مقال الاسبوع – تقدم مجلس النواب بمقترح لاصلاح التعليم ليواكب متطلبات العصر والقرن الواحد والعشرين، هذه ليست المرة الاولى التي تطرح هذه الفكرة لكن المشكلة ان وزارة التربية والتعليم غير مقتنعة وترى ان كل ما تقوم به يؤدي الى هذه النتائج بالرغم من الواقع المتردي. المستقبل يحدده تعاملنا اليوم مع التعليم.
مر التعليم في البحرين بمراحل من التطوير، وقد اعتبرت رؤية البحرين (2030 ، الصادرة في 2008) التعليم احد الاعمدة الاساسية في الاصلاح الاقتصادي بالاضافة الى اصلاح سوق العمل. فان اهمية التعليم للتنمية ورفع مستوى المعيشة وخلق فرص عمل يعتمد على كفاءة وفاعلية المنظومة التعليمية بشكل عام.
في هذا السياق فان مبادرة مجلس النواب الاخيرة للتطوير، والتي تقدم بها خمسة من اعضاء المجلس تتقدمهم معالي رئيسة المجلس السيدة فوزية زينل والنائب الاول السيد عبدالنبي سلمان والسيد الدكتور هشام العشيري، والسيد بدر الدوسري والسيد احمد الانصاري، لها مدلولاتها واهميتها وينبغي النظر اليها في سياق التنويع الاقتصادي واكتساب قدرات تنافسية تحقق اهداف الرؤية الاقتصادية. وقد سبق هذا المقترح مقترحات اخرى تقدم بها نواب اخرون. فقد وافق مؤخرا مجلس الشورى على مشروع فصل التعليم العالي عن التعليم العام الذي تقدم به النائب يوسف زينل، ومازلنا في انتظار استكمال الخطوات التي تفعل هذا الفصل بشكل مثمر ومفيد. وكذلك مشروع تعديل قانون التلعيم وقد ناقشناه في مقالين (اخبار الخليج 2 و15 يناير 2021).
يقول هذا المقترح بان التعليم هو السبب الرئيسي في نهضة الامم ويعتبر اولوية في التنمية المستدامة ويفتح مجال الابداع والتنافس. ويرى ان التعليم التقليدي يواجه تحديات تتطلب تغييرا واسعا في مناهج التعليم وطرق التدريس والدوام المدرسي والنشاطات التي يكلف بها الطالب. يطالب المقترح العدول عن الاساليب التقليدية السائدة والاخذ بالتجارب الحديثة للدول المتقدمة في التعليم مثل التجربة الفنلندية. ويستند المقترح الى المادة 7/أ من الدستور التي تقول بالزامية التعليم ومجانيته في المراحل الاولى. وكذلك المادة 9/5 من قانون التعليم (27 لسنة 2005) بتوجيه موارد الوزارة لتطوير التعليم. يهدف المقترح الى جعل التعليم يلبي متطلبات التنوع في مصادر المعرفة والتغيير في مجالات العمل والمهن بما يلبي احتياجات سوق العمل.
هذه المطالب ليست جديدة فقد تحدثنا فيها وكثيرون، لكن ان ياتي هذا المقترح من السلطة التشريعية فهو دعم وتاكيد لوجود ضرورة لتطوير التعليم وان هناك اما عدم اقتناع بذلك من قبل وزارة التربية والتعليم، اما ان الوزاة تعمل على تلافيها وتضع الخطوات للتطوير وان لم تبدأ مرحلة التنفيذ، وان هناك قصورا اعلاميا في تنوير المجتمع بالخطوات التي يتم اتخاذها. وفي الحالتين نؤكد لوزارة التعليم ضرورة الانتباه الى عامل الوقت.
قبل عام تقريبا (10 يوليو 2020) وفي اجتماع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) يقول المشاركون من البحرين (الأستاذة أحلام العامر الوكيل المساعد للمناهج والإشراف التربوي) بان التربية والتعليم هي في (مقدمة عوامل النهوض والنجاح في سباق الأمم وإن مجتمع المعرفة يتنامى اليوم بصورة مذهلة على الأصعدة العلمية والتكنولوجية وتتغير معه متطلبات العمل والحياة وبالتالي طبيعة المعرفة. وان التنافس سيكون في انتاج المعرفة، واستحداث أفضل الطرق لتوظيفها في مصلحة الإنسان، وعلى المجتمعات العربية التحول. ان ما قالته احلام العامر من ضرورة التحول نحو التعليم للقرن الواحد والعشرين صرح به مسؤولو الوزارة في اكثر من مناسبة واكدوا ضرورة التوفيق بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم.
نرى ان اصلاح وتطوير التعليم لكي يواكب متطلبات القرن الواحد والعشرين ويبنى المهارات اللازمة ينبغي ان يبدأ بتعديل قانون التعليم. فهناك مواد في القانون لا تتناسب مع متطلبات الحاضر وقد تطرقنا لبعضها في مقالين سابقين (قانون التعليم ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة 1 و 2 اخبار الخليج 2 و 15 يناير ٢٠٢٠). اهم هذه المواد التي تحتاج الى تحديث هي ان ينص القانون على ضرورة وضع استراتيجية واهداف ومؤشرات قياس لمتابعة اداء الوزارة، وان تتلاءم هذه المؤشرات مع متطلبات التنمية والتنويع الاقتصادي وبناء المهارات المطلوبة لها.
لم يعد زيادة أَعداد الملتحقين بالتعليم يعني جودة، ولم يعد اعداد المتخرجين يعني التفوق، ولم تعد معدلات النجاح التي تفوق 90% تعني الكثير ما لم يصاحب ذلك محتوى معرفي وفكري وقدرات يمكن استخدامها في الحياة العملية وصقلها بالتدريب على رأس العمل والتعليم مدى الحياة التي لا بد من تسليح الطالب بمتطلباتها.
تعديل القانون مع اهميته لا يكفي لتطوير التعليم ما لم يتم تقوية وسائل المساءلة والالزام في القانون وتقوية آليات المساءلة في مجلس النواب والنص على التقييم الموضوعي لعملية التعليم. نلاحظ مثلا من حديث المسؤولين في الوزارة انهم يربطون تطوير التعليم والتقدم لتحقيق اهدافه المعرفية بالتحول الرقمي في التعليم، وكان ذلك يعالج مشكلة المعرفة. التحول الرقمي هو وسيلة لتوصيل المعرفة وليس بديلا عنها، وهذه قضية فكرية لا بد ان تتغير. القضية الاخرى التي نلاحظها من تصريحات المسؤولين هي التركيز على البرامج والمشاريع والانجازات واعداد المستفيدين من المشروع وعدد المدارس او عدد الاجهزة التي وزعت الى اخر هذا السرد العددي للانجازات. هذه جهود مشكورة لكنها لا تعبر عن النتائج التي تحققت في تغيير مستوى وجودة التعليم. حبذا لو ان الوزارة تعطى نفس الاهمية للنتائج التي تحققت من المشاريع والمبادرات والبرامج التي يعلن الانتهاء منها وكيف اثرت في مهارات الطلبة الاهم في الابتكار والابداع والتفكير النقدي، وما تحقق من مستوى في الرياضيات والعلوم والقراءة والكتابة وفهم النصوص وصياغة الافكار. اي ان اعلان المبادرات والانشطة والمشاريع ينبغي ان يصاحبه بيان الاهداف وكيف سيؤثر المشروع في النتائج وكيف سيكون تقييم هذه النتائج ومن ثم متابعة الاداء واعلان النتائج على المجتمع والاستماع الى المناقشة والاقتراحات.