نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لكي تكون القدس عاصمة فلسطين الأبدية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٠ ديسمبر ٢٠١٧ – 01:20

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1102164

تحية أكبار واعتزاز للشعوب العربية التي وقع عليها اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وقعا جعلها تنتفض في كثير من الدول العربية. لا يجوز التقليل من تأثير هذا الاعتراف والمطلوب الآن من الدول العربية تجنيد طاقاتها للتصدي لذلك الحدث، فلفلسطين والقدس مكانة في الوعي العربي الإسلامي وأهمية تدعو إلى مواقف جادة منها جميعا.

عقدت الدول العربية والإسلامية وبرلماناتها اجتماعات وخرجت بكلام مرسل لا يؤثر على القرار الأمريكي، وأصدرت حكومات هذه الدول عناوين كبيرة جميعها تخاطب عواطف الناس مثل «لن نحيد عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس». مواقف الدول العربية متثاقلة ومتفاوتة في شدة التعبير وغير مقصود منها التأثير على الرئيس ترامب بتغيير قراره أو حتى تأجيله. ما حدث، فقط، انه أخر إجراءات التطبيع التي سعت لها دول عربية كثيرة.

نتيجة لذلك السعي المحموم نحو التطبيع وإدراك أمريكا وغيرها بمستوى التخاذل العربي، فإن الرئيس الأمريكي (ترامب) يراهن على ان حراك الشعوب من تظاهرات ووقفات تضامنية واحتجاجات سوف تستمر فترة من الوقت لكنها في نهاية المطاف سوف تقف ويقبل العرب والفلسطينيون بالواقع المفروض عليهم وتبدأ جولة أخرى من التنازلات والسعي للتطبيع رغم معارضة الشعوب له. سوف تنتهي هذه وتبدأ الاجتماعات لمناقشة خطة مباحثات تقوم بإعدادها أمريكا نفسها التي أثبتت أنها منحازة تماما إلى الكيان الصهيوني وأنها لا يمكن ان تكون وسيطا محايدا ونزيها. 

الصراع العربي الصهيوني هو من القضايا المحيرة. فعلى الرغم من وجود 22 دولة عربية و57 دولة إسلامية مازالت القضية تتفاقم ومازال التصلف الأمريكي يهيمن على جميع خيوط القضية ومتمسك بها، ومازالت الأراضي الفلسطينية محتلة والإنسان الفلسطيني مستباح، بينما مازالت الدول العربية تعتمد على أمريكا لحل الصراع. أما الشعوب العربية فغالبيتها مازال ينظر إلى القضية الفلسطينية على أنها قضيته الأولى، لكنها تنتظر قدوم القائد المُخَلِّص الذي يجمع كلمة العرب ويوحدهم للدفاع عن الأقصى واسترجاع الحقوق الفلسطينية والعربية. لماذا تضع الشعوب العربية أملها في شخص قائد فذ يخلص الأمة من الهوان؟

ما هي الحسابات التي وضعها ترامب للتوصل إلى هذا القرار بالرغم من المصالح المهمة لأمريكا في الدول العربية؟ ولماذا تضع الأنظمة العربية المؤثرة كل بيضها في سلة أمريكا وتعتبرها «وسيطا نزيها» بعد هذا الانحياز الواضح؟

ما يحدث اليوم هو نتيجة ضعف الدولة العربية والإسلامية. كثير من الدول العربية والدول الإسلامية ضعيف إلى درجة أنهم غير قادرين على اتخاذ أي قرار من شأنه ان يغضب أمريكا أو يتعرض لمصالحها، فمعظم هذه الدول لا تملك قرارها. هذا الضعف يجعل أمريكا تراهن على عودة الدول العربية إلى الحظيرة الأمريكية بمجرد هدوء الشعوب. فما هو مصدر هذا الضعف؟ هل هو ضعف القيادات أم ضعف الشعوب أم خلل تنظيمي منظومي يمس طريقة الحكم؟ أم هي ثقافة متأصلة في الوعي العربي؟ أم اعتماد الشعوب المفرط على شخصنة الدولة في شخصيات أبوية تجسد الدولة؟ الجميع ينتظر قدوم صلاح الدين آخر لإنقاذ القدس، فهل هذه الشخصنة للحكم هي مصلحة وطنية أم انها احد اركان المشكلة التي نعاني منها؟

هناك مصدران لضعف الدولة، يقول فوكوياما (في كتاب: النظام السياسي والانحلال السياسي 2014)، ان المصدر الأول هو التصلب وعدم القدرة عل التأقلم والتغير مع متطلبات الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والمصدر الثاني لضعف الدولة هو شيوع وسيطرة العلاقات العائلية على مؤسسات الدولة واختطافها من قبل نخب عائلية أو حزبية. يحدث ذلك، كما يقول، عندما تسود فترات طويلة من الرخاء والشعور بالأمن والثقة في قدرات هذه النخب على رفض التغيير. اما الكاتبة سانية حمادي (في كتاب مزاج وشخصية العرب-1960) فترى ان ثقافة العرب تتجذر فيها عدم الثقة بين مكوناتها، وتنحصر الثقة فقط في العائلة والأقارب ما يجعل قيام الدولة القوية أمرا صعبا.

أي أن تقوية الأمة تحتاج أولا إلى تقوية الدولة العربية، وهذا لا يتم إلا بتقوية مجتمعاتها وليس فقط تقوية أجهزة الدولة. تقوية المجتمعات تكون في إعادة النظر في العلاقات السياسية وفي تقوية مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية من خلال زيادة التعددية ما يساعد الدولة على التأقلم والاستقلال والتماسك بين مكوناتها.

للأسف تعمل الدولة العربية على أضعاف المجتمع وتمزيقه وإضعاف أدواته السياسية والاقتصادية ومجالسه النيابية لأنها تعتبر المجتمع مصدر تهديد لها. هذا الصراع بين السلطات والمجتمعات العربية هو الذي هدم دول الربيع العربي وجعلها أشباه دول. فكيف يمكن لأمريكا ان تضع في حساباتها مصالح الدول العربية التي هي في صراع مع شعوبها وبمقدور الكيان الصهيوني وأمريكا استغلال هذا الصراع في السيطرة على هذه الدول وجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة تدافع بها عن كرامة الأمة ومصالحها. هذا الصراع يسهل على أمريكا وغيرها ايهام الدولة العربية بالمؤامرات والتهديدات لتزيد من اعتمادها على عدوها.

المخرج إذن لا يختلف عن متطلبات التقدم الاقتصادي والتنمية. المخرج هو في استعادة قوة الدولة من خلال تقوية المجتمع، واستعادة الثقة بين الدولة والشعب. المخرج في اعتماد الدولة على مجتمعاتها ومواطنيها، المخرج في إصلاح سياسي وإصلاح اقتصادي وبناء مجتمع متماسك يقود بناء عسكريا يجعل للأمة هيبة يُعمل لها حساب وبدون ذلك لا نعرف كيف ستكون القدس عاصمة فلسطين الأبدية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *