تحديات بناء قطاع خاص قوي وخلق فرص عمل للشباب
في تقرير اصدرته مؤسسة ستراتفور حول بطالة الشباب التي وصلت مستويات خطيرة تصل الى 30% في بعض الحالات واصبحت بمثابة القنبلة الوشيكة على الانفجار وستؤثر على مستقبل الوطن العربي. يقول التقرير بان هذه الدول تعاني من ارتفاع شديد في زيادة السكان بسبب ارتفاع نسبة المواليد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وان هذه الدول تصارع مع مشاكلها الناتجة من هذه الزيادة من خلال بناء قطاع خاص قوي يستطيع ان يستوعب هذه الزيادة السكانية من الشباب.
في بداية الشهر الحالي مارس، استضافت دبي قمة حكومات العالم لمناقشة السعادة على مستوى العالم (Global Happiness). يحوم حول هذه القمة حقيقة مرعبة في ضمير المشاركين، عبرت عنه كريستين لاقارد )رئيسة صندوق النقد الدولي(، وهي ان خمسة ملايين شخص سوف يدخل سوق العمل كل سنة في ضوء ضعف فرص العمل المجدية. ويشير التقرير الى ان جميع القادة السياسيون وقادة الطوائف يدركون هذه الخطورة المرعبة ويتفقون على ضرورة علاجها، ومع ذلك فان المشكلة مستعصية على الحل. تواجه هذه الدول صعوبات في انعاش القطاع الخاص وفي توفير فرص عمل وفي الحصول على التكنولوجيا المناسبة. وحتى لو تمكنت هذه القيادات من انعاش القطاع الخاص واستخدام التكولوجيا فانهم سيتعرضون الى قوى السوق الحر والانفتاح، ولن يتمكنوا من السيطرة عليه مما يضيف بعدا جديدا على العلاقة المتوترة بين الانظمة والشعوب، خصوصا وان الوقت يضغط والنافذة لايجاد حل تضيق. وبالتالي فان الحل لا بد ان يكون اقتصاديا سياسيا اجتماعيا وثقافيا.
حسب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فان اقتصاديات دول المنطقة تواجه اعلى نسبة من البطالة بين الشباب في العالم، لعدة اسباب اهمها الحروب الاهلية المتوالية والضغوط السياسية منذ الثمانينيات والصراعات الطائفية وضعف القطاع الخاص وعدم تطابق المهارات مع متطلبات سوق العمل، والاعتماد على القطاع العام في خلق وظائف.
بالنسبة لدول الخليج فانها لا تعاني من زيادة سكانية مثل مصر ولا من شح الموارد كالمغرب لكن مشكلتها تكمن في كيف تشكل قطاع خاص قوي؟ تمتلك دول الخليج ثروة نفطية ساهمت في رفع مستويات المعيشة وطورت البنى التحتية وقدمت خدمات صحية وتعليمية للمواطنين. بالرغم من ذلك فهي تشترك مع الدول العربية في ارتفاع نسب البطالة بين الشباب الذي وصل في بعض الحالات الى 30%.
نظرا لتضخم القطاع العام في دول الخليج وضعف كفاءته وانتاجيته، فان حكومات المنطقة تحاول دفع شبابها نحو القطاع الخاص. غير ان كثير من الشباب يفضل العمل في القطاع العام بسبب تدني رواتب القطاع الخاص، بالاضافة الى ان نظامها التعليمي لا يلبي متطلبات القطاع الخاص من المهن والمهارات. كما ان وجود بعض المساعدات الاجتماعية والعلاقات العائلية المترابطة تساعد الشاب على تحمل فترات طويلة من البطالة وعدم التسجيل في الوزارات المعنية. هذا التعطل يمثل هدر طاقات ورأس مال بشري واجتماعي يؤثر على الاستثمار. اما المشكلة الاكبر فهي وجود العمالة الوافدة بنسب مرتفعة تصل الى 90% من القوى العاملة في بعض الدول. وضعت دول الخليج اهداف لاحلال العمالة الوطنية في القطاع الخاص لكن بعضها تراجع عن هذه الاهداف.
تواجه دول المنطقة في سعيها لتوفير فرص عمل لمواطنيها تحديات يصعب التغلب عليها. فبعضها يضع امله في التكنولوجيا لتوفر لها مسلك لمواجهة التحديات، واخرى تعول على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتنفيذ تغييرات هيكلية. لكنهم يشتركون في الرغبة في تكوين قطاع خاص نشط حيوي وحديث.
التحول الى مثل هذا القطاع الخاص يمثل مخاطرة لكثير من دولنا العربية. فالقطاع الخاص معرض لهزات السوق والدورة الاقتصادية بين ارتفاع وهبوط من شأنها ان تخلق ازمات اقتصادية خطيرة. معظم دول المنطقة عملت على تخفيف اثار هذه التقلبات كجز من القعد الاجتماعي مع المواطنين، غير ان تبني قطاع خاص قوي قد يجعل الحكومات تعجز عن ادارة الصعوبات الناتجة من الدورات الاقتصادية التي يتعرض لها القطاع الخاص. تحاول هذه الدول الحفاظ على توازن دقيق بين تخفيف العجوزات في الميزانية وبين تفادي ردات فعل المجتمعات التي اعتادت الحالة الريعية وبين الامتيازات التي اعتادت عليها النخب ودوائر النفوذ.
ان وجود قطاع خاص كبير مرتبط بالسوق العالمية قد يغير توقعات الحكومات عند حدوث انكماش عالمي. قد تضطر الدولة التدخل في حرية الاقتصاد ولتخفيف تاثير الانكماش. قد تواجه الحكومات ممانعة من القطاع الخاص حول طبيعة التدخل الحكومي تجعل تخفيف العبئ على المواطنين امرا صعبا. خصوصا وان الدول ليست مستعدة لاغضاب المجتمع وتكرار تجربة حالة الامتعاض التي سبقت الربيع العربي. وبما ان الدول لم تستعد ديمقراطيا لتتعامل مع مثل هذه الحالات فان المجازفة ستكون محفوفة بالمحاذير. وفي نفس الوقت اذا لم تتمكن الدول هذه من توفير الوظائف التي يريدها او يتطلع اليها الشباب، فان الشباب قد يلجأ الى ايديولوجيات اخرى مثل التطرف الديني وما ينتج عنه من عنف. كذلك قد تعتمد الدول على الانفتاح وخلق مناخ ثقافي يشجع على الابتكار والابداع، لكن اذا لم ياتي ذلك بثمار وازدهار وفرص عمل مجزية فانه يمنح الفكر المحافظ فرصة القول بان الحل هو في العودة الى “الاصولية” الاسلامية وليس في الحداثة، وتسعى الى افشال الاصلاح.
لا احد يريد العودة الى فوضى الربيع العربي لكن على مدى العقود القادمة فان الدعوة للتغيير ستتصاعد والحاجة الى معالجة مشكلة دخول خمسة ملايين شاب وشابة (على مستوى الوطن العربي) الى سوق العمل كل عام تزداد حدة. هذا الشباب العاطل والمثقل بالمعاناة النفسية والمادية والاخلاقية سوف يبدأ بالتساؤل عن جدوى النظم الاقتصادية والسياسية التي تواصل في تقديم الوعود وتستمر في الفشل في تحقيق مستوى معيشي لائق وحياة كريمة. لا شك ان استمرار هذه الحالة سوف يضغط في اتجاهات غير مستحبة، والوقت ليس في صالح الانظمة وعليها الاسراع في تقديم العلاج والاصلاح.
mkuwaiti@batelco.com.bh