومات التي اوردها في دراسة اخرى عن التنمية في عام 2019 فيقول ان على الحكومات ان تقوم بثلاثة امور، الأول: تعزيز الحماية الاجتماعية لوضع حد ادنى مضمون من الدخل المقبول اجتماعيا وإصلاح سوق العمل، الثاني: الاستثمار في رأس المال البشري، والثالث: زيادة ايرادات الدولة بتوسيع القاعدة الضريبية مثل ضرائب على العقارات وضرائب الكربون واستخدامها لتمويل الاستثمار في رأس المال البشري. وكذلك استخدام التكنولوجيا للوصول إلى الفقراء وحصر سبل الاهتمام بهم ورعايتهم كواجب وطني لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ومعالجة البطالة وتخفيف أضرارها وتفادي الهزات السياسية الناجمة منها. 

من المفيد ان نعرف القطاعات المساهمة في ارتفاع معدل النمو وما إذا كانت قطاعات واعدة للمستقبل مثل التصنيع والتصدير والانتاج المعرفي والتكنولوجي. أما إذا كان الارتفاع ناتجا من زيادة في ساعات العمل أو زيادة في عدد السكان أو في اسعار النفط، فإنها لا تدعو إلى التفاؤل. الامر الاخر هو مدى استفادة المجتمع من هذه الزيادة في النمو، وما هي آلية توزيع هذا الدخل لتحقيق مستوى من العدالة الاجتماعية.

في حوار مع عدد من التجار (الصحافة المحلية) حول تطلعات تحسين الوضع الاقتصادي تبين ان الصورة ليست واحدة، فهناك تفاؤل وهناك بعض الهواجس والمخاوف.

وتفاؤل المستطلعين جاء من القدرة على الاستمرار في التوازن المالي وتقليص العجز في الدين العام واعتبار ذلك اولوية، ثانيا: الاسراع في التحول الرقمي، وهذا بطبيعة الحال امر يطلبه الجميع ولكن دونه تحديات كبيرة في إصلاح التعليم، كما ان الرقمنة على اهميتها هي استخدام للتكنولوجيا في زيادة الانتاجية ولكننا نتطلع إلى المساهمة في انتاج التكنولوجيا والمعرفة بالإضافة إلى استخدامها. وثالثا: قيام القطاع الخاص بأخذ دور اكبر في عملية التنمية والمشاركة في البناء، لم يتضح ما نوع المشاركة التي يريدها وما هي المعوقات لذلك. 

رابعا: تجاوب الحكومة مع غرفة التجارة في توصياتها حول الفيزا المرنة وتخفيف معاناة التجار من آثارها، خامسا: ايلاء اهتمام اكبر بقطاع الصناعة ورفع القدرة على التصدير، هذا القطاع يمثل القاعدة الانتاجية الاكبر والاسرع نموا والاكثر استجابة للاقتصاد المعرفي وانتشار المعرفة والتعلم، بالإضافة إلى انه يوسع القاعدة الضريبية. سادسا: ترشيد الرسوم وجعلها متناسقة من نوعية وطبيعة وحجم الخدمة المقدمة وألا يتحمل شخص رسوما معممة على الجميع مثل رسوم البنية التحتية. سابعا: تفاؤل بالاكتشافات الجديدة للنفط. ثامنا: الاهتمام بالقطاعات غير النفطية وتذليل التحديات التي تواجهها، مثل التحولات العالمية والمتغيرات المتسارعة في الاقتصاد العالمي. وإن الاقتصاد البحريني بدأ يتغير من اقتصادي ريعي إلى اقتصاد يعتمد على الابداع والمعرفة.

تاسعا: تأهيل وإعداد الكوادر الوطنية وإحلال البحريني في مواقع العمل ذات القيمة المضافة العالية. عاشرا: حماية ذوي الدخل المحدود من خلال سياسة ضريبية تركز على الطبقة الغنية. الحادي عشر: التوجه نحو السياحة من خلال خطة استراتيجية سياحية طويلة المدى لتنشيط القطاع الصناعي ورفع مستوى الاستثمار المشترك بين القطاع العام والحكومي والقطاع الخاص. وبشكل اجمالي فإن التفاؤل وما ذكره المستطلعون يتلخص في القدرة على تنويع الاقتصاد والاهتمام بجانب الاستدامة في هذه العملية وخصوصا حماية البيئة وبناء رأس المال البشري.

الصيغة التي يطرحها السادة المستطلعة آراؤهم وهم من التجار ورجال الاعمال تبدو انها تخاطب الدولة على انها الجهة المسؤولة عن تحقيق هذه التطلعات. وفي نفس الوقت نجد ان مؤسسات الدولة ترى انها منظم فقط وليست فاعلا في النشاط الاقتصادي وتعتمد على القطاع الخاص. هذا يقودنا إلى القول ان هناك فجوة في الخطاب بين القطاع الخاص وبعض جهات الدولة ولا بد ان يعمل احد على تجسيرها. تستمر هذه الفجوة بالرغم من كثرة الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات واللجان المشتركة.

أي محاولة لتجسير هذه الفجوة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لا بد ان تنظر بتمعن إلى دراسة مركز (كونفرنس بورد) بعنوان «الانتاجية والتنوع الاقتصادي بدول مجلس التعاون والتحديات التي تواجه اقتصاديات هذه الدول والتي قدمت بمقر مجموعة بنك البركة في البحرين (أخبار الخليج 10 يناير 2020). تقول الدراسة «ان النمو الاقتصادي في منطلقة الخليج خلال الخمس سنوات الماضية كان دون الامال. وإن سبب الارتفاع في الناتج المحلي الاجمالي كان بسبب ارتفاع نسبة التوظيف وليس بسبب ارتفاع الانتاجية كما في اكثر دول العالم. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى بسبب الاستثمار في رأس المال المادي على حساب الاستثمار في رأس المال البشري وانتاج المعرفة». 

ما يثير الاهتمام في ذلك هو ان الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص تعاني من ارتفاع العمالة الاجنبية وبطالة بين الشباب الخليجي. وهذا يشير إلى ان الاقتصاد يسوده قطاع الانشاءات والخدمات التي تستخدم ايدي عاملة غير ماهرة بدلا من استخدام المعدات والاجهزة والتكنولوجيا التي ترفع الانتاجية، وزيادة هذه العمالة يضخم الناتج المحلي.

وترى الدراسة ان السبب الرئيسي في تدني الانتاجية هو اعتماد دول الخليج على صناعة النفط، وتحدد الدراسة عددا من المحاور التي يمكن اعتبارها تطلعات مستقبلية اهمها تركيز استراتيجي طويل المدى على الابتكار والتحول الرقمي والمهارات المعززة للقوى العاملة. ثانيا تكثيف التنويع في الصناعات المتقدمة خارج الصناعة النفطية. ثالثا الاستثمار في الاصول غير الملموسة والخدمات العالية الجودة وتقنيات الانتاج الذكية. ووضع سياسات لتحفيز الابتكار وتحسين كفاءة استخدام رأس المال والعمالة، أي خلق دورة حميدة من الابتكار وتقوية رأس المال البشري وزيادة القدرة الشرائية. وترى الدراسة ان ذلك من شأنه زيادة القدرة التنافسية وزيادة مستوى المعيشة. التحدي الكبير هو كيف ستعالج دول الخليج الحاجة إلى التنويع الاقتصادي الذي تحدثت عنه على مدى العقود الاربعة الماضية؟ وكيف ستقوم بإصلاح التعليم ليوفر المهارات لهذا التحول؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *