نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: محمد عيسى الكويتي

الخميس ١٨ مايو ٢٠٢٣

مقال الاسبوع – مستتقبل الدول_العربية في نجاح التنمية_الاقتصادية لتبلبية متطلبات مجتمعات. مؤشرات الابتكار والتنافسية والاقتصاد المعرفي تعتمد على ثقافة مجتمعية تقبل الانتقاد وتدعم حرية الصحافة وتطالب بانفتاح سياسي يشجع المشاركة الفعالة من افراد ومنظمات مجمع مدني قوية مستقلة. يعتمد النجاح على مؤسسات قوية تتسم بالشفافية وتخضع لكحم القانون والمساواة في تطبيقه. اين نحن العرب من هذه المتطلبات. الحرية لدينا حرية الدولة من الاستعمار، اما الانسان فلا باس ان يكون مقيد ومحاصر في فكره وقناعاته ومهدد في حريته وحياته.

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1331121

المرسل للجريدة

الاقتصاد المعرفي ومستقبل الدول العربية

بمناسبة يوم الابحاث العلمية الطبية السنوي ننتهز هذه الفرصة للحديث عن البحث العلمي بشكل عام. يتم تقييم الجامعات العالمية وفق قدراتها البحثية والمشاركة في انتاج المعرفة، فهذا ما يميز الجامعات العريقة عن الجامعات الاخرى. للاسف في وطننا العربي قليل من الجامعات تصل الى الايفاء بمتطلبات هذه المعايير وقليل منها يصل الى افضل 500 جامعة. في السنوات الاخيرة استطاعت جامعة الملك سعود في السعودية من تحقيق تقدما في المعيار. لكن الاهم ان يتوفر زخما من الجامعات العربية (كتلة حرجة) قادرة على اختراق عالم انتاج المعرفة والابتكار والذان يعتبران اساس الانتاجية وتحسين مستويات المعيشة. فالابداعات والاكتشافات لا تاتي من فراغ ولا في العقول المنفردة المنعزلة. ان حوار المبدعين من التخصصات المختلفة يمثل وقود الفكر النقدي ومولد للافكار والابتكار. مناسبة ذلك ان اقتصاديات الدول العربية مازالت تعتمد في نشاطها الاقتصادي وايرادات حكوماتها على عواذد المواد الخام والنفطية او السياحة ولم تدخل عالم الصناعة والانتاج بعد، وربط النشاط الاقتصادي بالميزانية العامة من خلال ضرائب الدخل والثروة.

السؤال الذي يراود مفكري الاقتصاد العربي والخليجي بشكل خاص، ويدور في حوارات وكتابات المهتميين بالشان السياسي والاقتصادي والتنموي في دولنا العربية هو “ماذا بعد النفط”؟. يطرح البعض التغيرات الديمغرافية (الزيادة السكانية) والتضخم العالمي كعوامل ضغط لضرورة التفكير في بدائل قبل 2050. الى متى تبقى الدول العربية تابعة اقتصاديا، ضعيفة المساهمة الفاعلة في صنع مستقبلها؟ هذا السؤال مطروح ضمنيا في جميع ما يكتب في الصحافة وفي الحوارات الاقتصادية والرؤى الوطنية وفي الندوات العامة. لماذا لم تتمكن الدولة العربية الى الان من التحول نحو اقتصاد الانتاج واقتصاد المعرفة وبناء القدرات وعناصر النجاح فيه؟ ام انها في طريق التحول؟

المحرك الاساسي للتقدم في تلبية متطلبات السؤال المطروح يكمن في مجال التعليم والبحث العلمي والتحرر الفكري والكفاءة المؤسسية والاصلاحات السياسية. مالم تحقق الدول العربية تقدما في هذه المقومات فقد يستمر التراجع في مستويات المعيشة المادية والمعنوية واضرارا بالامن الوطني والعربي والدخول في مزيد من الصراعات والاضطرابات. فهل تحظى الجامعات العربية ومراكز الابحاث فيها بالرعاية والدعم الكافيين لتحقيق اهدافها؟ وهل تدرك القيادات المختلفة اهمية تنمية القدرات الانتاجية والابتكارية والتنافسية وما تتطلبه من انفتاح واستقرار سياسي وتنوع فكري وتعددية اجتماعية وامن اقتصادي؟

بالنظر الى اداء الدول العربية في التعليم والبحث العلمي واقتصاد المعرفة هناك عدد من القضايا التي تؤثر في النتيجة تحتاج مراجعة الموقف منها والسياسات المعتمدة لتنميتها. فوفق مؤشر الابتكار ومؤشر اقتصاد المعرفة ومؤشر التنافسية وغيرها من مؤشرات التنمية فان التعليم والبحث العلمي والانفتاح ياخذون مركز الصدارة. من هذه المؤشرات يمكن استنتاج العوامل المؤثرة والداعمة للتقدم في التعليم والبحث العلمي وبالتالي النمو الاقتصادي والاجتماعي وخلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة وجودة الحياة للمواطنين.

فمثلا مؤشر المعرفة العالمي يتكون من سبع قطاعات وعناصر، ثلاثة منها تتعلق بالتعليم والرابع بالبحث العلمي. غير ان الاهم والذي تتراجع معدلات الدول العربية فيه هو عنصر “البيئة التمكينية”، والذي يشمل متغيرات مثل الاستقرار السياسي وحرية الصحافة، ومستوى البطالة بين الشباب، ومستوى التمكين في المجتمع (تشمل المشاركة السياسية الفعالة) والمستوى الصحي والبيئي. فهذه عناصر تتحدث عن البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية وكل ما تحمل من تاثير على البيئة المعرفية والاستثمارية. نتيجة الدول العربية في هذا العنصر عام 2019 كانت 48% بينما متوسط الدول المتقدمة 82%.

بالنسبة لمؤشر الابتكار وبناء القدرة الابتكارية فيتكون من خمس عناصر هي الشبكات الريادة، الموارد المالية، الموارد البشرية، الثقافة الوطنية، والكفاءة المؤسسية. يضع المؤشر اهمية كبيرة للتعليم والبحث العلمي ومستوى الانفاق العام والخاص على البحث ومدى التعاون بينهما، ونسبة المتعلمين والجامعيين في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونسبتهم من المجتمع. بالاضافة الى ذلك يشمل المؤشر الكفاءة المؤسسية والتي تتضمن الاستقرار السياسي وحكم القانون ومستوى الفساد ومدى خضوع السلطة التنفيذية للمساءلة. غير ان ما يلفت النظر في مؤشر الابتكار ومؤشر الاقتصاد المعرفي اهمية الثقافة الوطنية وما تتفرع منها من متغيرات تتعلق بمدى التشاركية في اتخاذ القرارات بجميع انواعها، ونظرة المجتمع الى الفردانية والاستقلال الفكري والقدرة على الاختلاف والتعبير عنه دون خوف من رفض المجتمع له او تعرضه لارهاب فكري يمنع الحرية الفكرية وحرية التعبير وحق الاختلاف. فالحرية الفكرية وحرية التعبير وحرية الصحافة من اهم مرتكزات هذه المؤشرات بما فيه مؤشر التنافسية العالمي. فقد تُحقق الدولة مراكز متقدمة في المؤشر لكنه لا ينعكس على اداءها الاقتصادي الفعلي، حيث لا بد من تحقيق حد ادني في عناصر البيئة التمكينية من حريات عامة وكفاءة مؤسسية وتشاركية لكي يترجم الاداء الى تقدم فعلي.

في مثل هذه الظروف، وفي ظل متطلبات هذه المؤشرات من اصلاحات سياسية واجتماعية وفكرية فان الرؤية التعليمية التقليدية ووسائلها غير كافية لمعالجة تحديات المنطقة لاحداث هذا التحول، كما انها غير كافية لمعالجة مشاكل آنية ومستمرة مثل تجويد مخرجات التعليم وبناء رأس مال بشري لتلبية متطلبات المرحلة الانتقالية نحو الدولة المنتجة وغير كافية لتأهيل المواطن والمجتمع والاقتصاد لضروريات التنافسية في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.

التغيير يتطلب احداث تحولات في التعليم لتواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها. الفرضية ان الانسان العربي غير مؤهل ثقافيا وفكريا لاستيعاب التحولات ومقتضياتها المعرفية والفكرية والثقافية والعلمية ليس صحيحا. لكي ندحض هذه الفرضية على القيادات والشعوب العربية ان تغير من نظرتها للعلاقة بين المجتمع والدولة وعدم الاعتماد على القيادات التاريخية التي برزت على الساحة مع الحركات القومية وسيطرة العسكر على انظمة الحكم. الدولة الحديثة اليوم تعتمد على قوة المجتمع وقرارات صادرة من مؤسسات تخضع للمساءلة والرقابة وتتعرض قراراتها للنقاش والحوار والنقد والتصحيح التلقائي (او ما سمي في مؤشر الابتكار power distance).

العالم العربي امام تحدي كبير في خلق هذه البيئة الداعمة للابتكار والابداع والمشاركة الفاعلة في اقتصاد المعرفة والفاعلية في التنافسية العالمية. بدون هذه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية سوف يستمر الوطن العربي تحت سلطة الانظمة العسكرية وضحية لصراعاتها كما في السودان حاليا، وتحت هيمنة الدول الكبرى واستغلالها لمواردها والاستمرار في زرع الفتن لابقائه في حالة من عدم القدرة على الحراك ودخول المنافسة المتكافئة في اقتصاد انتاجي يقوم على الابتكار والابداع.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *