تنويع مصادر الدخل هو الحل لدول الخليج لكنها الى الان لم تتمكن من تحقيقه بسبب عدم الثقة في سياسات الحكومات التنموية وعدم الثقة هذه بسبب نقص الشفافية والمشاركة السياسية والعدالة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13508/article/12061.html
خبر صغير ذو دلالات كبيرة: طائرة تنطلق من الامارات وتطوف حول العالم في رحلة تستغرق خمسة شهور تمر خلالها بعدد من الدول، كل ذلك باستخدام الطاقة الشمسية، نعم ليس النفط. هذا الخبر يطرح بشدة سؤال ضرورة تنويع مصادر الدخل على دول مجلس التعاون.
تعرض الدكتور جعفر الصايغ رئيس جمعية الاقتصاديين لهذا السؤال في ندوة أقامها مركز الجزيرة الثقافي بتاريخ 8 مارس. يقول الدكتور الصايغ ان البحرين تعتمد على النفط بنسبة 86% من إيرادات الحكومة موزعة على حقل أبو سعفة الذي ينتج 150 ألف برميل و250 ألف برميل من النفط السعودي يتم تكريره في مصفاة النفط بالإضافة إلى حوالي 35 ألف برميل انتاج البحرين.
يستهل حديثه بتوضيح بعض المفاهيم الاقتصادية اولها مفهوم «الدولة الريعية». في المفهوم السياسي هي الدولة التي تعتمد بشكل كبير أو مطلق على إيرادات من الخارج نتيجة بيع موارد، يوزع الريع بشكل سياسي لكسب الولاءات. والتعريف الاقتصادي هو «الدولة التي تحصل على دخل منتظم من مصادر خارجية وإنفاقها على الخدمات والأمن وتأمين الوظائف من أنشطتها الاقتصادية المختلفة. أي أن السلطة تعقد اتفاقا ضمنيا بينها وبين المواطنين على ان تقدم لهم الخدمات والإنفاق عليهم في مقابل تقديم الولاء للسلطة الحاكمة. وبالتالي فهي لا تؤمن بالضرائب.
المفهوم الآخر هو «المرض الهولندي». في مطلع القرن العشرين تم اكتشاف النفط في هولندا بكميات كبيرة، اعتمدت على هذا المورد في تقديم الخدمات ورفع مستوى المعيشة، أدى ذلك إلى استرخاء اقتصادي ورخاء اجتماعي ونزعة استهلاكية وقلة انتاج جعلها تهمل الأنشطة الاقتصادية الاخرى. ارتفعت عملتها، فواجهت صعوبة في التصدير بسبب ارتفاع كُلفة صادراتها وأصبحت اقل قدرة على المنافسة. في نفس الوقت أصبحت الواردات رخيصة مما شجعها على الاستهلاك. بعبارة أخرى فإن المرض الهولندي هو حالة ارتخاء اصابته بتخمة جعلته يعزف عن العمل والإنتاج والابداع واستعاض بالعمالة الأجنبية فلم يكن هناك حاجة لان يكون الهولندي متعلما ومبدعا، فضعف حافز الإنتاج، ولم يكن في الإيديولوجية الاقتصادية الهولندية توجه لتنويع الاقتصاد. عندما انتهى النفط أدركت هولندا انها لا تملك شيئا. ما حدث في هولندا حدث كذلك في اسبانيا بعد اكتشاف المناجم، وغيرها. استفادت دول كثيرة من التجربة الهولندية أهمها النرويج.
عند اكتشاف النفط أصدر البرلمان النرويجي قرارا بتحويل جميع الإيرادات النفطية إلى صناديق سيادية للأجيال القادمة باستثناء نسبة لا تتعدى 10% منها استُخدمت في ميزانية الدولة. كان بإمكانهم التمتع بالثروة مثل دول مجلس التعاون، لكنها لم تسمح للثروة النفطية بتدمير اقتصادها. اليوم يتمتع المواطن النرويجي بأعلى دخل فردي في العالم بالرغم من ارتفاع الضرائب. قرار عدم استخدام عوائدها النفطية في الميزانية العامة أدى إلى جعل الاقتصاد النرويجي من اقوى الاقتصاديات. استفادت جميع الدول التي أصيبت بهذا المرض من التجربة الهولندية وأصبحوا يدرسون التجربة في الجامعات، يعلمون طلبتهم وقادتهم كيف يتعاملون مع الحالة هذه.
ماذا حدث في دول مجلس التعاون؟ بدأت اهمية النفط في دول الخليج منذ السبعينيات تزامنا مع الطفرة النفطية. كان لدى دول المجلس خياران، الأول تحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي وارتفاع دخل الفرد وتمتعه بقوة استهلاكية، الخيار الآخر هو اقتصاد منتج، وإن كان هناك خيار ثالث فهو وسط بين الاثنين هو استهلاك انتاجي. لكن دول المجلس تبنت مجتمعا استهلاكيا بكل فاعلية وتخلت تماما عن المجتمع الإنتاجي وثقافة العمل والابداع والابتكار.
التحول نحو المجتمع الاستهلاكي يرضي القيادات والمواطن ويحقق لهما رخاء مزيفا على حساب الأجيال القادمة التي سوف تدفع الثمن. انتهاج هذا الخيار أفقد المجتمع الدافعية للعمل وعدم الايمان بالادخار أو الاستثمار. ما كانت تتمتع به دول المجلس من إيرادات وموارد كبيرة يمثل اهم عنصر لتحقيق الازدهار والتنمية لكنها فضلت تحويل المجتمع إلى استهلاكي.
في أوقات محددة أدركت دول المجلس أهمية تنويع مصادر الدخل وبذلت جهدا في السبعينيات، واستثمرت في البنى التحتية والالمنيوم والصلب والبتروكيماويات وشرَّعت قوانين تحث على تنويع مصادر الدخل، لكن لم تنجح، فما هي الأسباب؟
السبب الأول هو ان الاستثمارات كانت في قطاعات هي في الواقع تعتمد على النفط وتتأثر بتغيير أسعاره. فمثلا أنشئ القطاع المصرفي الذي اعتمد على أموال النفط (بترو دولار). السبب الثاني لم يكن هناك استثمار واضح وجدي في تنمية الموارد البشرية. ثالثا لم تنتهز الفرص الاستثمارية التي اتيحت لها بسبب قربها من الغرب وحاجته لها. في حين أدركت دول شرق اسيا حاجة الغرب لها في صراعه مع الكتلة الشيوعية لجعله نموذجا اقتصاديا لتحفيز الدول الاشتراكية لرفض الشيوعية. مع أن دول المجلس كانت في نفس الوضع من حيث أهميتها السياسية التي احتاج الغرب إليها في حربه على الاشتراكية. الا انها لم تستغل هذه العلاقة مع الغرب في ترجمتها إلى اقتصاد قوي مستقل والنهوض بالمنطقة وتحقيق المعجزة الاقتصادية التي حققتها دول شرق اسيا. رابعا لم تستغل دول المجلس استقرارها السياسي منذ السبعينيات. مازال الدليل قائما على ان الاقتصاد الخليجي يعتمد على النفط متمثلا فيما نشاهده الآن من تأثير انخفاض النفط، وارتفاع الدين العام، والتقشف المرتقب.
والسؤال: أين المشكلة وأين الخلل؟ اهم عنصر في نجاح سياسات تنويع مصادر الدخل هو رضا المجتمع عن هذه السياسات وتفاعله معها وثقته فيها. عدم تفاعل المجتمع مع السياسات له عدة أسباب منها عدم المشاركة في صنع القرار وتدني مستوى الشفافية، وعدم المساواة الاقتصادية وتكافؤ الفرص. هذه العوامل تؤدي إلى عدم الثقة في السياسات وفقدان الدافعية للتفاعل معها. الثقة تؤدي إلى تقبل سياسات التقشف ورفع الدعم.