تأثير العمالة الوافدة الاقتصادي.. في عيد العمال
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٦ مايو ٢٠٢٠ – 02:00
نبارك للعمال عيدهم الذي شابه انشغال العالم بخطر كورونا، ولم يمنع ذلك من تكريم العمال الذين لهم فضل على الجميع بما يبذلونه من جهد في رفع انتاجهم وإنتاجيتهم التي تسهم في تحسين مستويات المعيشة للمجتمع، فشكرا لهم. غير انهم يستحقون أكثر من مجرد الشكر السنوي والاحتفالات التي سرعان ما تنسى وتعود الحياة الى طبيعتها التي قد لا تنصف العمال في بعض جوانبها. وعندما نتحدث عن العمال فنحن نشمل جميع العمالة في الوطن الوافدة والمحلية. ولكن عندما نتحدث عن سوق العمل الذي هو مجال العمال فإننا نتحدث عن عمالتنا الوطنية المندمجة في السوق او المترقبة والمنتظرة فرصا لكي تندمج في سوق العمل. وهذه الفئة المنتظرة قد تكون اهم في نظرنا لما تعانيه من مشاكل التعطل والاحباط من طول الانتظار. لذلك نرى ان اصلاح سوق العمل هو موضوع أساسي ومهم في هذه المناسبة، على ان يكون ضمن اصلاح اقتصادي اشمل وأوسع يأخذ في الاعتبار ما توصلت إليه ندوة رجال الاعمال العرب التي اقيمت العام الماضي في البحرين وانتهت من دون استفادة واضحة او منشورة من توصياتها. لم يعد من المقبول استمرار الاعتماد على النفط والاقتصاد الريعي. اعادة هيكلة الاقتصاد أصبحت امرا ضروريا.
كتب قبل ايام الاقتصادي الدكتور جعفر الصائغ مقالا تحدث فيه عن جوانب من اختلالات وتشوهات سوق العمل وعلاقتها بالعمالة الوافدة وعلاقة هذا وذاك بالبطالة وبالأمن الوطني، وطرح سؤالا حول النموذج الاقتصادي المعتمد في استراتيجيتنا ورؤيتنا الاقتصادية. وجادل بأن نموذجنا الاقتصادي لا يعتمد على تنافسية عمالتنا الوطنية، بل يعتمد على العمالة الوافدة الرخيصة، وليس على الانتاجية. وخلص الى ان هذه عقبة هيكلية في الاقتصاد لا تستطيع وزارة العمل معالجتها، ومن ثم فإن اصلاح سوق العمل هو عملية مرتبطة بهيكلية الاقتصاد. نتفق معه في ذلك، وقد طرحنا هذا الموضوع في مقالات سابقة. أي ان اصلاح سوق العمل ومعالجة البطالة بين الشباب ليست مهمة وزارة العمل وحدها وإنما هي عملية اشمل تشترك فيها وزارات وهيئات الدولة التي تخطط للاقتصاد ومن خلال سياسات طويلة المدى لإيجاد «سوق عمل متطور ومستقر ومتوازن» كما يقترح الدكتور جعفر، وهذا في رأيه يتطلب سياسة عمالية واستراتيجية اقتصادية طويلة المدى.
في هذه الظروف يناقش مجلس الشورى موضوع الفيزا المرنة التي هي احد منتجات السياسة العمالية التي أدت الى تفاقم تشوهات السوق ورفع مستويات البطالة. يرى وزير العمل أن سوق العمل يعاني من مشكلة العمالة غير النظامية «العمالة السائبة»، وأن سياسة الوزارة قد نجحت في معالجتها. غير ان الواقع هو ان الوزارة «اعادت تسميتها»، بل منحتها شرعية وحقوقا لم تكن لديها في السابق، ما مكنها من زيادة منافستها للعمالة الوطنية وحتى للتاجر الوطني. نتوقع من وزارة العمل ان تنظر الى القضية بشكل اوسع وتقوم بمعالجة المشكلة من وجهة نظر المواطن وليس من وجهة نظر العمالة الوافدة. تصحيح الاوضاع لا يعني أكثر من تغيير التسمية والاستفادة المادية لهيئة تنظيم سوق العمل. السؤال البرلماني كان يدور حول «التأثير الاقتصادي» الناتج من تطبيق «الفيزا المرنة» وليس الاثر على الوافد؟ والاجراءات التي اتخذت لم تعالج «الاثر الاقتصادي» بل شرعنت وضع وحالة الوافد ومكنته من المنافسة في سوق العمل وفي السوق التجاري.
يقول السيد أسامة العبسي إن الفيزا المرنة تمكنت من (توفير احتياجات السوق من العمالة المؤقتة من دون الإخلال بالطبيعة التنافسية في السوق)، لا نتفق معه في ذلك والشواهد كثيرة في ان الفيزا المرنة مكنت الوافد من المنافسة في السوق التجاري وليس فقط في سوق العمل، فقد تحول 21 ألف عامل الى صاحب عمل كما بين سعادة الوزير. اما وزير العمل فيقول إن «الفيزا المرنة» اثرت ايجابيا على الاقتصاد ولكنه لا يقدم ادلة على ذلك. فإذا كان يقصد زيادة في الناتج المحلي فإن اي زيادة في العمالة سوف ترفع من الناتج المحلي، والافضل ان تكون هذه العمالة وطنية. وخلاصة القول أن الفيزا المرنة، او اي «ابتكار لتسمية اخرى»، لا يمكن اعتبارها حلا لمعضلة كبيرة وهي البطالة المتجذرة بين شباب البحرين والتي تحتاج الى حلول اكثر شمولية وأعمق في اصلاح سوق العمل وفي الاصلاح الاقتصادي، وهذه هي مهمة وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل اذا رجعوا إلى الرؤية الاقتصادية.
في ضوء ما تشهده اسعار النفط من انخفاض وانعكاس ذلك على الاقتصاد البحريني والخليجي فإن السؤال الاكثر إلحاحا اليوم هو: ما هي الرؤية الاقتصادية المستقبلية؟ وما هو توجه دول الخليج وكيف ستقوم بتسريع عملية التحول نحو اقتصاد منتج يعتمد على المعرفة كما تشيع وزارة التجارة والصناعة وغرفة التجارة ومجلس التنمية الاقتصادية؟ لم يعد الامر يدور حول نضوب النفط من عدمه، ولكن القضية الملحة هي ان اسعار النفط غير مستقرة والبدائل تزيد الضغط على الاسعار نحو مزيد من الانحدار.
في يوم العمال هذا ندعو الحكومات ليس في البحرين فقط بل في المنطقة الخليجية والعربية إلى أن تنظر الى قضية التنمية الاقتصادية بصورة مختلفة تضع في اعتبارها الازمة القادمة حين يصبح النفط غير قادر على دعم الاقتصاد الريعي ونحن لم نستعد بالبديل. الضرائب قد تكون إحدى الطرق لدعم ميزانيات الدول، ولكنها لن تكون مجدية في انعاش اقتصاداتنا التي لا تملك قاعدة ضريبية كافية، ولا تضمن المحافظة على مستوى المعيشة الحالي ولا حتى مستويات البطالة الحالية، فضلا عن المحاذير السياسية من فرض الضرائب. الوضع يتطلب رؤية مختلفة وتحركات سريعة ومدركة لخطورة الوضع وإعادة النظر في الوحدة الخليجية والتكامل مع محيطنا الخليجي على اقل تقدير، ومحاولة إحياء «حلم السوق العربية والتكامل العربي» بجدية واستعجال، على الأقل فيما هو متاح الآن.