نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مقال لم ينشر حول ضياع المسئولية عن ادارة المال العام والاقتصاد

تاريخ الكتابة 9 فبراير 2016

المقال لم ينشر

سقط الاستجوار وما ذا بعد؟

حاول عدد من النواب المتحمسين والجادين الى وضع مسئولية ما يحدث في البحرين من تقشف وضرورة تحسين الاداء المالي على وزيري المالية والنفط محملينهم مسئولية الوضع الذي وصلت اليه البحرين من فشل في ادارة الاقتصاد على مدة عقود من الزمن. لم ينجح النواب في مساءلة الوزيرين، ولم يتوقع المجتمع ولا حتى النواب انفسهم بانهم يملكون هذه القدرة. ليس نقصا منهم ولكن النظام البرلماني الموجود ولوائحه والدستور الذي يستند اليه يشكل عوائق كبيرة في وجه نجاح اي استجواب لا ترغب الحكومة فيه. الخلاصة هي ان الاستجواب سقط، وتبخرت معه آمال النواب في تحديد مسئولية العجز المالي والدين العام والتقشف المفروض على مجتمع لم يكن له رأي في ادارة الدولة والمال العام. ويبقى السؤال: من المسؤول عن الوضع الذي آلت اليه البحرين؟

للاسف المشكلة لدى النواب هي ليست ضياع المسئولية واستمرار سوء ادارة المال العام والاقتصاد بشكل عام، وانما المشكلة بالنسبة لهم تنحصر في “عدم التشاور معهم في اتخاذ قرارات رفع الدعم ورفع سعر الوقود”. سوء الادارة هذه اوصلتنا الى هذا الوضع وادت الى تضخم في الجهاز الحكومي جعل المصاريف المتكرر في الميزانية تتعدى 70%، اي ان هناك هدر في الميزانية لا تقل عن 45%. والى فشل اقتصادي اصبح بموجبه النفط هو المصدر الوحيد للدخل. واذا اضفنا الى ذلك جوانب الهدر الاخرى في الميزانية وفي النفقات الدستورية وفي تحويل املاك الدولة الى املاك خاصة نجد ان لدى النواب الكثير مما يجب الاهتمام به أكبر بكثير من مجرد استجواب وزيرين؟

والان نتساءل هل يمكن للنواب التعاون مع الحكومة في معالجة الازمة المالية والتوصل الى مخرج ينقذ ما تبقى من اموال النفط ويوجهها نحو مجالات انتاجية وتحويل الاقتصاد الى الاعتماد على القدرات البشرية بدلا من ايرادات النفط؟ وهل الحكومة على استعداد للانفتاح وتقديم المعلومات الكافية للنواب للمشاركة في ذلك؟ 

ان غياب الاستعداد الحكومي للانفتاح ووضع الاوراق على الطاولة ليشارك الجميع في وضع الحلول هو لب الازمة واساس المشكلة. بالرغم مما يحدث فان الحكومة مازالت تعتمد عقلية التكتم والحلول الجزئية ورفض الرؤية الشاملة والاستراتيجية. وهذا يجعل النواب في صراع وصدام مع الحكومة.

فمثلا نجد في الشهر الماضي ان النواب رفضوا مقترح بقانون يمنح الحكومة “حق تأسيس الشركات”. والسبب في ذلك ليس المنطق الاقتصادي القائم على اساس وجود ايرادات النفط بيد الدولة ينبغي استثمارها لصالح المجتمع، ولكن السبب هو ان الدولة قدمت في السابق امثلة سيئة في ادارة مثل هذه الاصول. اي ان الصناعات التي تملك الحكومة فيها نسبة كبيرة لم تساهم في ميزانية الدولة مما جعل النواب يرفضون تأسيس مثل هذه الشركات. 

في اعتقادنا ان هذا المنطق يستند الى سوء ادارة سابقة واشبه بعقاب للحكومة والمجتمع ولا يتفق مع المنطق الاقتصادي الذي يقول ان الدولة كونها تملك الثروة نيابة عن المجتمع، وكون القطاع الخاص عازف عن المجازفة في الصناعات (مع بعض الاستثناءات)، وبالتالي يتوجب على الدولة تأسيس قاعدة اقتصادية انتاجية تفتح فرص عمل وايرادات اضافية، ومن ثم يتم تحويل هذه الاصول الى المجتمع في صيغة شركات مساهمة. اما الرفض فهو يقتل فرص تطوير الاقتصاد ويحرم التنمية من اموال النفط. والسؤال: ما ذا على الحكومة والنواب القيام به لاستعادة ثقة المجتمع؟ وما ذا على المجتمع القيام به؟ 

من ناحية الحكومة ينبغي عليها مصارحة الناس بالوضع بدلا من التكتم وثقافة السرية. القول بان “الدولة تفاجأت بوضع لا ترغب فيه”، قول مردود عليه. الحكومة كان عليها ان تخطط للمستقبل وان تتوقع الاسوأ، وان تفكر في اليوم الاسود. كما عليها وقف الهدر ومظاهر البذخ في التعامل مع المال العام وخصوصا المخصصات والمصاريف الدستورية التي لا يعرف المجتمع شيء عنها. لا يمكن الاستمرار في ادارة اقتصاد وادارة دولة بالمحسوبية والواسطة وشراء الولاءات وفي نفس الوقت تطالب المواطن بالتضحية. المعاملة المتساوية للجميع يزيل الاحقاد والشكوك والعنف. بذلك سيقتنع المواطن بدفع حصته في ادارة البلد وتنميتها لصالح الجميع. في احدى الدول رُفض فرض ضريبة في 1988 وتكرر الرفض في 2003، والسبب ان الدولة لم تكن مستعدة لفتح جميع دفاترها. على الحكومة والنواب ان يتعاونا على خلق بيئة شفافة واقتصاد قادر على التصدير وليس اجترار اموال النفط الناضب، حينها سوف يساهم المجتمع بكل اريحية في خلق مثل هذا الاقتصاد اذا ما وُضعت أمامه كل الحقائق.

اما النواب فان ازمتهم لا تقل خطورة واهمية عن الحكومة، فعلاقتهم بالمجتمع ليست في احسن حال. لا اعتقد ان ذلك راجع الى تدني اداءهم الفردي (فقط) ولكن بسبب اعتبارات اخرى مثل النظام البرلماني، من قانون الانتخابات، والدوائر الانتخابية، واللائحة الداخية، وتوفر المال السياسي دون محاسبة، والقدرة على الترغيب والترهيب من قبل جهات عدة. كل ذلك يضع العضو البرلماني في موقف صعب وحالة ضعف. هذه الاعتبارات تؤدي الى وصول نائب ضعيف وغير مؤهل في كثير من الحالات وغير مسنود من قبل المجتمع في حالات اخرى وغير قادر على، او راغب في، حشد الدعم المجتمعي له في حالات ثالثة. كل ذلك انتج برلمان ضعيف في مواجهة سلطة تنفيذية قوية تمتلك المعلومات والمال والنفوذ وغير المتوفرة له.

اما المجتمع فهو منقسم على نفسه وغير قادر على التأثير في مسيرة الدولة وآلية اتخاذ القرار في توزيع الثروة والسلطة وممارستها مع انه اول المتأثرين بهذه القرارات، فتحول الى متفرج لا يملك ما يصد به الاذى من الكرات الطائشة التي يتعرض لها من اللاعبين في الساحة. فمتى يدرك اهمية لحمته الوطنية؟ واين من سيقوم بهذا الدور؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *