نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل أصبح البحريني الخيار المفضل في سوق العمل؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٧ مايو ٢٠١٧


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- الحكومة وعلى مدى اربعين سنة هي المسئولة اولا واخيرا عن زيادة عدد الاجانب وتدني فرص العمل للبحريني وفشل تنويع الاقتصاد.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14299/article/76103.html
في بداية الشهر الحالي وبمناسبة يوم العمال العالمي الموافق أول مايو تم تنظيم لقاء جمع وزير العمل مع نخبة من الاقتصاديين والمهتمين بالشأن العمالي. حاول المشاركون التعامل مع شعار «البحريني الخيار المفضل» والذي ورد في الرؤية 2030. والفرضية التي بدأت بها الندوة هي أن البحريني لم يعد الخيار المفضل ولم يتمكن من اختراق سوق العمل بالشكل المتوقع في الرؤية، ومازال هناك كثير من المعوقات التي ينبغي الاهتمام بها لجعل البحريني الخيار المفضل.
 كذلك في نهاية أبريل الماضي أجرت إحدى الصحف المحلية لقاء مع وكيل وزارة العمل الأستاذ صباح الدوسري تناول فيه موضوع العمالة والتوظيف ومكانة البحريني في سوق العمل والمشاكل التي يواجهها. 
من حديث الوزير يتضح أن الوزارة ترى ان مستوى البطالة في حدود 44% هو حد ليس فقط مقبولا ولكنه مطلوب. من الغريب ان يكون هذا اعتقاد الوزارة في الوقت الذي نجد فيه أن هناك تخصصات عالية مثل أطباء الأسنان وممرضات ومهندسين ومحامين ومحاسبين عاطلين عن العمل. قد تكون مثل هذه النسبة مقبولة في اقتصادات إنتاجية لتحاشي التضخم، وليس في سوق عمل يشتمل على نصف مليون عامل أجنبي مثل السوق البحريني. في هذه الحالة لا توجد بطالة بحرينية مطلوبة، ومع ذلك نوافق الوزير في ان التحدي الذي تواجهه وزارة العمل كبير جدا ليس فقط بسبب حساسية المهمة، ولكن كذلك بسبب تحميل وزارة العمل مسؤولية توظيف العاطلين في الوقت الذي لا تملك هي مفاتيح الحلول. الحل الشمولي يكمن في خلق فرص عمل مجزية، وهذا ليس من اختصاص وزارة العمل بل من صلب مسؤولية الدولة ومجلس التنمية الاقتصادية.
 تبين الإحصاءات ان معظم العمالة الأجنبية متركزة في قطاع الإنشاءات، والتي لا يقبل عليها المواطن. ماذا يعني ذلك؟ كيف يمكن لقطاع واحد ان يطغى على كل القطاعات الأخرى بهذا الشكل سوى في اقتصاد يحتاج إلى تطوير؟ وهذا مدخل آخر للقول بأن وزارة العمل ليست الجهة المناسبة للتعامل مع كثرة وجود العمالة الأجنبية، وإنما هي مسؤولية الدولة ومجلس التنمية الاقتصادية. يقول الوكيل إن الوزارة والهيئة تركزان على الوظائف التي يمكن للمواطن الإقبال عليها ضمن هذا القطاع مثل الوظائف الإدارية والمحاسبة. 
 في هذه المقابلة قدم وكيل وزارة العمل صورة قاتمة -إلى حد ما- لكنها صريحة ومفيدة للتحليل والبحث عن خيارات. فمثلا يقول إن 80% من البحرينيين يتجهون نحو تخصصات أكاديمية متشبعة لا تتيح فرص عمل ورواتبها متدنية، 400 دينار لخريج الجامعة في هذه التخصصات، بينما الإقبال على التخصصات الفنية لا يتجاوز 20% مع ان رواتبها تزيد على 600 دينار. كذلك بيّن وكيل الوزارة ان هناك 22 ألف بحريني تقل رواتبهم عن 300 دينار أي يشكلون مع عائلاتهم حوالي 17% من المواطنين البحرينيين، أو 14% من العمالة البحرينية في القطاع الخاص. لمعالجة ذلك يرى الدوسري ان الحل يكمن في التدريب المهني لتأهيل البحريني لشغل وظائف فنية برواتب مجزية. عزوف البحريني عن المهن الفنية يعكس ثقافة مجتمعية تنبذ المهن وتترفع عن العمل اليدوي بشكل عام، تماما كما كان الأعيان والنبلاء في أوروبا في العصور الوسطي قبل 500 سنة.
 وزارة العمل سوف تقدم مقترحات لاستهداف المهن الإدارية واقتصارها على البحرينيين في الشركات الكبيرة والمتوسطة، مثل تخصصات الموارد البشرية والمحاسبة. استهداف تخصصات المهن البشرية وبحرنتها يسهل عملية التوظيف الأخرى. فقد اتضح ان هيمنة الأجانب على أقسام الموارد البشرية يحرم البحرينيين من فرص التوظيف وتذهب إلى الأجانب. وبحسب وزارة العمل فإن هذه التخصصات يمكن ان توفر ما يقارب الـ 25 ألف وظيفة للبحرينيين، والوزارة تعمل مع هيئة سوق العمل على تنفيذ هذا المقترح بعد دراسة المهن الأخرى التي يمكن التعامل معها بنفس الأسلوب. تطبيق ذلك أسوة بالسعودية والإمارات يحتاج إلى سن تشريعات لتنظم العملية، وهذا يعني ان مثل هذا الحل سوف يستغرق وقتا طويلا قبل إقرار التشريعات اللازمة ووضع لوائح التنفيذ، ونأمل ألا تطول المدة قبل تنفيذه.
 في الجانب الآخر نجد ان هناك عزوفا لدى التجار عن توظيف البحريني. أحد الأسباب هو تدني رواتب الأجانب. ونتساءل هل يمكن معالجة ذلك بشكل منفصل في البحرين أم انه ينبغي ان يتم ضمن الاتحاد الخليجي بسبب ترابط سوق المجلس والمنافسة بين الشركات؟ 
 ورد أكثر من مرة في حديث الوكيل بان الوزارة تعتمد على الحس الوطني في إقناع صاحب العمل بتوظيف بحريني. هذا مناقض لأبسط قواعد الاقتصاد والطبيعة الإنسانية. يقول ادم سميث في كتابه ثروة الأمم عام (1776)، «اننا لا ننتظر عشاءنا من الخباز والقصاب (الجزار) اعتمادا على إنسانيتهم وطيبتهم وكرمهم، وإنما لأن ذلك يرضي طموحهم في المصلحة الشخصية والربح». لا يمكن لأي نظام أو قانون ان يعتمد على النوايا الحسنة أو الحس الوطني أو الإنسانية. في الاقتصاد القوانين يجب أن تنبع من مصلحة مادية ومن محفزات تدفع في اتجاه المصلحة الوطنية العامة ومن قيود وعقوبات تمنع استغلال المناصب والمراكز للإثراء. 
 بالإضافة إلى جهود وزارة العمل وتمكين وهيئة سوق العمل البحرين بحاجة إلى خلق فرص عمل حقيقية برواتب مجزية تتجه نحو الاقتصاد المعرفي كما ورد في الرؤية وليس فقط حصر الموجود، وما تقوم به وزارة العمل هو جهد كبير تشكر عليه ولا تستطيع القيام بأكثر من ذلك، أما خلق فرص العمل فهي مسؤولية جماعية تتحملها الدولة ممثلة في جميع وزاراتها ومجلس التنمية الاقتصادية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *