نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  الحوار الوطني في خطاب جلالة الملك 

  تاريخ النشر : الأربعاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٢

بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

مقالنا هذا الاسبوع- خطاب الملك يضع مبادئ لا تختلف عن ما تطرحه الجمعيات السياسية بما فيها المعارضة، لماذا اذا يتعطل حل الازمة واعطاء كل ذي حق حقه؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12570/article/45625.html

في مقالنا السابق طرحنا ضرورة البدء بالحوار الذي يقوم على العوامل المشتركة فيما تطرحه الجمعيات السياسية في وثائقها وما تراه الدولة وبعض القوى المجتمعية، وطرحنا اهمية التحديد المسبق لاهداف الحوار، وبيَّنا انه يستوجب ان تقوم على أساس المواطنة الكاملة والدولة المدنية الديمقراطية التي تقر بحقوق الجميع في البناء وفي الاستفادة من ثمار التنمية. وطرحنا اهمية ايجاد القواسم المشتركة بين طرح الجمعيات وما تراه الدولة ليكون انطلاقة للحوار. 

 جاء خطاب جلالة الملك ليوضح اهمية الحل الوطني القائم على «دولة الحق والقانون ودولة الدستور والمؤسسات وفصل السلطات والديمقراطية وحقوق الإنسان»، ويتفق مع جلالته جميع القوى السياسية، على ان «الحوار هو السبيل الوحيد الذي بموجبه تعاهدنا على ميثاقنا الوطني» وبه سوف نسير نحو «الطريق الذي يحقق آمالنا وتطلعاتنا». كما جاء الخطاب ليعزز ما ذهبنا اليه في مقالنا السابق من ان الفساد هو اهم المشاكل التي يعانيها المجتمع، فيؤكد «ضرورة مقاومة كل أشكال الفساد، وإرساء القواعد الديمقراطية الحقة». هذه التطلعات من جلالته تضع القاعدة للحوار وتعطي الجمعيات السياسية فرصة ترجمتها من خلال الحوار الى اهداف تصل بنا الى الدولة المدنية الديمقراطية.

 الجانب الآخر من الخطاب يحث على «المشاركة باخلاص في ايجاد الحلول والبدائل»، والاخلاص لا يكون ابدا بتكرار ما يقوله الآخرون، او طرح ما هو مقبول فقط من الحلول، بل المطلوب هو الحلول الابداعية التي تخرجنا من هذا المأزق، وهذا يتطلب ان يتمتع المواطن بالجرأة في طرح ما يراه من دون مواربة او خشية من احد، فلا يمكن للإنسان ان يكون مخلصا ما لم يبادر بالرأي الحر، الرأي المستقل الذي يثري الحوار ويضيف الى خيارات المواطن والمجتمع بتعدد الحلول المطروحة. اما التعامل مع الوضع من خلال المداهنة وتكرار ما يقوله الآخرون خوفا من العواقب فهذه ليست وطنية وليست ولاء ولا تسهم في حل الازمة.

 يتساءل جلالته عم يمنعنا من البناء على ما تحقق؟ نرى ان المعوقات كثيرة وقد طرح جلالته بعضها مثل ضرورة الاخلاص في الطرح، وتقوية الجبهة الداخلية من خلال اشاعة العدالة الاجتماعية، والمشاريع الاقليمية والدولية، لكن اهم ما يمنعنا الان هو ما يعرقل بدء الحوار. لذلك نتوجه بهذا السؤال الى كل من يرفض الحوار والجلوس مع الآخرين بغرض ايجاد ارضية مشتركة وصلبة ينطلق منها الحوار. ويرى وزير العدل ان المبادرات والاراء التي تمت هي جزء من الرؤية الشاملة التي «تستند الى ارساء دعائم القانون وتكريس روح المصالحة». ويواصل ان «تبادل الاراء بين جميع المكونات والاطياف من خلال التواصل واللقاءات الوطنية المشتركة من شأنها ان تسهم بشكل كبير في دفع الثقة المتبادلة». تساؤل جلالة الملك وتنويه وزير العدل يعنيان ان رفض الحوار لأي سبب في هذه المرحلة الحاسمة لم يعد خيارا سياسيا بقدر ما هو ردة فعل عاطفية مشحونة بأهواء تدور في الشارع ومخاوف قد لا تكون حقيقية. كذلك رفض الحوار في هذه المرحلة يخالف توجه الدولة ويعطي المتطرفين من جميع الاطراف مفتاح حل الازمة ويضع المجتمع بأسره رهينة التطرف. ليس امامنا من خيار سوى الانخراط في الحوار وبايجابية لايجاد حل قائم على ما تقدم من مقترحات من قبل الدولة ومن قبل الجمعيات التي تتفق مع ما طرحه جلالة الملك من مبادئ في هذا الخطاب. اما وضع الاشتراطات قبل بدء الحوار فهو عراقيل لا طائل منها. 

 نتفق تماما مع وزير العدل في مناداته للجمعيات السياسية «بتهيئة الاجواء الايجابية لدعم وتطوير وتقديم العمل السياسي». يمكن ان نصل الى الوضع الذي نرتضيه جميعا من خلال الحوار فتأثيره في الشارع سوف يكون ايجابيا كلما ظهرت نتائج مؤثرة وفاعلة وبشكل متزامن مع تحقيق النتائج. الحل الامثل في هذه الحالة هو الذي يعالج المخاوف والتوجسات كما ورد في المنظومة المتكاملة التي تقدم بها تجمع الوحدة الوطنية، ويحقق في الوقت نفسه المبادئ التي وردت في خطاب جلالة الملك، وبصفة خاصة محاربة الفساد والافساد.

 ان اطماع الطامعين التي نوه بها جلالة الملك بقوله ان «البحرين كانت على مر العصور محط أطماع الطامعين» تضيف الى تعقيدات الوضع الداخلي، وتفرض علينا اصلاح البيت الداخلي والتعامل بشكل جدي، ومن خلال الحوار، مع «مشاكلنا الداخلية»، فالمشاكل هذه تُضعف الجبهة الداخلية وتحد من قدرتنا على ان «نقف صفا واحدا امامها»، وتُفاقم الانكشاف امام الاطماع والمخاوف من المشاريع الاقليمية والدولية.

 يرى وزير العدل «ان مبدأ التوافق سيبقى هو الميزان الوطني الجامع»، نتمنى الا يقوم هذا التوافق على اساس المحاصصة الطائفية التي تكرس الحواجز بين فئات المجتمع وتدخلنا في منزلق يؤدي الى عصبية وولاءات وسطية. هذا يوجب على الجمعيات السياسية والدولة ان تهيئ المناخ المناسب للحوار، وهذا لا يعني ان تكون التهيئة شرطا لبدء الحوار بل تكون متزامنة مع التقدم في الحوار. ان بناء الثقة التي اهتزت سوف يتطلب منا الكثير من الصبر والمثابرة وتوقع الكبوات الى ان نصل الى حل وطني يعالج جذور المشكلة ويجنب البلاد العودة الى المربع الاول. علينا ان نتعظ بما يحدث في دول اخرى وكيف ان الانجراف وراء الاحداث التي تحكمها العواطف ادى بها الى الاقتتال والانقسام الطائفيين، جنبنا الله شرورهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *