مطلوب عمل جاد في تنويع الاقتصاد على المدى البعيد وضرائب على الدخل والثروة على مدى متوسط اما المسكنات الحالية فهي محدودة التاثير.
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1078820
بعد تأخير استدام ثمانية أشهر صدرت الميزانية مع تأكيد عدم المساس بمكتسبات المواطن المادية من زيادة سنوية أو رواتب أساسية أو علاوات اجتماعية ومساعدات غلاء بلغت الإيرادات 4,589 مليارات دينار للسنتين (2017-2018) والمصروفات 7,166 مليارات لنفس الفترة، وبلغ العجز 2,577 مليار دينار أو 56% من الايرادات.
تمثل الايرادات غير النفطية، والتي بلغت (504 ملايين دينار، أي 11% من الايرادات) والتي تتكون في الغالب من الرسوم والضرائب الجمركية. هذا يعني أننا مازلنا نعتمد على النفط بمقدار 89% أي تراجع عن الوضع في السبعينيات عندما كان الاعتماد في حدود 78%.
وفق هذه الميزانية، فإن الدين العام سوف يرتفع بمقدار 2,6 بليون دينار، وبذلك يصل الى 10 مليارات عام 2017، و11,4 مليار عام 2018 تقريبا، أي يعادل 91% من الناتج المحلي، على افتراض زيادة 2% في الناتج المحلي. وبذلك ترتفع أرباح الدين العام الى أكثر من نصف مليار دينار سنويا (512 مليون دينار)، تفوق ميزانية المشاريع التي بلغت 350 مليون سنويا فقط.
انخفضت المساعدات والمعونات بواقع 12% عن الميزانية السابقة، هذا الانخفاض سوف يؤثر على مستوى معيشة الفئات الضعيفة في المجتمع، وسيكون ميدان النقاش مع مجلس النواب الذي كما يبدو يحرص على عدم تخفيض المعونات أو تغيير شروط الاستحقاق بما يضر بالمواطن الضعيف. وكذلك هناك تخوف من عجز اكتواري قد يؤدي الى رفع سن التقاعد أو تعديل الاستحقاقات. كما انخفض مستوى الدعم الحكومي، وهو ما يعني انخفاض نصيب المواطن من المدخولات الوطنية بشكل عام.
تقوم هذه الميزانية على افتراض أن سعر برميل النفط سوف يصل الى 55 دولارا، اليوم النفط يتراوح بين 45 و50 دولارا، أي أن العجز الفعلي قد يكون أكثر مما هو مذكور في الميزانية. فما تأثير ذلك على الوضع الاقتصادي للبلاد وعلى معيشة الناس وقدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة؟
خطة الدولة في المرحلة القادمة تهدف الى تحقيق توازن في الميزانية خلال 6 سنوات على أساس سعر النفط 57 دولارا. كذلك تتطلع الى تنمية الايرادات غير النفطية من خلال دعم خطوات تطوير أنظمة تحصيل الايرادات المستحقة على الوزارات والجهات الرسمية والشركات ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد، وتطبيق مبدأ استرداد الكلفة للخدمات. من ناحية أخرى تسعى الخطة الى تخفيض مستوى المصروفات عن طريق إعادة ترتيب الأولويات.. فهل هذا يكفي لتعويض النقص؟
أكثر ما يقلق في هذه الميزانية هي أولا: الزيادة الكبيرة في الدين العام والتي بلغت 11,4 مليارا أو 91% من الناتج المحلي الإجمالي. ثانيا: استخدام حساب الأجيال القادمة لتمويل العجز، أي أننا نقترض لتمويل الاستهلاك وكذلك نستخدم مدخراتنا للاستهلاك. ثالثا: ميزانية المشاريع صغيرة جدا لا تتعدى 350 مليونا من 3,5 مليارات دينار (10%) وبالتالي سوف تؤثر على النمو وعلى إيجاد فرص عمل. رابعا: ارتفاع أرباح الدين العام حيث تجاوزت نصف مليار سنويا.
أما النواب فيبدو أنهم يركزون على مساهمة «ممتلكات القابضة» في الميزانية، على الرغم من علمهم بان هذه المساهمة لن تسمن من جوع لأن أرباح ممتلكات لا تزيد على 183 مليون دينار وتراكمها ضروري للنمو، بينما العجز في الميزانية يفوق 1,2 مليار سنويا.
الإجراءات التي أعلنتها الدولة مع الميزانية من ضبط النفقات التشغيلية والمعاملات المالية وتطبيق مبادئ الحوكمة لا جديد فيها، وقد تكرر هذا الحديث كثيرا منذ أكثر من عقد، وتكراره يثير تساؤلا حول قدرة الوزارات على التنفيذ، فمثلا تنوي الدولة وضع استراتيجية للتحكم في نمو الدين العام. هذا الدين استمر في الارتفاع منذ عام 2008 ولم تضع حلا لهذه الزيادة خلال السنوات العشر الماضية؟ فما هو الجديد هذه المرة؟
يبرز من حديث الدولة أننا بصدد مزيد من الرسوم والضرائب. إن زيادة الرسوم والضرائب التي فرضت الى حد الآن كان تأثيرها أكبر في الطبقة المتوسطة والفقيرة، بينما لم تتأثر منه الطبقة الغنية والمترفة وكبار رجال الأعمال. ويبقى السؤال: كيف سنخرج من الضائقة المالية وشبح الدين العام وإلى متى سوف نستمر في الاقتراض؟ ما هي رؤية الدولة في الخروج ومتى سوف نرى التغيير؟ ولماذا تتأخر الضرائب المفروضة على الطبقات الغنية في المجتمع والتي استفادت من مرحلة الرخاء بشكل مباشرة كتجار ورجال أعمال ومضاربين أو من خلال الامتيازات.
نعتقد ان الضرائب المباشرة هي الحل الأمثل على المدى القصير والمتوسط مع رؤية مستقبلية لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال خلق قدرات إنتاجية وتصديرية تقودها الدولة وليس القطاع الخاص. من ناحية أخرى نحتاج الى تحسين مستوى تحصيل الضرائب وخلق نظام معلوماتي يوفر معلومات وافية عن تحصيل الضرائب وقدر كبير من الشفافية تمنع الاستثناءات بسبب الوجاهة الاجتماعية والسياسية والتلاعب الضريبي.
لكن ما هي نوع الضرائب المطلوبة؟ لحماية الفئات الضعيفة في المجتمع ولتحقيق عدالة في التوزيع نرى أن الضرائب الأنسب هي ضرائب الأملاك العقارية، وخصوصا تلك التي حدثت في العقدين الماضيين. هذه الأملاك والمشاريع الكبيرة التي أثْرَتْ على حساب المجتمع يجب أن تدفع نصيبها من الضرائب وبنسب لا تقل عن 50% من إيراداتها السنوية، مدة خمسين سنة على أن تعود ملكية العقار إلى الدولة بعد انقضاء المدة. أما الأملاك التي تم شراؤها فتكون الضريبة عليها متصاعدة وفق تصنيف تصاعدي يتناسب مع مستوى الايراد. والضريبة الثانية هي ضريبة دخل تصاعدية على الثروة وعلى الدخل وأرباح الشركات.
نظام الضرائب أصبح ضرورة حتمية يحتاج من الوزارات ومجلس النواب إلى دراسته بجدية مع كل ما يتطلبه ذلك من إصلاحات سياسية تكفل المساءلة والشفافية وعدم التهرب الضريبي والإعفاءات والاستثناءات. كما يجب أن يصاحبه رؤية واقعية وعملية لتطوير الاقتصاد وتحويله الى اقتصاد إنتاجي على المدى الطويل يشترك في وضعها المجتمع بجميع قواه الفاعلة.