- الميزانية العامة وطموح المواطنين ومتطلبات التنمية
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٤ مارس ٢٠٢١
مقال الاسبوع – مرت الميزانية ولم تجب على اسئلة مهمة ولم تعالج قضايا مثل كيف سنتعامل مع الدين العام والعجز المتكرر في الميزانية، وما مصير الحد الادنى للدخل الذي يمثل شبكة الامان الاجتماعي ولم تضع مؤشرات لخلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة ولا ماذا نعني بمصلحة المواطن واين تكمن.
مرر مجلس النواب الميزانية العامة باغلبية كبيرة في أجواء غير اعتيادية محملة بعواطف خلفتها الجائحة التي يمر بها العالم. صرحت رئيسة المجلس على اثرها بأن الميزانية تحقق طموح المواطنين، وأضافت ان الامر استوجب إعادة ترتيب بعض الاولويات والإجراءات التي تحتاج إلى تقييم ودراسة مستقبلية، كما وعدت بالسعي إلى زيادة المكتسبات متى ما توفرت الميزانية المالية المطلوبة. كما أكد وزير المالية تأثير الظروف الحالية على وضع الميزانية.
الفترة التي تعرض فيها الميزانية للاقرار فترة قصيرة ليست للدراسة والتخطيط بقدر ما هي فترة للتأكد من ان السياسات المهمة والضرورية للنمو الاقتصادي ولتنمية المجتمع والفرد ورفع مستواه المعيشي وتحقيق العدالة الاجتماعية قد تم الاخذ بها وأنها مشمولة في الميزانية. اي ان الميزانية هي خطوة في خطة طويلة المدى. هذا يعنى انه لا بد من وضوح الصورة الاكبر وتحديد الاولويات والقضايا المهمة التي تحتاج إلى معالجة. فما هي القضايا التي حرص مجلسا النواب والشورى على ادراجها في الميزانية؟ وما هي القضايا التي رأت الحكومة انها مهمة لهذه الفترة؟
في المناقشات سواء في مجلس النواب أو في مجلس الشورى اخذت الحكومة مواقف ودعمت قضايا إما بالتصريح أو من خلال الارقام الواردة في الميزانية، فمثلا بالنسبة للحكومة وعلى لسان وزير المالية فإن الميزانية تسعى إلى تحقيق مصلحة المواطن ويورد التحديات التي ترى الحكومة انها شكلت الميزانية وهي اولا الالتزام بتحقيق التوازن المالي في ضوء انخفاض سعر النفط، ثانيا العمل على زيادة الايرادات غير النفطية، ثالثا الاستمرار في خلق فرص عمل واعدة للمواطنين، وكذلك المحافظة على العمالة الوطنية باستخدام صندوق التأمين ضد التعطل لدعمها. رابعا حماية المال العام من حالات الفساد، خامسا التأكيد على عدم فرض ضرائب جديدة أو رفع ضريبة القيمة المضافة.
اتفق مجلسا النواب والشورى مع كثير مما اوردته الحكومة وأضافوا ضرورة تحسين الادارة المالية. ويتحقق ذلك من وجهة نظرهم في: اولا الالتزام بالتوازن المالي ورفع الايرادات غير النفطية وترشيد المصروفات التشغيلية للحكومة، ومعاجلة العجز المالي في الميزانية والاهتمام بالسيطرة على الدين العام. ثانيا أكدا على اهمية تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على مصدر واحد (الايرادات النفطية) لتفادي تقلبات الاسعار. ثالثا تحسين الايرادات غير النفطية وتحسين النمو والتنوع الاقتصادي. رابعا أكدا قضية خلق فرص عمل للمواطنين والمحافظة على الدعم الاجتماعي للمواطنين الاكثر احتياجا، خامسا وضع استراتيجية متوسطة المدى للتحكم في نمو مستويات الدين العام من خلال اقامة مشاريع حقيقية لها عائد حقيقي.
يمكن القول ان معظم المقترحات والمداخلات التي وردت من المجلسين تحاول معالجة قضايا مهمة ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الاولى تتعلق بالمواطن والمجتمع مثل خلق فرص عمل والبحرنة وتحسين مستوى المعيشة ورفع الضمان الاجتماعي وتحسين مستوى الخدمات مثل التعليم والصحة. القضية الثانية تتعلق بكفاءة الانفاق وحسن ادارة الايرادات ورفع مستوى الحوكمة والشفافية في النظام الاداري وترشيده والمحافظة على المال العام ومكافحة الفساد. القضية الثالثة تتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه اقتصادنا الوطني المتمثل في الاعتماد على مصدر واحد هو النفط. وقد قدم المشرعون والحكومة تصورات منها الرغبة في تنويع الايرادات الحكومية (دون زيادة الضرائب والرسوم) وتنويع الاقتصاد من خلال استثمارات في قطاعات واعدة وتحفيز الانتاج السلعي والخدماتي وخلق فرص عمل للمواطنين واستخدام الصناديق الاستثمارية لهذه الغاية.
هذه القضايا الثلاث مرتبط بعضها ببعض ومن الصعب معالجة اي منها من دون التعامل مع القضايا الاخرى. ونلاحظ ان النقاش المنشور الذي دار بين الجهات المعنية كان عاما ولم يضع معايير محددة كأهداف أو مؤشرات يمكن مراقبتها. فمثلا تحدث الجميع عن خلق فرص عمل ولكن لم يتطرق اي منهم إلى تفاصيل كم فرصة عمل نحتاج سنويا للتغلب على مشكلة البطالة ومعالجتها بما يضمن نموا في الناتج المحلي وفي الانتاجية وكيف سيتحقق ذلك؟
كذلك جرى الحديث عن مصلحة المواطن لكن لم نر تحديدا للحد الادنى الذي يحقق مصلحة هذا المواطن وخصوصا الفئة ذات الدخل المحدود. فهل يعود ذلك إلى ضبابية الوضع الاقتصادي بشكل عام أم عدم وضوح الرؤية لدى الجهات المعنية في ظل الأوضاع العالمية؟ السؤال الاخر الذي لم يحظَ بالقدر الكافي من النقاش هو قضية رفع ايرادات الدولة غير النفطية وتقليل العجز في الميزانية ومعالجة الدين العام. مرت هذه العبارات من دون ان يكون هناك ما يكفي من التوضيح للمجتمع ليفصل كيف سيتم ذلك. ضمنيا الجميع يعرف ان تنويع ايرادات الدولة يعني ضرائب ورسوما. لكن كان من المفترض من النواب والشوريين على وجه الخصوص ان يوضحوا ما هو المقصود، وما هي الخيارات الاخرى المتاحة، لم تحظ هذه القضايا بتوضيح مفصل ومرت الميزانية من دون ان نعرف كيف ستسيطر الدولة على العجز وعلى الدين العام. فكم سيكون العجز في الميزانية القادمة مثلا وكم سيرتفع الدين العام؟
السؤال الذي كان يدور في خلفية الحوار لدى الناس هو قضية الضرائب. تم التلميح عن زيادة الضريبة المضافة ونفت الحكومة ذلك قطعيا. لكن معالجة العجز والدين العام تحتاج إلى زيادة في الايرادات وبدون الضرائب يبقى الامر صعبا. سبق ان دعونا وغيرنا، ودعا مجلس النواب كذلك إلى فرض ضرائب دخل على الشركات والدخول العالية، وضرائب على الثروات والاراضي البيضاء، فهل هذا علاج وارد؟
أما فيما يتعلق بالقضية الاولى والمتعلقة بالمواطن والمجتمع فنرى ان شعار: «المواطن هو الثروة الحقيقية» وشعار: «مصلحة المواطن» استخدما كثيرا لكنهما لم يحظيا بأي نوع من التعريف يفصل هذه المصلحة. ولم يتضح كيف سيتطور الدعم المقدم للفئات ذات الدخل المحدود. وهل سيكون هناك حد ادنى للدخل تعتبره الدولة والمشرعون والمجتمع انه دخل عادل يحفظ للمواطن كرامته. ارتفاع سعر النفط الذي حدث خلال فترة عرض الميزانية لا يمكن الاعتماد عليه. فهو تغيير غير مستدام، وبالتالي لا يصلح كمدخل للتخطيط. والسيطرة على العجز والدين العام يجب أن تكون اولوية يأتي بعدها تنويع الاقتصاد وليس فقط تنويع ايرادات الدولة.
mkuwaiti@batelco.com.bh