نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. رفع الدعم .. اهمية الحلول الشاملة

تاريخ النشر : 4 ديسمبر  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

شغل موضوع رفع الدعم الشعب البحريني، فلا يخلو مجلس من مناقشة القضية حتى قال البعض ان الحكومة ارادت شغل الرأي العالم لتمنع المطالبة بعلاوة غلاء معيشة. كثرت الكتابات التي دخلت في تفاصيل حول هل سيذهب المبلغ كله الى المحتاجين؟ وهل ستستخدم بطاقة تموينية ام يضاف الى الراتب ومن هي الطبقة المستحقة؟ لكن نرى ان الدخول في هذه الفتاصيل يفقدنا النظرة الشاملة للقضية والقدرة على الاجابة عن السؤال “لمذا وصل الوضع في البحرين اى حد اننا نضطر الى رفع الدعم لمواجهة العجز بالرغم من تكرار اعلان نجاحات في التنمية الاقتصادية؟ وما هي شروط النجاح اذا ما قرر المجتمع اعتماد رفع الدعم؟

لالقاء الضوء على ذلك اطلعنا على بعض التجارب لدول اخرى في رفع الدعم مثل مصر وايران واندونيسيا وبرزت من هذه التجارب عدد من المحاذير كما برزت بعض الشروط الواجب توافرها لنجاح العملية. من المحاذير نجد ان في مصر مثلا ارفع مستوى الفقر بنسبة 3% (Sasha J 1996)  مما حدا ب (ِAtkenson & Lindetn1998) القول ان الحاجة باتت ملحة لوضع سياسة مختلفة توجه نحو الفقراء. اما في اندونيسيا فقد نتج عن سياسات رفع الدعم تشجيع استخدام طاقة بديلة (الوقود البيولوجي) وتشجيع مجالات البحث والتطوير في مجالات الطاقة. وفي ايران مثلا ادى ذلك الى ضخ وتوفير قروض طويلة المدى لمساعدة الشركات المتضررة على رفع قدرتها التنافسية. وفي كل من مصر وايران حدث انكماش اقتصادي وتاثرت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فارتفعت نسبة البطالة وانخفض متوسط دخل الفرد فازداد الفقر وتقلصت الطبقة الوسطى.

اما بالنسبة الى الشروط الواجب توافرها فتلخصت في ان الحلو المستدامة في اندونيسيا وايران بالذات كانت تدريجية وشاملة. فمثلا في ايران تم توزيع نسبة 50% من الدعم على الطبقة الفقيرة. واستخدم 30% كاستثمارات في المواصلات والطاقة البديلة ومعالجة اثار رفع الدعم وذهب 20% منها الى الخزينة يستخدم في الاسكان والصحة والتعليم. ومع ذلك فقد واجهت تحديات كبيرة بسبب تقلص النشاط الاقتصادي وارتفاع مستوى البطالة. وفي اندونيسيا كان التركيز على ايجاد البدائل من المواصلات والاستثمار في الغذاء ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توفير معدات اقل استهلاكا للوقود وتحديث انظمتها بشكل عام والاستثمار في خلق فرص عمل في قطاعات اقتصادية اكثر انتاجية ذات محتوى معرفي اكبر واحداث اصلاحات في قطاع الوقود.

الخلاصة من التجارب هي اولا يجب الا تضحي الدولة بالاعتبارات الانسانية والاجتماعية لصالح فرضيات نظرية. وثانيا ضرورة الاستعداد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسماح بحوار على قدر من الشفافية والشمولية يعالج المشاكل التي حدثت في تجارب كثيرة. فهل لدى الحكومة الاستعداد لذلك؟ وفي ظل التعقيد الاضافي الذي يضعه وجود العمالة الاجنبية الكبير في البحرين فهل تكفي مثل هذه الاجراءات؟

باستعراض الاداء الحكومي في الفترة من السبعينات الى اليوم نجد انه بداية الطفرة النفطية في السبعينات ارتفع مستوى المعيشة للمواطن. ولكن بدأ في الثنمانينيات بالانحدار بعد هذه الطفرة ولم تفلح الحكومة في تصحيح ذلك في الطفرة الثانية والطفرة الثالثة بالرغم من اطلاق يدها في ادارة الاقتصاد بعيدا عن تاثير البرلمان والصحافة. النتجية هي تراجع في الاداء الاقتصادي. فالطبقة الفقيرة في ازدياد، والطبقة المتوسطة في تقلص. والطبقة الغنية تزداد غنى بكل ما لذلك من انعكاسات على السلم الاهلي واضعاف المجتمع وارتفاع التواترات الفئوية وارتفاع مستوى العنف. مخرجات التعليم لا تزال بعيدة عن متطلبات السوق، والعمالة الاجنبية في ازدياد بالرغم من سياسات اصلاح سوق العمل. الصحة تشكو من قلة الاسرة والادوية وطول قوائم الانتظار كما تطول قوائم الانتظار للاسكان. في نفس الوقت تحولت الاراضي العامة الى املاك خاصة واختفت السواحل وانحسر الانتاج السمكي بفعل التجريف والدفان واصبحت الحياة الفطرية مهددة، وتحولت 75% من الاراضي الزراعية الى خرسانة صماء خاوية من النزلاء في كثير من الحالات ومازالت في تناقص. البنية التحتية في تراجع والشوارع تزداد اكتظاظا والحلول الترقيعية تحول  الازدحام من نقطة الى اخرى. في نفس الوقت يزداد الانفاق على الشكليات والاحتفاليات والمراسم والامتيازات وهدر المال العام. لذلك فان القضية هي كيف يمكن للمواطن ان يثق بان سياسات التعامل مع تاثيرات اعادة توجيه الدعم المعقدة كما رأينا سوف تدار باقتدار في ضوء هذه المعطيات؟

عندما نرى هذه الصورة التي خلفتها السنوات الماضية نزداد يقينا بان غياب الرقابة وتحمل المسئولية الحقيقية التي تحاسب اصحاب القرارات على النتائج هي السبب في وصول الوضع الى هذا الحال. لذلك يجب ان نراجع الاسس التي تقوم عليها ادارتنا للثروة ونشرك المجتمع بكل مكوناته للمساهمة في ايجاد الحلو التي تخرجنا من هذا المأزق والتوقف عن اللجوء الى الحلول الترقيعية التي سرعان ما تحتاج الى تصحيح وحلول اخرى اكثر سوءا. وهذا لن يتم مالم توضع جميع الايرادات تحت الانوار الكاشفة بكل شفافة وان تتوافر المعلومات للمجتمع لكي يشارك في ايجاد الحلول باريحية وجرأة. لذلك نقترح تشكيل لجنة برلمانية تشارك فيها القوى السياسية من خارج البرلمان لتدارس الامر والتوصل الى حل يستفيد من اعادة توجيه الدعم ويتلافى المحاذير التي ذكرناها ويؤسس لادارة مشتركة للثروة ورقابة تشمل جميع الايرادات والنفقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *