نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير تشيلكوت.. عندما تعمل آليات الديمقراطية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٠ يوليو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- يتحمل رؤساء الغرب مسؤولياتهم ويقدمون استقالتهم اعترافا بهذه المسؤولية. مالم تتحول الدول العربية إلى انظمة ديمقراطية تعترف بالمواطن وتقر بالمسؤولية عن قراراتها ستبقى الدول العربية ترزح تحت الطائفية والإرهاب. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13998/article/31932.html


تُقدم لنا النظم الديمقراطية أمثلة على كيفية عملها بشكل عملي وكيف يتم معالجة قضايا خطيرة وحساسة من دون اللجوء إلى العنف والتخوين والإرهاب الفكري والمعنوي والمادي. كل القضايا مطروحة للتحقيق والنقاش والحوار والتصويت. ليس هذا فحسب بل ان قرارات لقيادات سياسية في قمة أوجها تخضع للتقييم والنقد والرفض بآليات سلمية لا تدع مجالا لأحد ان يتمرد عليها ويلجأ إلى السلاح أو العنف.
منذ فترة ونحن نرى الاحداث تتوالى من الغرب توضح قدرة النظام الديمقراطي على المساءلة والمحاسبة والتصحيح والارتقاء. اولا رأينا كيف ان اسكتلندا قامت بالتصويت من اجل البقاء أو الانفصال عن المملكة المتحدة (بريطانيا) وعندما انتهى التصويت، قَبِل الجميع نتائجه وسارت الحياة في استعداد للتعامل مع الوضع ما بعد التصويت.
تلا ذلك تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي وبرزت النتائج وتحمل كل مسؤول مسؤوليته، فاستقال رئيس الوزراء كاميرون وتم انتخاب تيريزا ماي بطريقة سلمية سلسة لم تستغرق اكثر من اسبوعين، ورأينا كيف ان الرأي العام اثر حتى في اختزال المدة بعد ان ارتكبت المنافسة خطأ تكتيكي بمحاولة اللجوء إلى تشويه صورة المنافسة (الضرب تحت الحزام) من خلال التلميح الى عدم قدرة المرشحة (تيريزا ماي) على الانجاب. 
ورأينا كيف تقبل الرئيس المستقيل النتيجة وأخذ يحمل حقائبه بيديه في صورة جميلة تعبر عن قيمة إنسانية راقية.
والآن يناقش البرلمان امكانية استفتاء آخر بسبب العرائض التي وصلته من مواطنين محتجين على الخروج من الاتحاد الأوروبي. السبب الرئيسي في الخروج هو قضية المهاجرين، بينما تتعرض شعوب عربية إلى ممارسات تغيير ديمغرافي لا يحرك ساكنا في المجتمع بالرغم من التضرر الواضح. ونرى بين فترة واخرى كيف ان مؤسسات أمريكية تدين قرارات حكومية من دون ان يؤدي ذلك إلى تخوين هذه المؤسسة أو تلطيخ سمعتها واتهامها بالخيانة.
وحتى فظائع سجن أبو غريب وكثير من جرائم الغرب التي ارتكبت في حق الشعوب الاخرى نجد ان الغرب نفسه هو الذي يكشف هذه الفضائح والجرائم وليس الدول المتضررة من العالم الثالث. والتقارير المتكررة حول العدوان الصهيوني على غزة والمعاملة غير الانسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. كل هذه تقارير تصدر عن مؤسسات غربية محايدة أو مكلفة من جهات رسمية. 
اليوم نرى صورة اخرى من صور الممارسة الديمقراطية في تقرير تشيلكوت. هذا التقرير صدر من مؤسسة غربية وبقرار من مؤسساته الديمقراطية، وقامت به شخصيات غربية تمتلك قدر من النزاهة والحرية والمهنية تجعلها قادرة على التعامل مع قيادات سياسية كبيرة من دون خوف أو وجل. ظهرت نتائجه لتدين ممارسات رئيس وزراء سابق بتظليل الرأي العام وان لم تصل إلى اتهامه بجرائم حرب. وحتى قبل الغزو ظهر في الغرب نفسه المظاهرات الرافضة لهذه الحرب وانقسمت بعض القيادات الغربية بين مؤيد ومعارض، لكن القرار اتخذ جورا بالغزو. اليوم يواجه متخذ القرار مساءلة اخلاقية وسياسية وقد يتعرض إلى مساءلة قضائية ليس من خلال ملاحقة عربية، فلم يطالب العرب المتضرر الأول من الحرب على العراق بأي تحقيق بالرغم من ان معظم ما ورد في التقرير كان معلوما لديها.
والسؤال هل كان لهذا الغزو ان يتم لولا الدعم والتسهيلات المعنوية والمادية والتغطية الاخلاقية التي حصل عليها من دول عربية؟ وهل ستقوم الجامعة العربية أو اي دولة عربية اخرى بالمبادرة بمثل هذا التحقيق؟ وهل تملك الدول العربية القدرة على تقديم دعوة قضائية استنادا إلى هذا التقرير ضد المتسببين في اطلاق قوى الشر في العراق وتعريض العالم العربي والإسلامي إلى هذه الفوضى من الإرهاب والطائفية؟
التقرير الذي صدر ادان قرار الغزو، وادان كل من اشترك أو أسهم في الحرب على العراق او سهل تنفيذ القرار وقدم اي نوع من الدعم له. وأوضح عدم استناده على ادلة تؤكد وجود اسلحة الدمار الشامل. هذه الامور كانت معلومة لدى الدول العربية حينها، ومع ذلك فإنّ بعضها لم يعترض ولم يرفض التعاون. والآن يعاني العالم العربي والخليج بشكل خاص من ويلات ذلك القرار وما احدثه من فقدان التوازن في المنطقة. فقد انفتحت بوابة المشرق العربي وانطلق الإرهاب واستباحت إيران ارضا عربية ومهد الحضارة العالمية، وبعد ما حدث في العراق من اطلاق الإرهاب من عقاله والطائفية من سكونها مازالت الدول العربية تتهم أمريكا بما حدث من فوضى في العراق. وبالرغم من تضرر كثير من الدول العربية من هذا القرار لم تتحرك اي منها في إجراء تحقيق يوضح ملابسات القرار من منظور عربي. قد لا تكون الديمقراطية هي الحل المثالي للمجتمعات الحديثة اليوم ولكنها الحل الامثل في ضوء الانظمة البديلة الاخرى. كما ان الغرب ليس ملاكا فقد ساهمت سياساته وممارساته في تخلف دول العالم الثالث وارتكب كثير من الجرائم في حق شعوبها. لكن النظم الديمقراطية لديها من الآليات والمؤسسات والتوازن ما يجعلها قادرة على محاسبة القيادات ومساءلة القرارات وبيان الاخطاء والتصحيح والسير إلى الامام، لا يوجد احد معصوم من الخطأ، والمسؤولية على قدر الصلاحيات المتاحة لمتخذ القرار. لذلك يتحمل رؤساء الغرب مسؤولياتهم ويقدمون استقالتهم اعترافا بهذه المسؤولية. والى ان تتحول الدول العربية إلى انظمة ديمقراطية تعترف بالمواطن وتقر بالمسؤولية عن قراراتها وتتحمل مسؤولية نتائج هذه القرارات فستبقى الدول العربية ترزح تحت الطائفية والإرهاب. 


mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *