نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

برنامج “تم” يطرح مشكلة الفقر في البحرين ووزير العمل يقول بضرورة محاربته، كيف نحارب شيء نخجل ان نعترف بوجوده ولا نحدد حجمه؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1075976

نظمت جمعية البحرين للتوافق الاجتماعي والوطني المؤتمر الخليجي السوداني الثاني للتنمية المستدامة (خليجنا يجمعا) يوم 20 مايو الماضي في جمعية المهندسين حضرها وزير العمل. وفي كلمته في المؤتمر أكد الوزير ان مسؤولية التنمية المستدامة هي مسؤولية الجميع وتتطلب تضافر الجهود الرسمية والاهلية لانجاح ما يوضع من خطط وبرامج. كذلك أكد اهمية وضرورة المشاركة المجتمعية الفاعلة والمؤثرة مع جهود الحكومات والمؤسسات والافراد ومنظمات المجتمع المدني للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، كما شدد على أهمية ضمان العمل اللائق للجميع.

تذكرت هذا الحديث وهذا الاصرار من قبل الوزير على تضافر الجهود للقضاء على الفقر وضمان العمل اللائق للجميع عندما شاهدت حلقة من برنامج تلفزيون البحرين «تم» يوم الخميس السادس من رمضان والذي ظهرت فيه سيدة تنهار بكاء لرؤيتها الهدايا التي كانت تحلم بها لتقديمها إلى ابنائها وأهلها والتي لم تتمكن من تقديم ابسط شيء لهم في ظل وطأة ظروف العيش وثقل الديون عليها. ووصلت إلى حالة من الانكسار عندما تم إعطاؤها مبلغا لسداد الدين الذي ترزح تحته والذي يحتاج إلى سنوات لسداده.

هذا المشهد يطرح تساؤلا على كل من يشعر بالوطن والمعاناة التي تتعرض لها شريحة كبيرة من المجتمع: كم إنسانا بحرينيا يعيش ظروف هذه المرأة؟

أولا نود ان نشيد بالبرنامج على طرح قضية الفقر بشكل غير مباشر. البرنامج على مدى الشهر قد يعالج مشاكل 30 شخصا. لكن حجم الفقر في البحرين غير معروف ولا يوجد تعريف واضح له، ويحتاج إلى حلول تتجاوز قدرة البرامج التلفزيونية.

عندما تحدث وزير العمل عن الفقر وتضافر الجهود للقضاء عليه هل كانت صورة امثال هذه السيدة ماثلة امامه؟ نحن على يقين بأن الوزير يعلم ويتألم من الداخل لوجود امثال هذه السيدة، كم 30 حالة من هذا النوع في البحرين، وهل يمكن للوزير تقديم العلاج من خلال ميزانية وزارة العمل؟ الامر يتطلب تضافر الجميع ونعني الجميع لوضع مقدرات وخيرات البحرين على طاولة الإنصاف وتحت المجهر ووفق ما جاء في الرؤية 2030 من قيم العدالة والتنافسية والاستدامة.

في غياب تعريف واضح للفقر، لا يسعنا الا ان نستشف حجم الفقر بشكل تقريبي من خلال الارقام التي طرحها وزير العمل في مناسبات اخرى. فمثلا يوجد 45 ألف بحريني يقل راتبهم عن 300 دينار وأن 120 ألف بحريني يستلم معونة الشؤون الاجتماعية، ثلثا من يتسلم المعونة تقريبا يتقاضون رواتب تقل عن 500 دينار. في 2004 وضمن دراسة ماكينزي تم الإعلان عن مستوى الفقر في البحرين، وكان 370 دينارا شهريا تقريبا لعائلة من أربعة أفراد. فهل يجوز اليوم، وبعد مرور اكثر من عقد ان يكون بيننا 45 ألفا يتقاضون راتبا اقل من 300 دينار؟ فما تصنيف هؤلاء وهل هم في ازدياد أم في انحسار؟

هذا يفرض علينا كمجتمع وكدولة تعتمد على صادرات نفطية ان نتحمل مسؤولية ذلك ونعمل على وضع الحلول. الحلول المطلوبة ليست حلولا فردية انتقائية في برنامج أو استجابة من المسؤولين لعرض حالة معينة في الصحافة. بالرغم من ان هذا توجه انساني يشكر كل من يقوم به، لكن المطلوب حلول مؤسساتية وتشريعية وتنموية تعتمد على توزيع منصف لإيرادات الدولة. لا ينبغي ان يقبل المجتمع والدولة بأن يصل حال البحريني إلى هذا الحد من الاحتياج على مرأى من الناس ومسامعهم.

بتاريخ 3 يونيو الحالي تم توقيع اتفاقية بين مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» وبين منسق الامم المتحدة الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، الاتفاقية هي عبارة عن مشروع تعاون مشترك لاعداد تقرير مملكة البحرين للتنمية البشرية. احد بنود برنامج التنمية المستدامة هو محاربة الفقر. فهل سيكون ضمن هذا التقرير حصر الفقر في البحرين وتعريف حد الفقر النسبي ورصده على مدى العقدين الماضيين ووضع البرامج الكفيلة بمعالجته؟

هذه فرصة لمركز «دراسات» لكي يلبي طلب الكثير من الكتاب والاقتصاديين الذين كثيرا ما طالبوا بوضع تعريف الفقر بالنسبة للبحرين كنقطة بداية لوضع العلاج. وجود الفقر لا يمثل عيبا، ولكن العيب ان نتجاهل وجوده ونتحاشى تعريف من هو الفقير ونمتنع عن التصريح بعدد هؤلاء الفقراء.

الاقرار بوجود الفقر هو بداية العلاج ووضع البرامج والخطط لتقليل نسبتهم سنة بعد اخرى. لا يجوز ان تكون خيرات البحرين موجودة ومتوافرة وتتعرض في كثير من الحالات للاسراف وضعف نجاعة التوظيف ويوجد بيننا من هم في حالة هذه السيدة. بل قد توجد حالات اكثر مأساوية يمنعها العفاف من الظهور أو الشكوى.

كما ان العلاج يجب أن يتوجه إلى التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وإيجاد فرص عمل مجزية للمواطنين بشكل جدي وفعال وبتدخل من الدولة وكذلك محاربة الفساد والهدر. سيبقى الاقتصاد محدود القدرات ويعمل في مستوى متدن من التقنية والخدمات وغارقا في جلب العمالة الرخيصة لمنافسة البحريني والضغط على الرواتب للادنى ما لم تتدخل الدولة كما فعلت في السبعينيات.

وفي ختام هذا المقال نرى انه من المناسب الاشارة إلى مقال الدكتور إبراهيم الشيخ بتاريخ 18 مايو الماضي في وصف ما يحدث للمال العام والحالات الذي يتم توزيعه واستثناء الفقراء من هذا التوزيع ليقيهم العوز ومذلة الظهور على الشاشات وأمام الملأ لاظهار ضعفهم وحاجتهم، وفي ذلك إدانة للمجتمع وللدولة لوصول المواطن إلى هذا المستوى. وأن يصبح الفقير يعاني في كل ما يحتاج إليه، يعاني في التوظيف ويعاني في العلاج وفي الحصول على خدماته المستحقة، وبدون واسطة تنقذه من مصير لا نتمناه له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *