نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٥ سبتمبر ٢٠٢١

مقال الاسبوع – يشكل الارهاب خطرا على امن واستقرار الدول العربية ومصدر ومحاربته لا يكون بالاجتماعات والتصريحات ولكن يحتاج الى التركيز على تعظيم التفكير وادخال الفلسفة في التعليم ودعم اعلامي لافساح المجال للمستنيرين في الفضاءات الرسمية لتكثيف النقاش العقلاني. من اهم المستنيرين المرحوم د محمد شحرور اثابه الله فيما اصاب وغفر له فيما اخطأ.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1266499

في اجتماع وزراء الخارجية في مقر جامعة الدول العربية (9 سبتمبر 2021) قدم وزير الخارجية الدكتور عبداللطيف الزياني توصيفا للوضع العربي وما يواجهه من تحديات فقال ان الوطن العربي “يواجه تحديات سياسية وأمنية متعددة ً وظروفا صعبة، الأمر الذي يستدعي منا عمل عربي مشتركا أكثر فعالية، واننا مطالبون بـتـبـني إستراتيجية عربية مـشـتركة تجاه هذه المتغيرات والتحديات. ان ما يحدث في عدد من الدول العربية الشقيقة أمر محزن ومؤلم، لا استقرار ولا أمن ولا سلم، ولاجئون ومهجرون يعانون قـسـوة العيش والحياة، وقلة المساعدات الانسانية التي تخفف عنهم معاناتهم، ولا حلول سياسية في الأفق لانهاء الحروب والصراعات الدامية التي تسببت في سفك الدماء الزكية وتدمير الـمـدن والـقـرى والبنى التحتية، وتهـدد الأمن القومي العربي”.

لا شك ان هناك مسئولية على المجتمع الدولي ومسئولية على دول تتدخل في شئون الدول العربية وتعتدي عليها. لكن في التحليل الاخير المسئولية الاكبر على الامة العربية في ان تضع الحلول لتوحيد كلمتها ولم شملها ومعالجة جذور الخلاف ومنابع الارهاب واسباب الصراعات التي تضر بمجتمعاتها. فقد حذر وزير الخارجية من ان “الارهاب يشكل خطرا مستمرا على امن واستقرار الدول العربية” مما يتطلب مواجهة التطرف بجميع اشكالة بما فيه الارهاب الفكري والمادي ومن اي مصدر كان.

هناك محاولات وجهود عربية اسلامية تبذل لمنع تحول افغانستان الى مرتع للمنظمات الارهابية، فهي مسئولية عربية واسلامية ومصلحة قومية. وينهي وزير الخارجية كلمته بان “ذلك يضع مسئولية علينا لمعالجة تلك التحديات والتعامل معها بكل حكمة وعزيمة لحماية الامن القومي العربي ومصلحة الامة وحق شعوبها في الحياة الكريمة الامنة المستقرة والمزدهرة”. نتفق مع تحليل الوزير بان هذه مصلحة قومية عربية واسلامية كما انها واجب يحتمه عليها ايماننا بسماحة الاسلام وقبوله التعددية في الافهام وفي الاجتهاد.

تتزايد تصريحات المسئولين حول محاربة الارهاب، ويرتفع مستوى التمثيل في اجتماعات تتحدث عن محاربة الارهاب والتطرف، او محاولات في تكريس حقوق الانسان ونشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفتح مجالات التنمية، فيرتفع مستوى التفاؤل في المجتمعات العربية. هذه مبادرة ايجابية ومدعاة للتفاؤل لكنها ليست بالزخم الكافي لاحداث التحولات المطلوبة معرفيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعية وفكريا. ولا تستنفذ الادوات المتاحة لاحداث التغيير.

فمثلا تمكنت دول مثل مصر وتونس والمغرب من هزيمة احزاب الاسلام السياسي؟ لكن هل هي فعلا رسالة لرفض ايديولوجية احادية تكرس الانقسام في الامة. وهل مثل هذا التحول يكفي لمعالجة القضايا التي ذكرها وزير الخارجية؟ الامر يتعدى تغيير احزاب سياسية وقيادات فردية، مهما كانت الوسيلة، ويحتاج الى تغيرات فكرية تحارب الارهاب من جذوره وتعالج التصدعات والصراعات وسفك الدماء التي ذكرها الوزير، وحينها لن يمثل الاسلام السياسي خطرا فكريا او ماديا على الامة.

في اعمال القمة العالمية الاولى لمكافحة الارهاب (للاتحاد البرلماني الدولي، مكتب الامم المتحدة لمكافحة الارهاب) والتي شاركت فيها البحرين بوفد برلماني يسعى لاقرار اتفاقية دولية “لتجريم خطاب الكراهية الدينية والطائفية والعنصرية”، تطرق المؤتمر الى منع تكوين بيئة خصبة حاضنة لنمو الافكار المتطرفة، او تجنيد الشباب، ودحر الاسس الفكرية المغذية للعمليات الارهابية “وتصويب الخطاب الديني بما يعزز القيم السمحة”، لكنه ماهي الاليات لهذا التصويب؟

هذا يحتم الاهتمام بمناهج التعليم وطرق التدريس من جهة ولكن الاهم الاهتمام بالاعلام وتوجيه خطاب مختلف يرفض الرأي الواحد ويكرس التعددية الفكرية وقبول الاختلاف واحترامه. انتشر الفكر المتطرف عن طريق الاعلام منذ السبعينات ولذلك لن يكون دحره الا بحملات اعلامية تدفع في اتجاه التغيير الفكري. وهذا يعني افساح المجال في المحطات الرسمية للتيارات الدينية الاخرى بالظهور والتركيز على التعددية التي كانت سائدة في القرون الاولى من الاسلام. فقد كانت التفاسير متعددة ومختلفة، ومدارس النقل والعقل متعددة وكتب الفقه والاراء حولها متعددة، وكان النقاش محتدما بين كبار المحدثين والمفسرين وكتاب السيرة، وبين المدارس المختلفة. هذا الغنى الفكري توقف تدريجيا بعد القرن الرابع. ارتفعت وتيرة التشدد منذ القرن السابع عشر. لم تتمكن النهضة التي قادها الشيخ محمد عبده والافغاني ومن بعدهم الشيخ عبدالمتعال الصعيدي والمفكر طه حسين وخير الدين التونسي وكتاب كثرفي الاستمرار فتعثرت.

الان هناك نخبة جديدة نذرت نفسها للتجديد واعادة الحيوية التي بدأ بها الاسلام. هذه النخبة تنادي باعادة النظر في التراث الغني في الاسلام واعادة قراءته بعيون العصر وبمعارف العصر وتقنيات العصر ونبذ الارهاب الفكري واحتكار المعرفة. من هؤلاء مازال ينشط في الفضائيات الخاصة وبعضهم اختاره الله. منهم الدكتور محمد شحرور (توفي في 21  ديسمبر 2019) الذي نذر حياته لقراءة عصرية للقرآن انتج ما يزيد على عشرة كتب، احدها “تجفيف منابع الارهاب”، اصاب واخطأ كما يقر هو نفسه. اثابه الله على ما اصاب وغفر له فيما اخطأ. اي ان محاربة الارهاب فكريا  تقتضي جهدا اعلاميا عربيا يفتح المجال للنقاش والحوار لهذه النخب المستنيرة في الفضائيا الرسمية. الاقوال التي تتفق مع محكمات القرآن تبقى وتنتج فكرا حرا مستنيرا وما يتنافى مع القرآن سوف يندثر تلقائيا، او كما يقول الدكتور المفكر يوسف الصديق “لا يبقى دقيقة واحدة” ” …. كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)”.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *