نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الاربعاء 2 اغسطس 2023

مقال الاسبوع- يقول تقرير صندوق النقد العربي 2022 بان ازمة البطالة في الوطن العربي تتطلب تنمية صناعية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتاخذ دورها في التنويع الاقتصادي والشمولي توفير حماية للصناعات بما يفترض التخلي عن الليبرالية الجديدة التي تفتح السوق على مصراعية. هذا يعني محاربة الفساد وتكريس الشفافية والمساءلة.

https://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1337982

التنمية الصناعية ومسئوليات الحكومات العربية

تعتبر الدول العربية من دول العالم الثالث من حيث اعتماد اقتصادها على قطاع “الصناعات الاستخراجية” وتصدير المواد الاولية مما يعرضه لتقلبات الاسعار العالمية. يتسم هذا القطاع بكثافة رأس المال وعمالة ماهرة متخصصة قليلة وخلق فرص عمل في الخدمات المصاحبة لهذه الصناعة. تمثل ايرادات القطاع ما بين 70% الى 95% من ايرادات الدولة، كما يمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي. وفي الحالات التي تنجح الدولة في تنويع الصادرات فعادة ما ترتبط هذه الصادرات بالموارد الطبيعية، مثل النفط ومشتقاته او “صناعات تحويلية” مدعومة بقطاع النفط مثل صناعة الالمنيوم والبتروكيماويات بالنسبة للدول المصدرة للنفط والغاز.

وفق تقرير صندوق النقد العربي 2022، بدا قطاع الصناعة العربي بشقية الاستخراجي والتحويلي في التعافي بعد ازمة جائحة كوفيد 19. ارتفعت مساهمة الصناعات الاستخراجية في الناتج المحلي الاجمالي العربي الى 22.9% في 2021 وبلغت الصادرات النفطية حوالي 441 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج الصناعي 2287 دولار (نصيب الفرد في سنغافورا  مثلا $13,752)، وتشكل القوى العاملة في القطاع الصناعي 22% من اجمالي القوى العاملة العربية وتتفاوت من 54% الى 3.5%، تتركز معظمها في الصناعة التحويلية. اي ان تنويع الاقتصاد واستغلال الموارد الطبيعية في انتاج سلع نهائية يمثل المخرج لخلق فرص عمل ورفع الناتج المحلي وامكانية تحسين مستوى المعيشة.

يرى التقرير انه بالرغم من التحسن في مؤشر الكفاءة الاقتصادية للانتاج الصناعي (من 1.3 في 2020 الى 1.5 في 2021) الا ان هناك حاجة لمواجهة التحديات وتبني استراتيجيات صناعية طويلة المدى تركز على رفع الانتاجية والتنافسية في قطاع الصناعة التحويلية.

هناك مجالين للتحسين خصوصا لهدف خلق فرص عمل، الاول استكمال عمليات الاستكشاف في الثروات المعدنية العربية، وقد وضعت مثلا مصر والسعودية خطط لهذه الغاية، والثاني الصناعات التحويلية التي تمثل عماد الاقتصاد الحديث لقدرتها على خلق فرص عمل. لماذا لم يتحقق النجاح في هذا المجال؟ قد يكون من اهم المعوقات عدم تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة ورفع قدرتها على المساهمة في خلق التنوع والشمولية في الاقتصاد. يقول التقرير ان هذه الشركات تعتبر حجر الاساس في استراتيجيات التنمية طويلة الاجل التي اعتمدتها دول عربيية كثيرة. من اهم هذه الصناعات بالنسبة لكثير من الدول العربية صناعة الهيدروكربونية المشتقة من النفط الخام مثل التكرير والبتروكيماويات وصناعة الغاز الطبيعي المسال. تعتبر دول مجلس التعاون الدول الرائدة عربيا في هذه الصناعات، والمجال مازال في بدايته. والامر الاخر هو عدم تجذر دور الحكومات في قيادة الاقتصاد نحو التنافسية والقدرة التصديرية.

وفق هذه المعطيات يعتبر التعاون العربي في مجال الاستثمار الصناعي مهم جدا. فقد بلغ اجمالي الاستثمارات الصناعية العربية (18 دولة) للفترة من 1974-2021 حوالي 8819 مليون دولار، تمثل 6.7% من اجمالي الاستثمارات الممولة من مؤسسات التمويل العربية. مقارنة بتمويل القطاعات الاخرى تعتبر هذه النسبة متواضعه. تعتمد الدول العربية على القطاع الخاص في الاستثمار الصناعي، من منطلق ان القطاع الخاص اكثر كفاءة في هذا المجال. وفق التقرير فان التجارب تؤكد اهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ووضع الاطر المؤسسية لنجاح هذه الشراكات، خصوصا في المجالات الاستراتيجية الذي يشكل وجود الحكومة كشريك كمحرك وصمام امان على المدى الطويل ويلعب دورا فاعلا وقياديا في تحقيق استقرار الاسعار خاصة في الصناعات الغذائية والدوائية وتكنولوجيا المعلومات.

بالاضافة الى ذلك هناك عدد من القضايا التي تستحق اعطاءها اولوية في التنمية وخلق فرص عمل. من هذه القضايا انشاء مناطق ومدن صناعية واقامة حاضنات للتنمية الصناعية من اهدافها جذب الاستثمار الخارجي المباشر الذي يستثمر في مشاريع صناعية وليس مشاريع مالية سهلة الخروج كما في بعض دول الخليج. بدأت بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية وتونس والمغرب وغيرها في خلق ما يزيد عى 250 منطقة صناعية، بعضها مناطق حرة. لكن اغلب هذه المناطق تقليدية تختلف عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة، لذلك تفاوتت فاعليتها لعدة اسباب منها ارتفاع اسعار الكهرباء وضعف معالجة المشاكل البيئية بالاضافة الى القيود القانونية والاجرائية الكثيرة في الحصول على الاراضي والخدمات وانهاء المعاملات الضريببة، ناهيك عن المنافسة غير المتكافئة والاغراق الذي تتعرض له الصناعات الوطنية في مواجهة المنتجات الصناعية المستوردة.

معالجة مثل هذه المعوقات وفق صندوق النقد العربي تتطلب جهود لمساعدة المستثمرين الصناعيين في مواجهة التحديات والصعوبات، وكذلك تحويل المناطق الصناعية الى مناطق صناعية ذكية وتقنية ومستدامة تجتمع فيها التكنولوجيات وتوفير بيئة يترابط فيها الانتاج والبحث العلمي والتطوير وتوفير التمويل والخدمات الصناعية وكفاءة قوة العمل؛ وكذلك توفير الاراضي الصناعية وتيسير الخدمات باسعار مدعومة مقابل التوظيف الوطني.

يخلق هذا الترابط بيئة متطورة للبحث العلمي والابتكار والتصميم والابداع العلمي والمعرفي والتقني ترفع القدرات التنافسية وزيادة الانتاجية. يمكن في هذا الصدد الاستفادة من تجارب  دول شرق اسيا، وكيف ان الحكومات لعبت دورا قياديا حصيفا في تهيئة البيئة المناسبة والمدعومة للصناعات وتمكينها من المنافسة العالمية لزيادة تصنيع المنتجات عالية التقنية ورفع المستوى التكنلولجي في مجالي الميكنة وتعزيز المعرفة التقنية. هناك بعض التجارب العربية مازالت في بداياتها فهل تنجح في خلق قطاع صناعي متقدم دون ان يتطلب تحول فكري عن الليبرالية الجديدة في اخذ الحكومة دور قيادي، بالاضافة الى اصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية تدعم هذه التوجه وخصوصا تعزيز منظومات الابتكار والريادة ومحاربة الفساد ونشر المعلومات وتعزيز حرية الرأي.

يعتبر رفع القدرة التنافسية لاقتصاديات الدول العربية احد التحديات، تعاني الصناعات العربية من ضعف حصتها من القيمة المضافة والصادرات مع تفاوت كبير فيما بين الدول العربية. يستلزم ذلك اهتمام خاص من قيادات الدول العربية بتعزيز القدرة التنافسية في الصناعات الحديثة.

 لتحقيق تنافســية أعلى للصــناعات العربية يوصــى التقرير بالسعي إلى زيادة الانتاج وتحسين نوعيته، والرفع من جودة المنتجات وتصميمها بما يتناسب مع المواصفات الدولية، والتركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية والمنتجات عالية التقنية، والحد من العقبات التي تواجه عمليا ت التصدير من خلال دعم ومساندة المؤسـسات المصدرة على اقتحام الاسواق الخارجية وتيسير وصول منتجاتها لتعزيز قدراتها التصـديرية وفتح أسواق خارجية جديدة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *