نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. بعد الانتخابات – ماهو دور التيار الديموقراطي؟

تاريخ النشر : 19 نوفمبر  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بعد ان انتهت الانتخابات وتمخضت عن نتائج يمكن ان يقال عنها بانها ايجابية الى حد ما توحي بوجود صحوة ترفض القوالب المفروضة على الناخب، واتضح ان المواطن يريد التغيير في اتجاه تحقيق مطالب تحسين معيشته بعد ان اصيب بالاحباط على مدى ثمان سنوات، شعر خلالها بان المجلس لم يحقق له الكثير مما كان يتوقعه، بعض هذه التوقعات لم تكن واقعية وليس بمقدور البرلمان تحقيقها في ظروفه الحالية، ولكن في ظروف مغايرة يمكن للبرلمان تلبية الكثير من هذه المطالب التي في غالبيتها عبارة عن تحسين مستوى المعيشة من اسكان وعدالة اجتماعية وتحسين الدخل والتمتع بثمار التنمية بالتساوي مع باقي مكونات الشعب. هذا يضع مسئولية كبيرة على الجمعيات الديموقراطية والليبرالية للاستفادة من هذا التغيير في المزاج العام. ولكي تنجح في جهودها هذه عليها ان تدرك قضيتين، الاولى البعد المذهبي في المجتمع وتعمل على تحييده وتجاوز تاثيراته عليها. ثانيا تحديد اهدافها الوطنية والعمل معا لتحقيقها.

بالنسبة للبعد المذهبي يبدو ان هذه الجمعيات او بعض منها تغفل طبيعة التركيبة المذهبية عندما تتعامل مع المجتمع والمواطن والتحالفات التي تتخذها. المجتمع منقسم مذهبيا سنة وشيعة، وهذا لم يحدث اختياريا بل طبيعة تكوينه تفرض عليه هذا التقسيم. هذا التقسيم ليس سيئا في حد ذاته، ويمكن ان يكون تنوعا ايجابيا في ظروف اخرى. فهناك العديد من المجتمعات تتشابه معنا في تكوينها الاجتماعي وتقسيماتها سواء كانت اثنية او دينية، ولكن بسبب تعمق الممارسة الديموقراطيه فان هذه الخلافات لم تعد ذا تأثير على المواطن وحصوله على كامل حقوقه الدستورية. لكن الوضع لدينا يختلف، ووجود الجمعيات السياسية المذهبية تزيده تفاقما وتبرزه في الساحة بشكل واضح وجلي كما في خطاب الدكتور على احمد (رئيس كتلة جمعية المنبر الاسلامي) حين قال “يجب نسيان الخلاف والعمل من جديد لخدمة الشارع السني” (اخبار الخليج 11921)، او بشكل اقل وضوحا في كثير من ممارسات الجمعيات الاخرى. هذ التوجه اثر على وحدتنا الوطنية وادى الى تعطيل الكثير من مصالح المواطن واضاع وقت البرلمان في صراع طائفي اضعف المجتمع. وعندما نصف هذه الجمعيات بالطائفية لا يعني ذلك ان ممثلوا الجمعيات في البرلمان السابق او الحالي طائفيون، بل العكس، فقد كانت لبعضهم مواقف وطنية مشرفة سواء كانوا من المنبر او الوفاق او الاصالة، والدكتور على احدهم. لكن وجود الجمعيات بهذا التركيبه هي مشكلة قسمت المجتمع الى شارع سني وشارع شيعي واختفت التقسيمات الطبيعية المبنية على الطبقات المجتمعية والتقسيمات المهنية كما هو الحال  في المجتمعات المتجانسة، وادت بذلك الى تراجع الاهداف الوطنية في الوعي المجتمعي.

اما فيما يتعلق بتحديد الاهداف الوطنية والعمل معا لتحقيقها فهذا يضع الجمعيات الديموقراطية، التي دخلت الانتخابات- والتي لم تدخلت، اما مسئوليتهم في تحقيقها بتحالفات فيما بينها بعيدا عن الجمعيات الاسلامية التي لها مفهوم خاص للديموقراطية قد يقوض جوهرها. فهذه الجمعيات الاسلامية تؤمن باحقية شخص واحد في اتخاذ القرار ولا يجوز انتقاده او رفض قراراته وهذا يتناقض مع اسس الديموقراطية. بينما العمل على تحقيق اهداف المجتمع التنموية يتطلب جهودا مستمره ليكتسب زخما جماهيريا مع الحفاظ على الامن وبعيدا عن التشطير الطائفي، الجمعيات الديموقراطية قد تكون اقدر على توحيد المجتمع فيما لو توحدت هي اولا وابتعدت عن الجمعيات الدينية. 

قبل الانتخابات حاولت هذه الجمعيات تشكيل تيار ديموقراطي ليكون جبهة موحدة لخوض الانتخابات واعلنوا ذلك في المحرق، مجلس الدوي في يونيو2010، وتفاءلنا خيرا ولكنه فشل. والان نتساءل ان كان بالامكان اعادة المحاولة ووضع برنامج عمل موحد يضم هذه الجمعيات، على ان يكون مبنيا على مشروع وطني يركز في المرحلة الاولى على القضايا المعيشية والتنموية وما تتطلبه من محاربة الفساد ومكافحة الفقر وحقوق دستورية مساندة. ان تشكيل جبهة خارج البرلمان تناضل منها الجمعيات الديموقراطية لتحقيق مصالح وطنية قد تُشعر المواطن باهمية الالتفاف حولها بغض النظر عن انتمائه الطائفي.

اذا قررت الجمعيات اتخاذ هذا المنحى وتشكيل تيار ديموقراطي، فعليها اولا تغيير لغة خطابها في هذه المرحلة ليكون خطابا يهدف الى بناء الثقة والتوفيق بين مختلف قوى المجتمع مع الاستعداد لتقديم تنازلات تكتيكية من اجل الاهداف الوطنية طويلة المدى. وثانيا على هذا التيار ان يكرس وقته ليشرح للمواطن العلاقة بين حقوقه الاقتصادية والمعيشية والحرية السياسية. اي ان مسئولية الجمعيات الديموقراطية تكمن في جعل المواطن يدرك العلاقة بين مستواه المعيشي وبين صلاحيات المجلس النيابي، ويربط العلاقة بين الفقر وبين المشاركة السياسية ومحاربة الفساد، وان يربط بين حصوله على سكن وعلاج وتعليم وبين المحافظة على المال العام وحسن ادارته وتوزيع الثروة العادل. في الوقت الحاضر هذا الوضوح محدود في طبقة معينة لا تشمل الكثير من الناخبين الذين اختلط لديهم دور النائب مع دور عضو المجلس البلدي، وان كان هذا الخلط راجع الى حجم المعاناة لدى المواطن واستعداده للتشبث باي شيئ يوحي بامل في معالجة قضاياه المعيشية المتفاقمة. هذا هو التحدي الذي تواجهه هذه الجمعيات ويتطلب ذلك الالتصاق بالمواطن البسيط لترجمعة متطلباته الى مشروع وطني يركز على هذه المتطلبات في العيش الكريم. هذا تحدي كبير تنظيميا وسياسيا فماهو الاستعداد له؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *