- الاستعداد المجتمعي والرسمي للضرائب
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧ – 01:30
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1099139
على هامش منتدى المصرف الخليجي التجاري للتنوع الاقتصادي الذي أقيم في 19-20 نوفمبر الجاري تطرق المنتدى إلى عدة قضايا تتعلق بالتنويع الاقتصادي وأهميته في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومنه الاستقرار السياسي. من ضمن هذه القضايا أهمية جذب الاستثمارات الخارجية وعملية التصحيح الاقتصادي من خلال تنمية القطاعات غير النفطية مثل القطاعات الصناعية والمصرفية والمالية والعقارية والشراكة بين القطاع الخاص والعام وفتح السوق لخريجي الجامعات ليسهموا في هذه العملية.
ما برزت من أهداف للمنتدى كما طرحه المنتدون هو إبراز اهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سبيل دعم المبادرات الوطنية، تحقيق الاستدامة من خلال طرح ومناقشة الفرص المتاحة في المجالات الاقتصادية المتنوعة، تسليط الضوء على ما يعزز فهم «التنوع الاقتصادي» وتقديم الدعم لنجاح هذه الجهود لمصلحة «رفاه المواطن وازدهار المملكة».
الخيارات المطروحة كما يراها المنتدون (ورقة د. عمر العبيدلي) لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاهداف الاخرى هي ايجاد توازن بين الانفاق والايرادات، والسبيل لذلك هو دراسة الخيارات المطروحة من انواع الضرائب الممكنة وخيارات تقليل الانفاق والخروج برؤية شاملة تتضمن خطة وأهداف للضرائب والإنفاق تحقق الاستدامة. كما يرى المنتدون (د. خالد عبدالله) اهمية توسيع وتقوية الطبقة الوسطى، وفتح فرص العمل المجزية لها لتحقيق التوازن المجتمعي ولفتح المجال امامها للمساهمة في تنويع الاقتصاد.
غير ان القضية التي نالت الكثير من اهتمام الرأي العام هي طرح اهمية فرض ضرائب على الشركات الكبيرة (وفق ضوابط ومعايير) واستخدامها في تخفيض عجوزات الميزانية وتمويل تنمية القطاعات المختلفة. فيرى المنتدون انه حان الوقت لفرض الضرائب على صافي ارباح المؤسسات والشركات والمصارف التي تحقق ارباحا. ويرى ان فرض مثل هذه الضرائب لن يؤثر على جلب الاستثمار بل قد يكون العكس هو الصحيح في نظره، حيث إن ذلك يزيد من قدرة الحكومة على تحسين البيئة الاستثمارية وتحسين جودة الخدمات للمستثمرين. (ويستثنون ضريبة الدخل على الافراد في الوقت الحاضر).
في نفس السياق فقد ادلى معالي وزير شؤون مجلس الوزراء محمد المطوع بتصريح يرى فيه حاجة البلاد إلى فرض الضرائب وأن الوقت قد حان للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى «الاقتصاد العصري» المعتمد على الضرائب. ويبدو من حديثه انه يقصد ضريبة الدخل ولا يستثني أحدا من دفع ضريبة الدخل. ويرى ان ذلك يمثل مخرجا من الاعتماد على النفط ومخرجا من عقلية الدولة الريعية التي شوهت الاقتصاد وشوهت القيم المجتمعية وحرفت مفهوم المال العام. كذلك يمثل وسيلة لربط الأداء الاقتصادي بميزانية الدولة كما بينا في مقالنا السابق حول «تحديات الضرائب» (أخبار الخليج 6 سبتمبر 2017).
السؤال الذي يطرح هنا: لماذا ضريبة الدخل قبل ضريبة الثروة؟ وهل نحن كمجتمع وكدولة مستعدون لفرض الضرائب؟ وما هي الخطوات الواجب اتخاذها لتحقيق الاستعداد؟ المقصود ليس الاستعداد الفني والتقني بل الاهم هو الاستعداد النفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي. فجميع هذه الجوانب سوف تتأثر وتؤثر في عملية الاستعداد. قد يكون الاهم في هذه الجوانب هو مستوى تقبل المجتمع لمفهوم فرض الضرائب. وأول سؤال سوف يطرحه اي مواطن هو لماذا تفرض الضريبة عليّ وليس على الاخر الاكثر اقتدارا؟ ولتوخي العدالة نطرح السؤال لماذا تفرض ضريبة الدخل الآن ولا تفرض مثلا ضريبة الثروة التي تحد من تراكم رأس المال وزيادة الهوة بين الفقر والثراء؟
الرسوم والضرائب التي فرضت بدأت بالطبقة الاضعف. فتأثير هذه الرسوم والضرائب تمس المواطن المستهلك الذي ينفق كل راتبه ومدخراته لتأمين احتياجاته اليومية. هذا المواطن سوف يدفع 5% مثلا ضريبة القيمة المضافة، ويتحمل كل ما يحوله التاجر من رسوم إلى اسعار المواد الاستهلاكية. في حين ان المقتدر قد لا ينفق حتى 10% من دخله على هذه الحاجيات. وكثير من مشترياته من الخارج لا يدفع عليها ضريبة قيمة مضافة. بهذه الرسوم والضرائب نحن خالفنا مبدأ التوازن منذ البداية. كان الاجدر ان تفرض ضريبة على الثروات الكبيرة وعلى الدخل من رأس المال مثل ارباح الشركات وريع العقارات وضرائب على الدخل الكبير.
هذا يقودنا إلى السؤال الاهم مجتمعيا وهو: ما هي الآلية التي يتم اتخاذ القرار فيها حول أي من الضرائب سوف تفرض؟ إلى الآن لم نر مشاركة مجتمعية في هذا القرار بل ترسل في صيغة مشروع قوانين تعرض على مجلس نيابي يقر أعضاؤه بضعفه. هذه الطريقة لن تقود إلى استعداد مجتمعي لتقبل الرسوم ولن تؤدي إلى تقوية الدولة بفرض الرسوم. لا بد من إعادة التوازن بين المجتمع والدولة قبل فرض الضرائب لتفادي التوترات المضرة.
الضرائب بقدر ما هي آلية لتحديث الدولة وربط اقتصادها بإيرادات الميزانية وبرامج الحكومة، فإنها كذلك مصدر توتر للمجتمع إذا لم تتم إدارتها بشكل شفاف وعادل ومشاركة مجتمعية منظمة في جميع مراحل القرار. عملية صنع القرار هذه تظهر قوة الدولة في فرض الضرائب على الاقوياء في المجتمع والنافذين والميسورين، ولا تستثنى اي طبقة أو فئة. التاريخ يقول ان كثيرا من عدم الاستقرار حدث بسبب تحميل اعباء الضرائب على العامة من الناس وإعفاء الخاصة. وبسبب اعفاء الخاصة لم تتمكن فرنسا وإسبانيا في القرن الثامن عشر من تحصيل ضرائب اكثر من 15% في حين ان إنجلترا التي تصغرهما مساحة وعدد سكان كانت تحصل على اكثر من 30% من الناتج المحلي. فالمشاركة البرلمانية الانجليزية ضمنت تقبل المجتمع للضرائب، والعدالة التي كانت تطبق به ضمنت قوة الدولة في فرضها.