الفقر وعدم المساواة تعصفان بالوطن العربي
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الاربعاء 28 أبريل ٢٠٢١ – لم ينشر
مئات الملايين من المواطنين في الدول العربية تعاني من الفقر وعدم المساواة والاحباط وفقدان الامل. هذه الموجة من الشعور تطارد المنطقة وتؤثر عليها لاجيال قادمة. لكن لماذا يحدث ذلك في منطقة بها الكثير من الخيرات والموارد الطبيعية والبيئة المعتدلة نسبيا والمتوسطة جغرافيا وتملك حضارة من اعرق الحضارات وتدين بدين يحث على الجد والعمل والتفكر والنظر في الانفس وفي الكون؟
في 2019 تطرق احد الباحثين الى هذه القضية المؤرقة متاثرا بما تتداوله الاخبار عن اللاجئين والارهاب والهجرة والنزاعات الطائفية التي تهيمن على النقاشات في ظروف المنطقة والتي في الواقع اسوأ مما تظهره الاخبار على الفضائيات. تحت هذه الظواهر هناك قوى هدامة تساهم في هذه الاحداث المؤلمة التي نشاهدها يوميا.
رصد برنامج الامم المتحدة الانمائي والبنك الدولي ومنظمة الاسكوا، ووجد ان حالة الفقر والعوز في الوطن العربي يفوق ماكان يعتقد. ووفق مؤشر الفقر متعدد الابعاد (Multidimensional Poverty Index (MPI) (الذي ياخذ في الاعتبار ظروف العائلة وانفاقها، وصحتها ومستوى التعليم المعيشة مثل التغذية ووفيات الاطفال وسنوات التمدرس والصرف الصحي والكهرباء وماء الشرب والموجودات) يظهر هذا المؤشر ان مستوى الفقر اكثر اربع مرات مما كان متوقع لان هذا المؤشر يقارن بين اغنى وافقر فئة في كل دولة، هذا المؤشر يعطي صورة اكثر شمولية واقرب الى الواقع، بدلا من النظر الى الانفاق اليومي (دولارين في اليوم مثلا). ووفق خالد ابو اسماعيل الاقتصادي في الاسكوا الذي قاد فريق بحثي ونظر الى كل ابعاد القضية لعدة سنوات. يقول في احدى المقابلات ان 116 مليون عربي في 10 دول اي 41% من السكان فقراء وان 25% اخرون معرضون للفقر. هذا يعني، على مستوى الوطن العربي، ان 250 مليون نسمة من 400 مليون اما فقراء او مهددون بالفقر، (المهدد بالفقر هي العائلة التي بالكاد يكفي دخلها للاحتياجات الاساسية من غذاء وسكن وملبس ومواصلات واتصالات) فاي انخفاض في الدخل او زيادة في الاسعار تضع العائلة في الفقر.
نتائج هذا البحث تدعمه نتائج مسح اقليمية اخرى قام بهم مرصد من جامعات عربية وامريكية ومراكز ابحاث تظهر هذه الدراسات انه منذ 2010 ان نسبة 70 الى 85% من العائلات لا تستطيع توفير احتياجاتها الشهرية او تحتاج الاقتراض او المساعدة لتوفير ذلك. وتظهر نفس الدراسات ان الطبقة الوسطى تتقلص في الدول العربية غير النفطية. وان الطبقة الغنية التي تمثل 10% فقط تملك 64% من الثروة، اما عدم المساواة فتشمل جميع جوانب حياة المجتمع تقريبا، مما يشير الى ان قضية عدم المساواة هي قضية بنيوية في وطننا العربي وليست عارضا قصير الامد ناتج عن ضائقة اقتصادية.
هذه الفئة المتزايدة من الفقراء تعاني كذلك من التهميش السياسي وعدم التمثيل لاسماع صوتها وفقدان الامل في تحسين مستوى معيشتها. هذا الاحباط يمثل خطرا على المجتمعات ككل، ويرفع من مستوى الفساد وسوء استغلال الموارد البيئية وارتفاع التلوث البيئي. كما يمثل حالة من عدم الاستقرار والحيرة والالم لدى هذه الفئة المغلوب على امرها. يتزايد معها الاستقطاب التدريجي في كل دولة بين الفقراء والاغنياء ويمزق المجتمع خصوصا مع وجود النزاعات الاثنية والطائفية والطبقية والقبلية والايديولوجية. مع اعتماد الحكومات على طائفة او طبقة او فئة يجعلها لا تولي نفس الاهتمام بالمجتمع ككل. واذا اضفنا الحروب والنزاعات المسلحة والصراعات على الحكم والتدخلات الخارجية التي تتغذى على هذه النزاعات يمكن ان نرى حجم المشكلة التي تعاني منها امتنا العربية.
للاسف عندما يحتج المجتمع على تفاقم عدم المساواة والفقر وتدني مستويات المعيشة وفقدان فرص الحياة الكريمة والعمل فان ردة فعل الحكومات عادة ما تكون زيادة الاجراءات الامنية بالتعاون مع قوى اجنبية في كثير من الاحيان. هذه الحالة خلفت ملايين من الشباب دون عمل او دخل سوى بعض الفرص المتاحة لهم في الاقتصاد غير الرسمي وما يصاحبه من تهميش سياسي. هذه الحالة انتجت كما رأينا في 2011 (الربيع العربي) حالة من الانتفاضات والاحتجاجات والصراعات الدامية التي ارجعت المجتمعات العربية عقودا الى الخلف. هذا الشعور بالاحباط وفقدان الامل ادى الى بروز دول اسلامية في سوريا والعراق ولفترة وجيزة في مصر ابان حكم الاخوان. نتج عن ذلك هجرة ملايين الشباب الى اوروبا ودول غربية اخرى وحروب دامية في ليبيا واليمن وسوريا مازالت تحصد الارواح.
يظهر من ذلك ان منطقتنا العربية هي من اكثر المناطق معاناة للفقر وعدم المساواة وان العائلة العربية الفقيرة اليوم سوف تبقى فقير لعدة اجيال، اي ان ابناء العائلة الفقيرة سوف يبقون فقراء، بسبب عدم قدرة الاقتصاد على توليد فرص عمل كافية وتاثير حالة العائلة الفقيرة على التحصيل في التعليم وضعف الرعاية الصحية. اصبحنا بعد ماحدث نعرف ان الفقر وعدم المساواة هما تهديدان طويلا الامد لارتباطهما باخفاقات اخرى في التعليم وسوق العمل والحقوق السياسية التي تبقي الناس فقراء، وتُحدث توترات في المجتمع يؤدي الى ضعف الدولة ككل. ولا نحتاج اكثر من النظر الى دول مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا والصومال وغيرها فهل تعتبر الامة؟
لحسن الحظ، في هذه الصورة القاتمة هناك بصيص من الامل وهو اننا نعرف كيف وصلنا الى هذا الوضع وكيف اننا تجاهلنا العلم والفكر الحر والنقاش وحق الانسان في الاختيار والاختلاف وحقه في الحياة الكريمة. وبتحليل افضل للوضع وعزيمة سياسية يمكن ان نعيد النظر في سلوكنا افراد وجماعات وحكومات ودول. بفكر منفتح وبسياسات افضل وحوكمة اكثر كفاءة قد نتمكن من احداث التغيير. هناك الكثير من الدراسات توفر المعرفة المطلوبة للسير في طريق اخر يبدأ باعادة النظر في تراثنا وفكرنا ومنهج تفكيرنا. هذه القضايا تحتاج الى ابحاث وتحليلات معمقة مقترنة بالنشر الفعال الحر من ابناء المنطقة. وهناك جهود في هذا الاتجاه من منظمات لو اتيح لها حرية النشر والمناقشة.