نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مؤتمر اقتصاديي الشرق الأوسط والإصلاح المؤسسي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٥ مايو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

النجاح الاقتصادي يعتمد على عدالة المؤسسات وتأثيرها في التوزيع العادل للثروة وفي سن التشريعات العادلة والمنصفة للجميع وإقامة المؤسسات التي تضمن أو تعمم المساواة والمشاركة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13942/article/23049.html


تحت رعاية الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري، نظم معهد الدولة للدراسات العليا في 23 مارس الماضي المؤتمر الخامس عشر لمنظمة اقتصاديي الشرق الأوسط تحت عنوان «تأثير أسعار النفط على النمو الاقتصادي والتنمية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا». استمر المؤتمر ثلاثة أيام عقدت خلالها جلسات نقاش عامة وورش عمل. ناقش المؤتمر أسباب نجاح دول في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتمكنها في فترة وجيزة من الارتقاء بمستويات الدخل وأسباب فشل دول أخرى في تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية. دعا المؤتمرون دول المنطقة إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل لمواجهة تراجع أسعار النفط وما نتج عنه من عجوزات في موازنات الدول المنتجة.
في كلمة رئيس المنتدى أضاف أن الفوائض المالية في دول الخليج يمكن ان تلعب دورا في مواصلة برامجها ومشاريعها لكن ذلك على المدى القصير يتحتم بعده القيام بتغير هيكلي في الاقتصاد ليتماشى مع الوضع الجديد. ويرى ان قطر أفضل من غيرها كونها تعتمد على القطاع الخاص بشكل كبير إلى جانب رفع الكفاءة في القطاع العام. ويرى ان ذلك كفيل بأن ينعكس ايجابيا على التنمية ورفع معدلات النمو في الناتج المحلي. أي انه يرى الحل في رفع النمو في الناتج المحلي من خلال مساهمة اكبر من القطاع الخاص. ما هو نوع المساهمة هذه؟ وهل القطاع الخاص قادر على المنافسة الأجنبية لكي يحقق ذلك؟ 
من الاطروحات المهمة هي ما تقدم به المفكر الاقتصادي جيمس روبنسون من (كلية هاريس بجامعة شيكاغو، الأستاذ السابق بجامعة هارفارد) حيث رأى ان المؤسسات السياسية والاقتصادية هي أساس نجاح الدول الاقتصادي أو فشلها وليس الاختلاف المناخي أو الثقافي أو الجغرافي. ونبه إلى أهمية بناء حكومات قوية توفر حوافز حقيقية للاستثمار وتعزيز دور المؤسسات وتأسيس بنى تحتية، أهمية ذلك هو التأكيد على المؤسسات المشاركة (Inclusive institutions)  وتأثيرها في التوزيع العادل للثروة وفي سن التشريعات العادلة والمنصفة للجميع وإقامة المؤسسات التي تضمن أو تعمم المساواة والمشاركة. وللدلالة على دور الدولة والنظام السياسي وما تخلقه من مؤسسات وقوانين وأنظمة في فشل الدول استحضر المفكر الاقتصادي نموذج شبه الجزيرة الكورية. ففي غضون 60 سنة فقط من الاختلاف في نظام الحكم أصبحت كوريا الجنوبية دولة متقدمة غنية وبقيت كوريا الشمالية من أفقر دول العالم.
فالمؤسسات الجامعة والمنفتحة في كوريا الجنوبية منحت المجتمع فرص المشاركة في السلطة وفي القرار السياسي والاقتصادي وحرية النقد والمساءلة والمحاسبة فخلقت اقتصادا قويا متنوعا اتسم بقدر كبير من المساواة. خلاصة محاضرته هي ان التغلب على صدمات تقلبات النفط مشروط ببنية مؤسسات دولة حيادية ترعى الجميع وتفيدهم، وأن لعنة الموارد الريعية (النفط) تصاب بها الدول التي ليس لديها عمل مؤسسي ناجح يمكنها من حسن إدارة مواردها. وأضاف أن دول الخليج لا تحتاج إلى الاعتماد على الاستثمارات من الخارج، فلديها موارد كافية لاستثمارها.
ناقش المؤتمرون أحوال الاقتصاد النفطي وسبل الحد من تأثير الصدمات الخارجية عليه. وأكّد المؤتمر ان دول المنطقة سوف تستمر تتعرض لمثل هذه الصدمات طالما بقيت سياساتها الاقتصادية جامدة ومرهونة بإيرادات النفط، وخرج بتوصيات:
أولها: إعادة النظر في ربط اقتصاد الدول الخليجية بالدولار واستبداله بسلة عملات تمنحها بعض المرونة في التحكم في استقرار الاقتصاد وكذلك لتناسب توجهات تنويع مصادر الدخل الذي لا يعاني منه الاقتصاد الأمريكي (المستشارة في البنك المركزي الإماراتي ماجدة قنديل). 
المقترح الثاني تعلق بفرض نوع من الضرائب ليكون موردا مستقرا، وثالثا تقليص الدعم الحكومي وتقليص بعض بنود الإنفاق في الموازنات الحكومية. رابعا وضع قواعد تنظيمية تتحكم في حركة رؤوس الأموال من وإلى المنطقة لحمايتها من صدمات خارجية.
لخص رئيس جمعية اقتصاديي الشرق الأوسط توجهات النقاش حول تنويع مصادر الدخل في: أولا ضرورة تطوير التعليم في دول المنطقة من اجل بناء اقتصاد قائم على المعرفة، مع الحاجة إلى تطوير إنتاج المعرفة والابتكارات التكنولوجية. وأكَّد ان تطوير وتنويع التعليم هو السبيل إلى تنويع الاقتصاد.
ثانيا دعا الحكومات إلى ان تكون فاعلة في اقتصاد السوق، ليس فقط بالقيام بدور تنظيمي ولكن كذلك تقوم بتوجيه فرص الاستثمار نحو القطاعات التي يحتاج إليها الاقتصاد لتحقيق تنمية مستدامة. (هذا يحتاج إلى رؤية اقتصادية موحدة ومؤسسات تقوم على تنفيذها مثل وزارة التجارة والصناعة اليابانية التي قادت نهضة اليابان). ويرى ان عامل القوة المتمثل في وجود المال أصبح عامل ضعف بسبب سوء الاستفادة منه، وخصوصا فيما يتعلق بطغيان العمالة غير المؤهلة والناتجة من طغيان قطاع الإنشاء على الاستثمار. 
ما تمخض عن المؤتمر هو عدد من التوصيات التي سبق ان ناقشتها أوساط في المجتمع الخليجي منذ ما يزيد على عقد من الزمن مثل فك ارتباط العملة بالدولار ورفع الدعم وفرض الضرائب وتطوير التعليم وحوكمة الشركات وتنويع مصادر الدخل، ومازالت نفس المواضيع تتكرر ويعاد تداولها من دون ان تسفر هذه النقاشات عن سياسات موحدة خليجية تُخرج دول مجلس التعاون من الاعتماد على النفط. الجديد في الموضوع قد يكون ما قاله المفكر جيمس روبنسون والذي قيل من قبل بطرق مختلفة ولكن في هذه المرة يأتي من خبير أجنبي ويقولها بوضوح: إننا بحاجة إلى إصلاح مؤسساتي، والمؤسسات هنا لا تعني فقط المنظمات الرسمية وإنما كذلك القوانين والأنظمة والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع. أي خلق قوانين تحفظ حقوق الملكية وتمنع الاحتكار وتتيح المنافسة حتى في المناصب، وأنظمة ومؤسسات جامعة تعزز المشاركة وتحفز السلوك التنموي وتحارب الفساد والمحسوبية و«الزبونية» وإشاعة حكم القانون وتطبيقه بالتساوي. فهل يمكن في ظل الأوضاع العربية الحالية إحداث مثل هذا الإصلاح المؤسسي؟

بحاجة إلى إصلاح مؤسساتي، وتأثيرها في التوزيع العادل للثروة وفي سن التشريعات العادلة والمنصفة للجميع وإقامة المؤسسات التي تضمن أو تعمم المساواة والمشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *