نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

28 يوليو 2023

مقال الاسبوع – صدر التقرير الاقتصادي الفصلي 2023 موجها لاكثر من جهة اهمها الجهات الحكومية لمراجعة سياساتها وتقييم مشاريعها وفق ما وضعت من اهداف. اورد التقرير تحسن في القطاع غير النفطي (3.5% نمو) وان النمو الاقتصادي بلغ 2%، هذا النمو ينبغي ان يفوق النمو السكاني ليؤثر في مستوى المعيشة. التطلع ان يستطيع القطاع غير النفطي على خلق فرص عمل للبحرينيين وان تتغير سياسة فتح السوق.

صدر التقرير الاقتصادي الفصلي للربع الاول من 2023. تستفيد من مثل هذه التقارير الربعية والسنوية اكثر من جهة اهمها مجتمع الاعمال والمستثمرين في الداخل والخارج، الدول الاخرى في تعاملها التجاري. كذلك تستفيد الاجهزة الحكومة والوزارات ليساعدها على مراجعة سياساتها وتعديل مشاريعها وبرامجها وخططها وفق النتائج التراكمية للتقارير وتاثيرها في مؤشرات مستوى المعيشة ومعدلات العمالة والتضخم واسعار الفائدة. لكن الاهم ان التقرير يخاطب المجتمع والمواطن. فمن حق المواطن ان يعرف ماذا يعني التقرير للمستواى المعيشي وفرص العمل التي يخلقها والرفاه الاجتماعي والدعم الموجه له بما يحقق طموحاته. لذلك نرى ان لا تكتفي الحكومة باصدار التقارير الربعية والسنوية، على اهميتها، لكن تحاول بطرقها الخاصة توصيل تداعيات النتائج الى المجتمع بفئاته المختلفة، وان تقوم مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة والصحافة بنشر قراءتها ومناقشتها بنظرة نقدية تحليلية لرفع الوعي في المجتمع وتوفير اجابات لكثير من الاسئلة لدى المواطن عن ماذا تعني التقارير بالنسبة له.

وفق هذا التقرير فقد زاد الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة بالربع الاول من 2022، بنسبة 2% بالاسعار الثابتة، وكانت الزيادة في القطاع غير النفطي 3.5%، فيما تراجع القطاع النفطي بنسبة 5.9% بسبب انخفاض سعر النفط وانخفاض الانتاج لدواعي الصيانة الموسمية. بشكل عام تبين الزيادة في الناتج المحلي وكذلك الزيادة في نتائج القطاعات ان هناك تحسن في الاداء الاقتصادي غير النفطي وينتظر المجتمع تاثير ذلك على سوق العمل ومستوى المعيشة. وفق تقرير صندوق النقد العربي 2022 فان الزيادة السكانية كانت 3.13% في 2021 وبالتالي يمثل انخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، مالم تغير ذلك في 2022.

ينظر التقرير بتفاؤل الى القطاعات غير النفطية لدفع النمو في المستقبل وخلق فرص عمل. فقد حقق قطاع المواصلات والاتصالات زيادة كبيرة بلغت 11.2% وهو معدل النمو الاكبر، تلاه الانشطة العقارية بنسبة 5.3%، فقطاع المشروعات المالية 4.9%، وقطاع الضيافة (الفندقة والمطاعم) بنسبة 4.3%، في المقابل لم تشهد بعض القطاعات نفس المستوى من النمو. فمثلا شهدت الصناعات التحويلية تراجعا طفيفا بنسبة سالب 1.1%. كان بودنا لو ان هذه النسبة كانت اكبر وايجابية كون هذا القطاع هو الاكثر قدرة على خلق فرص عمل موائمة للمواطنين وباعداد اكبر. كذلك كان نمو قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية طفيفا بنسبة 1.1%. هذه الزيادة اقل من الزيادة السكانية مما يشير الى تراجع طفيف في الخدمات الاجتماعية او احتمال ارتفاع كفاءة وانتاجية القطاع.

بالنسبة لسوق العمل فقد استوعب 7101 موظف بحريني خلال الربع الاول؟ وكذلك ارتفعت الاجور بنسبة 10.5% في القطاع العام، 6.3% في القطاع الخاص. حبذا لو ان الحكومة قامت بتوضيح هل الزيادة كانت في الرواتب الدنيا او العليا، وماذا تعني هذه الزيادة، وهل ستستمر وتواكب مستوى التضخم؟

النمو مؤشر جيد لمعرفة الاداء الاقتصادي غير ان التحليل يتطلب النظر الى طبيعة هذا النمو. اين كان النمو وكيف حدث وهل سلامة الجسم الاقتصادي قادر على استمرار النمو واستدامة الاستثمار. هذا من ناحية ومن الناحية الثانية معرفة كيف اثر النمو على الحياة العامة للفرد والمجتمع والدولة.

يبين التقرير ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة بلغت 13.4 مليار بزيادة 4.8% عن 2022 لتصل الى 1951 مليون دولار، والاستثمار التراكمي بلغ 35.4 مليار دولار. هذه الاستثمارات مهمة خصوصا اذا اتضح انها في صناعات انتاجية وتكنولوجيا متقدمة. لكن يظهر التقرير ان قطاع المشاريع المالية كان الاكثر مساهمة في الناتج المحلي بنسبة 17.9% في حين الصناعات التحويلية كانت 13.8% بانخفاض 1.1%، وحسب معلومات سابقة فان الاستثمارات تتركز في القطاع المالي بنسبة 61.4% في حين كان نصيب الصناعات التحويلية 15% فقط، ومع ذلك فهي نسبة مهمة اذا توجهت نحو التصدير وخلق فرص عمل. نمو القطاع المالي مهم وكذلك الاستثمار فيه لكنه اقل فعالية من حيث خلق فرص عمل باعداد كافية، كما ان له طابع قصير الامد لسهولة انتقاله الى الخارج. بالنظر الى مصدر الاستثمارات، فان نسبة كبيرة منها من دول خليجية (الكويت 4.0 السعودية 3.5  الامارات 1.5 – 29.8%-25.6% 11.1% على التوالي) عادة ما تكون في العقار واستثمارات مالية اكثر منها في الصناعة ذات المحتوى التكنولوجي. لذلك فان البيانات المتوفرة عن الاستثمار تحتاج الى زيادة ايضاح، مثل اي الصناعات التي استقبلت الاستثمار وليس القطاع فقط. وقد يكون مناسبا نشر تقرير منفصل عن توزيع وكفاءة الاستثمارات وفعاليتها في خلق فرص عمل ورفع مستوى الصادرات والتنويع فيها. لذلك نرى ان الوضع الراهن في سوق العمل ومعدلات البطالة تستوجب سياسات لرفع مساهمة قطاع الصناعات التحويلية نظرا الى ثباته في البلد وقدرته على استيعاب عمالة بحرينية مدربة اكبر من قطاع المال والنفط والقطاع العقاري.

من المهم كذلك ان تتم مقارنة النمو في الناتج المحلي بمعدل النمو السكاني. في حالة ارتفاع نمو المعدل السكاني، فهذا قد يعني ان نصيب الفرد من الناتج المحلي سيكون اقل ويؤثر سلبا في المستوى المعيشة للفرد. كذلك من المهم مقارنة ذلك بالنمو في خلق فرص عمل وحجم المشاركة في سوق العمل. فقد بين التقرير ان الزيادة في العمالة البحرينية كانت 2.1% في القطاع العام (50 الف بحريني)، و1.4 في القطاع الخاص، (99811 بحريني). اي ان متوسط نمو العمالة البحرينية في القطاعين كانت 1.6%. هذه الزيادة اقل من متوسط الزيادة في الناتج المحلي 2%. ليس مستغربا ان تكون اقل اذا ما عرف السبب. هل الزيادة ناتجة من زيادة في الانتاجية، ام ان استفادة البحريني من الفرص كانت اقل؟ هذه نقاط ينبغي ان تناقشها الحكومة في بيانات توضيحية او مؤتمر صحفي يوضح للناس تبعات وتداعيات التقرير على فرص العمل. كما ينبغي من منظمات المجتمع المدني المختصة توضيح تبعات التقرير على المواطن العادي وتوفير مزيد من المعلومات للتوضيح لفئات المجتمع، على ان تتوفر له المعلومات اللازمة لتكون المناقشة مفيدة للمجتمع.

واخيرا من المهم ان ننظر الى المستقبل بتفاؤل من خلال نوعية “المشاريع المستقبلية” التي تنوي الدولة والقطاع الخاص القيام بها وان يتم تقييمها من خلال مؤشري “خلق فرص عمل” و “تحسين مستوى المعيشة”. مثلا نحتاج التركيز على المشاريع الموجهة للتصدير لما لها من اثر كبير في خلق فرص عمل وتحسين الحساب الجاري وميزان المدفوعات والدين العام.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *