نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مجلس التعاون.. تحديات التنمية الاقتصادية وشروطها

  تاريخ النشر :١٨ سبتمبر ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع – التنمية تحتاج اصلاحات سياسية – رؤساء الغرف التجارية والمؤسسات الاستثمارية والمجتمع المدني ينادي باصلاحات سياسية من اجل التنمية 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12962/article/47700.html

 تتزايد التقارير التي تحذر من التحول في السوق النفطية ومدى تأثير ذلك على دول الخليج التي تعتمد على النفط كمصدر وحيد لتمويل ميزانيتها وتأمين احتياجات شعوبها. آخر هذه التقارير صدر في الشهر الماضي من جامعة لندن للاقتصاد ويتطلب النظر فيه بإمعان والاعتبار بما فيه من تحذيرات. أما دولنا فإنها مازالت تراوح كما ان الأمر لا يعنيها. فمثلا يجتمع وزراء الاقتصاد بدول مجلس التعاون للإعداد لقمة تونس الاقتصادية عام 2015، هذه هي القمة الرابعة بعد قمة الكويت عام 2009 والتي وضعت فيها أهداف تنموية، ماذا حدث لتلك القرارات وكيف تأثرت الدول العربية به والخليجية بشكل خاص؟ 

 من يشاهد تحركات المسئولين في دول الخليج يعتقد ان خلال الست سنوات الماضية خطت هذه الدول خطوات كبيرة نحو تنويع مصادر دخلها وإعادة هيكلة اقتصاداتها واكتساب منعتها واستقلالها الاقتصادي وقرارها السياسي، لكن هذا لم يحدث. فمثلا هناك اجتماعات محمومة للغرف التجارية الخليجية من اجل المساهمة في تحقيق الوحدة الاقتصادية، ومازال رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون يطالب بدور اكبر في صنع واتخاذ القرار وبحضور اكبر في رسم السياسات التنموية.

 أما مؤسسة الخليج للاستثمار المملوكة من قبل الدول الخليجية الست، فإن الاسم يوحي بأن للمؤسسة نشاط تنموي في المنطقة وتساهم في خلق قدرة انتاجية محلية، لكن كما يبدو فإنها تدار على أساس انها بنك تهتم أكثر بتصنيفها الائتماني. وإذا نظرنا إلى أنها تأسست قبل ثلاثين سنة فإن المواطن الخليجي لا يعرف في ما ذا تستثمر هذه المؤسسة وكيف أثرت على حياته اليومية وفرص حصوله على عمل؟ 

 دخل على الخط مؤخرا دواوين الرقابة المالية والإدارية ليشيد بأهمية الاستقلالية والشفافية والمساءلة ومع ذلك فإن مخرجات هذه الدواوين تبقى حبيسة الادراج عمليا من دون أن يكون لها تأثير في حسن إدارة الموارد وحمايتها لصنع مستقبل لأجيالنا بعيدا عن النفط الذي مازال المصدر الوحيد لدول الخليج.

 على مستوى المجتمع المدني فإن المطالبة بفاعلية اكبر في الأداء التنموي والاقتصادي لا تنقطع. أطلق منتدى الفكر العربي حوار حول مضامين الميثاق الاقتصادي العربي والذي عنصره الأساسي التكامل الاقتصادي الشامل يقوم على تشبيك اقتصادات المنطقة العربية واستغلال موارده الطبيعية (النفط) وقدرته على خلق متطلبات هذه التنمية مع التركيز على بناء العنصر البشري (الانسان) كفاعل للتنمية ومستفيد منها. سوف يعرض هذه الورقة في الاجتماع القادم (2015) للقادة العرب في قمتهم الاقتصادية الرابعة. والجدير بالذكر ان من ضمن محاور هذه الورقة النزاهة العربية، دور الاعلام العربي، التعليم والبحث العلمي، الاستثمار في الإبداع والابتكار. كما تتناول الورقة أهمية بناء الاقتصاديات المتضامنة وتطوير الشراكة وضمان الحقوق والواجبات في إطار الحكم الرشيد. 

 تؤكد مقترحات ومطالبات الغرف التجارية ودواوين الرقابة والمؤسسات المختلفة أهمية النزاهة والحكم الرشيد والمشاركة وضمان الحقوق والواجبات في كل هذه البرامج والمشاريع والرؤى. في إدارة الشأن العام وإدارة الثروة الوطنية لا يمكن الاعتماد على الجانب الشخصي في الصفات الحميدة مثل النزاهة، والالتزام بالواجبات وأهمية المشاركة السياسية، بل في مثل هذه القضايا يجب الاعتماد على العمل المؤسسي وبالتالي فإن النزاهة وحسن إدارة الثروة لا بد أن تكون خاضعة لمراقبة ومساءلة ومحاسبة مؤسسية لكي تستمر وتستقيم وهذا لا يأتي إلا في أنظمة شفافة مفتوحة.

 والسؤال هل يمكن لدول الخليج الاستفادة من تجارب الآخرين؟ وهنا نتأمل ما وصلت إليه المجتمعات الاسكندنافية، ليس بقصد تكرار تجاربها فهذا غير ممكن ولكن بقصد تأمل العناصر التي بنت عليه هذه الدول تنميتها؟ حصلت الدول الاسكندنافية جميعها على تصنيف عالٍ في مؤشر التنافسية الاخير، فما هي الأسباب وهل يمكن الاستفادة منها في دولنا الخليجية؟ 

 يقول التقرير الذي صدر قبل عامين إن أهم هذه العوامل هو ثقة المواطنين في الحكومة وفي القطاع الخاص وبينهما وبين المواطن (متبادلة). هذه الثقة المتبادلة تعززت بفضل شفافية المؤسسات العامة وأجهزة الدولة والنظام الديمقراطي والكفاءة التي تتحلى بها الأجهزة. هذا جعل المواطنين مستعدين لدفع ضرائب مرتفعة لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي ومساندة السياسات التنموية. العامل الثاني هو المساواة بين المواطنين وإشراكهم في التنمية واستفادتهم منها. أي ان المجتمع مسطح لا توجد فوارق طبقية كبيرة بين المواطنين. هذه المساواة تحد من المشاكل الاجتماعية وتحقق توافق بين مختلف القوى السياسية فيما يتعلق بالسياسات العامة. بينما نجد في منطقتنا الخليجية والعربية ان هذه المشاكل تهز المجتمعات وتستهلك طاقاتها وتهدرها في صراعات سياسية على امتيازات وتوزيع كعكة النفط التي ترهق مجتمعاتنا الخليجية.

 هذا النموذج الاسكندنافي قد لا يمكن تطبيقه في كثير من الدول لكن نجد ان بعض الخصائص المساهمة في زيادة التنافسية والابتكار ليست غريبة علينا فهي من صميم عقيدتنا الإسلامية مثل المساواة والمساءلة والمحاسبة واحترام الثروة الوطنية. وكذلك سبق وذكرها قادة مؤسساتنا في الخليج مثل الغرف التجارية ودواوين الرقابة فهي ليست بالجديدة او نجهلها. لكن المشكلة تتمثل في الجانب السياسي من تطبيق الديمقراطية والحوكمة الرشيدة والشفافية ومحاربة الفساد. والتي هي كما يبين التقرير ركيزة نجاح الدول المتقدمة وسبب رفاهية شعوبهم. هذا التحول يتطلب إرادة سياسية تدرك أهمية الديمقراطية والمساءلة وارتباطها بالتنمية وبحرية الفرد والمجتمع.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *