نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لماذا نحتاج الى الديموقراطية

تاريخ النشر : 12 يونيو  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

منذ الازمة البرلمانية في الكويت تصاعدت الكثير من النداءات وكتبت المقالات واجريت المقابلات التلفزيونية وكانها تلوم النظام البرلماني الديموقراطي على تكرار حدوث هذه الازمة وتطالب في بعض الحلات بحل البرلمان والاستغناء عن النظام الديموقراطي نهائيا، والعودة الى حكم العائلة والفرد والاهتمام بالاقتصاد بدلا من السياسة. وكتب الاستاذ عبدالمنعم ابراهيم عدد من الاعمدة يهاجم الانشغال بالسياسة وترك الاهتمام بالاقتصاد والتنمية. وهذا يطرح تساؤلا حول مدى الحاجة للديموقراطية وماهو المستوى من الديموقراطية الذي يمكن ان يكون فعالا في توفير المناخ المناسب للتنمية؟ 

مما لا شك فيه ان اهتمام المواطن بالدرجة الاولى ينصب على مستوى معيشته من مأكل وملبس ومسكن وتعليم ورعاية صحية بالاضافة الى درجة معقولة من الترفيه ووقت الفراغ يستغله في ما يشاء من هوايات وعلاقات اجتماعية وتنمية ذاتية. وهذا النوع من المعيشة في الدول الغربية تتوفر لمعظم الناس او غالبيتهم على درجات متفاوته كل حسب قدراته وجهدة وفي بعض الاحيان حظه دون حاجة له لان ينشغل بالسياسة والتسييس. كما ان اهتمام الطبقة الوسطى عادة ما يكون متجه نحو التنمية وتطوير الذات ومن خلال ذلك تطوير وتنمية المجتمع. وهنا تبرز عدد من الاسئلة كيف ستكون التنمية وكيف تستخدم الموارد وتوزع الثروات ومن يتخذ القرار في مسيرة التنمية ومن يستفيد منها. الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها تحتاج الى نظام اداري يخضع لقواعد واسس تحفظ حقوق الجميع. وفي المحصلة النهائية فان الديموقراطية هي ذلك النظام الاداري المكون من مجموعة من الاليات لصناعة القوانين التي تنظم علاقات المجتمع ومكوناته والرقابة على كيفية تطبيق هذه القوانين والقدرة على مساءلة ومحاسبة من يخالفها. وبالتالي فان النظام الاداري لصناعة القوانين ومراقبة تنفيذها يحتاج ان يكون جامعا وشاملا لمختلف المصالح ويقوم على مرجعيات متفق عليها مجتمعيا. 

المرجعيات التي نحتكم لها في مجتمعاتنا الاسلامية هي القرآن والسنة وتنحصر في ثلاث مفاهيم هي اولا: ان جميع الناس متساوون وانه لافرق بينهم الا بالتقوى، ثانيا: ان القضايا العامة تقرر برأي الاغلبية من خلال الحوار والشورى ، وثالثا: القيم الثلاث الاساسية وهي العدالة والمساواة والكرامة الانسانية. اما المرجعية الاخرى فهي المسيرة الانسانية والتجارب التي مرت بها البشرية الى ان وصلت الى مانحن عليه اليوم واخذ العبرة من الممارسات التي نجحت في التنمية والتي لم تنجح ولماذا؟ وبنظرة سريعة يمكن القول بدرجة عالية من الثقة بان الدول التي الاكثر ديموقراطية هي اكثر الدول نجاحا في التنمية بشكل عام بينما نجد الدول الشمولية ومنها الدول العربية اقل دول العالم تطورا واكثرها بطاله واقلها انتاجية واضعفها تعليما وافقرها ابتكارا. 

هذا يقود الى البديهية التي اقرها النظام الدولي بان هناك علاقة بين الممارسات الديموقراطية وبين التنمية. كما يطرح تساؤلا حول مدى قناعة المسئولين بأهمية الديموقراطية للتنمية؟ وهل نشترك جميعا في نفس المفهوم للديموقراطية ونحترم آلياتها؟ فمثلا في حوار مع جلالة الملك في الصحافة المصرية يقول “من واجبنا أن نسعى لعمل مجتمعات ديمقراطية وان نطورها بأن يقتصر النقد في مجتمعاتنا على السياسات وليس الأشخاص” (اخبار الخليج 26 أغسطس 2006) في هذه الجملة البسيطة يؤسس جلالته الى امرين الاول عام وهو اهمية المجتمع الديموقراطي والاخر اهمية نقد السياسات دون استثناء. وفي كلمته بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين ربط جلالته بين السياسة والاقتصاد والامن حين طالب مجلس النواب “بالإسراع في انجاز القوانين اللازمة لحماية الحقوق السياسية والحرية الاقتصادية وأمن الأسرة البحرينية” (اخبار الخليج 16 ديسمبر 2005 م ). اما خطابات ومقابلات سمو رئيس الوزراء وولي العهد فهي مفعمه باهمية الديموقراطية والنقد البناء والمشاركة في القرارات وحقوق الانسان ونبذ الفساد وتنمية الانسان الذي هو الثروة الحقيقية للوطن. 

من ذلك يتضح قناعة القيادة السياسية باهمية الديموقراطية للتنمية. غير ان ذلك لا يمكن ان يتم دون حرية التعبير والتوافق على آليات ديموقراطية اخرى للاصلاح والتنمية. فمثلا رفع مستوى المعيشة يحتاج الى الكثير من القرارات يدور معظمها حول الميزانية وتوزيع الثروة والسلطة. كما ان انتقاد السياسات لن يكون ممكنا في ظل غياب المساءلة الشاملة التي هي من أهم آليات الديموقراطية. 

لذا فان السؤال الجوهري يبقى هل مفهوم الديموقراطية لدينا واحد؟ وهل ما يقصده القادة من الديموقراطية يكفي لخلق مناخ تنموي؟ فاذا كانت السياسية هي حاجة جهة معينة لحماية مصالحها من خلال احساسها بالمشاركة في صنع القوانين والقرارات، ومادام هناك من يشعر بان مصالحه غير مراعاة فان السياسة والتسييس لن يتوقف. ومادام الانسان مجبول على الدفاع عن مصالحه فان التسييس امر يشمل جميع القوى المجتمعية وليس فئة معينة، لماذا؟ لاننا لم نتفق الى الان على الالية التي نصنع بها قوانيننا التي تحكم علاقاتنا وحقوقنا وواجباتنا. ولم ننهي كيف ندير ونوزع ثروتنا. ومالم نصل الى حل من خلال الحوار الذي دعى اليه جلالة الملك لتبني الاليات الديموقراطية التي تخدم التنمية لدينا فلن تنتهي عملية التسييس والانشغال بالسياسة وسيستمر الهدر في الطاقات والجهود والوقت في امور تجاوزها الغرب واهتم بالتنمية الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *