نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. شباب مصر يصنع مستقبل الامة (2)

تاريخ النشر :11 فبراير 2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ناقشنا في المقال السابق الدعوة التي اطلقها البعض لوضع استراتيجية لمستقبل الامة. وعلى ضوء التغيير الذي بدأ في تونس ومصر وظهر تاثيره في كثير من الدول العربية، نرى ان الثورة سوف تغير عددا من المفاهيم. في الاسبوع الماضي تحدثنا عن مفهومي الدولة والشخصنة الفجة للسلطة، وفي هذا المقال سوف نتحدث عن اولا مفهوم الامن والاستقرار وثانيا مفهوم التنمية.

تطرح الثورتين التونسية والمصرية اسئلة حول الجهات المسئولة عن الامن والاستقرار وكيف تتحقق ومن المسئول عن الاخلال بهما؟ يجمع العالم والمختصون على ان الامن والاستقرار شرط من شروط التنمية، ويجمعون كذلك بان تحقيقه يتطلب العدالة والحرية والمشاركة السياسية. كما تُقر ادبيات التنمية على ان مسئولية المحافظة على الامن والاستقرار هي مسئولية الحكومات والشعوب والافراد. تكمن مسئولية الحكومة في جعل الاستقرار يستند الى مبادئ العدل والمساواة والنزاهة. اما الاستقرار الذي ياتي من خلال العقلية البوليسية التي تريد ان تستحوذ على خيرات الامة وتعيث فيها فسادا، فهو يدفع الشعب الى الرفض والثورة. و اتهام الشعب بعد ذلك بانه يعرض الامن والاستقرار للخطر هي مغالطة كبيرة. فالمسئولية تقع على من اوجد الاسباب لثورة الشعب كما هو قائم في مصر وتونس وعددا من الدول العربية. 

ان الامن في مفهومه الصحيح هو امن المواطن وامن المجتمع. اما امن الدولة وامن السلطة واجهزتها فهو نتاج لتحقيق امن المواطن وامن المتجتمع. فمتى ما شعر المواطن والمجتمع بان حقوقه مصانة وصوته مسموع وكرامته محفوظة فانه سوف يحافظ على امن الدولة. رأينا كيف اظهر المتظاهرون في مصر حرصا كبيرا على الحفاظ على امن المجتمع بحمايتهم لممتلكاته وارواح المواطنين عندما شكلوا جماعات حراسة وحماية. في الوقت نفسه اظهرت السلطة استخفافا وتخليا عن امن المجتمع عندما انسحبوا من المدن وفسحوا المجال للمساجين بالخروج والعبث بامن المواطنين وترويعهم. 

الجانب الاخر للامن اظهرته الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية واثبتا ان الجيوش لاتستطيع فرض الامن والاستقرار بل انها وجدت لتأمين حدود الدولة وسيادتها، وبالتالي فان الاعتماد على الانفاق العسكري لاحكام القبضة على الامن الداخلي وعلى المجتمع غير مجدٍ. لذلك فان الامن مرتبطا ارتباطا وثيقا بمفاهيم العدالة والمساواة ومحاربة الفساد واي محاولة في غير هذا الاتجاه هو تجاهل لطبيعة الامور. 

هذا يقود الى المفهوم الرابع  المتعلق بمستقبل الامة وهو مفهوم التنمية. ان حركة التاريخ تسير نحو العالمية والتعليم والانفتاح مما يزيد الضغوط على الانظمة الاستبدادية والديموقراطيات الشكلية ان تتحرك معه. فعلى الامة العربية ان تدرك ان التنمية تحتاج الى العلم والمعرفة، والعلم يحتاج الى حرية الرأي والبحث والنشر. اما السلطة المستبدة وانصاف الديموقراطيات فلا بد ان تمنع نشر ما لا يحلو لها او يهدد امتيازاتها او يضعف سطوتها وسيطرتها على الدولة وعلى الثروة والسلطة ومقدرات المجتمع. 

افادت التقارير الدولية والمحلية ان تونس تمتعت بمستوى متقدم من النمو وبالرغم من ذلك فان الشعب التونسي لم يشعر بهذا التقدم وبقيت مستويات البطالة مرتفعة وعم الفساد في البلاد مما ادى الى انفجار الشعب. كذلك هي الاوضاع في مصر وان اختلف مستوى الفقر فان العامل المشترك هو وجود تقدم في النمو الاقتصادي مع استشراء الفساد. وبسبب الفساد فان هذا النمو تم تسخيره لخدمة طبقة معينة وتركز في السياحة والعقار. هذا النوع من التنمية هو السائد في الدول العربية بسبب ملائمته للفساد. اي ان الاراضي توزع على المتنفذين، يقيمون عليها مشاريع سياحية او تجارية او سكن رفاهية. اما التنمية التي تصل الى الشعب وتخلق فرص عمل مجزية للمواطن مثل البحث العلمي والتصنيع فتأخذ اولويات متدنية لان فرص الفساد ضعيفة بسبب طول مدى المردود المادي اولا، وثانيا لانها في نظر السلطة تهدد الامن والاستقرار. فمثلا لوكان مخترع الفيس بوك او التويتر عربيا لكان الان في سجون امن الدولة ولن نتصور ماذا سيحدث لمن يجرؤ على اختراع سلاح. 

يقول المفكر برهان غليون ان “ما وَسَم العقود القليلة الماضية من العمل العربي هو الافتقار إلى سياسات تنمية معرفية متسقة وناجعة، وفي بعض الحالات إلى غياب أي سياسات واهداف علمية وتعليمة على الإطلاق، وانفصالها عن العمل والانتاج”. ويواصل بان الانظمة العربية “لا تزال تستورد الخبرة الفنية والتقنية بكثافة، ولا تزال تعتمد بشدة، منذ أكثر من قرن، في تكوين الاطر العلمية والفنية والتقنية المتقدمة، على ايفاد البعثات إلى الدول الأجنبية لتلقي العلم”. هذا الفشل لو كان في مؤسسات خاصة لاخفقت وتم اعفاء رئيسها ومدراؤها.

وبسبب الفساد السياسي في استباحة الدولة تتوزع الثروة على قلة من المتنفذين مما يدحظ ما يدعيه البعض بفصل الاقتصاد عن السياسة. فالمشاركة السياسية والحرية والشفافية هي التي تحد من تغول الفساد في المجتمع. لذلك على الانظمة العربية ان تدرك ان مستقبل الامة يكمن في الديموقراطية الحقيقية والتفوق العلمي الذي يؤدي الى نجاح اقتصادي ومنهما تاتي القوة العسكرية والتأثير السياسي في أحداث العالم واستقلال ارادة الامة وتقرير مصيرها. هذا هو التسلس الطبيعي للامور، لذلك فان المصلحة الوطنية تقتضي التقدم في المسار الديموقراطي والعلمي معا، اما القوة الاقتصادية التي لا تأتي عن طريق العلم ولا تحميها الديموقراطية فهي قوة اقتصادية زائفة وزائلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *