نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  دول الخليج ومؤشر الابتكار العالمي 2012 (2) 

  تاريخ النشر :١٤ نوفمبر ٢٠١٢ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقالنا اليوم: مؤشر الابتكار لا يعني الكثير مادام مستوى معيشة المواطن في تراجع ومازلنا نعتمد على النفط بنسبة تفوق 80%

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12654/article/59891.html

كتبنا في الاسبوع الماضي عن اهمية مؤشر الابتكار العالمي الذي حصلت دول الخليج فيه على مراتب متقدمة تراوحت بين 33 و48، وبينا ان هذا المؤشر له اهمية كبيرة في تحليل قدرتها التنافسية. تكمن هذه الاهمية في ان المؤشر يدل على قدرة الدولة على تحويل الانفاق في بناء القدرات الى نتائج اقتصادية تؤثر في مستوى معيشة المواطن. بالنظر الى تفاصيل المؤشر نجد ان اول فقرة في هذا المؤشر هي المؤسسات وتشمل البيئة السياسية والبيئة التشريعية وبيئة العمل. اي ان اهمية العوامل السياسية والتشريعية تأتي على سلم اولويات بناء القدرات، وان الانفاق في مجالات اخرى مثل بناء البنى التحتية وتطوير السوق والاعمال لا يؤدي الى نتائج مباشرة للمواطن ما لم تهتم الدولة بعوامل البيئة السياسية والتشريعية، وقد يكون ذلك سببا مباشرا في تدني نتائج دول الخليج في القسم الثاني من مؤشر الابتكار والمتعلق بالقدرة على تحويل الانفاق الى نتائج ويشار اليه بـ «كفاءة الابتكار» التي تراوحت مراتبها من 120 الى 128 بين 141 دولة. (والكفاءة = نسبة المردود الاقتصادي مقارنة بالانفاق، وكلما زاد المردود من القدر نفسه من الانفاق زاد معدل الكفاءة). 

 يكتسب مؤشر كفاءة الابتكار اهمية كبيرة من حيث ان دول العالم جميعها تتنافس فيما بينها في عالم مفتوح تستثمر قدراتها الابتكارية الى روافد اقتصادية تنعكس على مستوى المعيشة في الداخل، وينعكس ذلك على الاستقرار السياسي والاجتماعي وعلى قدراتها العسكرية وبالتالي امكاناتها في الدفاع عن امنها القومي. السؤال هل يمكن لأي من دول الخليج الصمود منفردة في هذا العالم وان تحقق مستويات متقدمة في مؤشر الابتكار؟

 في تقرير يحلل نتائج مؤشر الابتكار لدول الشرق الاوسط يركز في اهمية المؤشر الفرعي المتعلق بكفاءة الابتكار وكيف تتم ترجمة القدرات من مؤسسات وبنى تحتية وتعليم وغيرها الى نتائج عملية تؤثر في المستوى المعيشي للمواطن وزيادة جودة الحياة ورفع مستوى المشاركة في القرار وفي الثروة. يقول كريم الصباغ الشريك في بوز اند كومبني (شركة استشارية امريكية) اننا في منتصف الطريق نحو الوصول الى تقليص الفجوة بين القدرات والنتائج. بالنسبة الى دول مثل الاردن ومصر ولبنان وتونس التي تفوقت على دول الخليج فانها اعتمدت على ثقافة متأصلة من الريادة في الاعمال، وانهم بدأوا الاقتصاد الانتاجي في مرحلة سابقة ولم يعتمدوا على موارد طبيعية في اقتصادهم. اي ان الاهتمام بالاقتصاد الانتاجي هو عامل مهم في بناء القدرة الابتكارية.

 الجانب الاخر من عوامل القدرة على تحويل الانفاق الى نتائج اقتصادية هو القدرة على تحويل الخطط الى استراتيجيات قابلة للتنفيذ. فكثير من الدول الخليجية لديها خطط ولكن الى الان لم تتحول الى استراتيجيات قابلة للتنفيذ. ويرى التقرير ان السبب في ذلك يعود الى قلة التمويل وعدم قدرة البنى التحتية على دعم مستويات عالية من الابتكار، ونقص في العمالة المؤهلة، ونقص التشريعات في حماية الملكية الفكرية. واخيرا فان العلاقة والتواصل بين مؤسسات الابتكار ومجتمع الاعمال محدودان على مستوى دعم العمليات. 

 يقترح التقرير للخروج من ذلك ان تعتمد دول الخليج على اسلوب شامل لمواجهة تحديات ثلاثية تتكون من:

 الاول: العلم والتكنولوجيا والابتكار. الثاني: تحديات سياسية واجتماعية تضمن استقرارا طويل الامد يقوم على العدالة الاجتماعية لكي لا تتعرض المنطقة لهزات تفقدها ما حققته من تقدم. الثالث: على الحكومات في دول الخليج الاقتناع بأن العمل في هذه الجوانب لابد ان يكون على قاعدة مشتركة متسقة ومتناغمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لتعظيم الفوائد وتجعل هدفها التنمية البشرية المستدامة. 

 لتحقيق ذلك فان البيئة السياسية تعتبر من اهم المدخلات لرفع القدرة الابتكارية فهي اولا: تحرر المجتمع من التركيز في القضايا السياسية التي اصبحت تشغل جميع المجتمعات، وما لم تتم معالجة هذه القضية معالجة شاملة وناجعة تعطي كل ذي حق حقه وتحقق العدالة والمساواة والمساءلة على النتائج فان قدرتنا على الابداع والريادة والابتكار ستبقى محدودة مهما انفقنا من اموال على البنى التحتية والتطوير العمراني والتدريب.

 العنصر الثاني هو ان تبدأ عملية الابتكار في دولة واحدة تكون القاطرة التي تجر باقي الدول معها الى عالم الابتكار. كل من البحرين او دبي او قطر مرشحة الى ان تكون هذه الدولة، ولكل منها ميزة، ولكن بالنظر الى التقدم في المجال السياسي في البحرين والكويت قد يجعل احداهما بداية القاطرة. هذا يعني اننا في سباق مع الكويت في التقدم في الجانب السياسي والحريات والبيئة التشريعية التي تسهم في اتاحة المناخ العلمي المناسب. اي ان العنصر الحاسم سيكون القدرة على تحقيق الاستقرار السياسي الناتج عن معالجة قضايا المساءلة والفساد. 

 ثالثا: ان تدرك القيادات انه لا يمكن تقييم الابتكار بمجرد حساب عدد الابحاث او براءات الاختراع، بل يتطلب الامر وجود استراتيجية وبيئة راعية وثقافة داعمة. اي ان مستقبل النجاح في مجال الابتكار يعتمد على القدرة على تحويل الافكار الى نتائج، وهذا يتطلب مشروعا خليجيا وجودة ثقافية ابتكارية ومساعدات هيكلية وتنظيمية وبيئة سياسية واقتصادية واجتماعية ملائمة.

 رابعا واخيرا: لابد من تحديد قطاعات اقتصادية محددة تكون نقطة الانطلاقة وتستقطب خيرة العقول والموارد لدفعها قدما، ووضع المؤسسات القادرة على استيعاب النتائج وتحويلها الى منتجات. في هذا المجال لا يعامل الابتكار على انه هدف في حد ذاته بل اداة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال تحسين الاحوال الاقتصادية، والنجاح فيه مقرون بما يتحقق من اصلاح سياسي واجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *