نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مناقشة التحديات في المؤتمر الاستراتيجي الخليجي

  تاريخ النشر :٨ نوفمبر ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

الصراع بين الدولة المدنية والدولة الدينية هي التحديات الجديدة التي تهدد بحروب طائفية وحروب فكرية وتقسيم وتشرذم، كيف التصدي لها؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13013/article/55410.html

انطلق المؤتمر الاستراتيجي الخليجي في 29 اكتوبر وطرح قضايا وتحديات تتلخص في اربعة محاور هي اولا تحولات العالم العربي منذ 2011 وتداعياتها؛ ثانيا بروز التنظيمات الدينية المتطرفة العابرة للحدود؛ ثالثا اشكاليات قيام الدولة المدنية في ظل بروز حركات الاسلام السياسي؛ ورابعا التحديات الامنية التي تواجه شمال افريقيا. 

 يقول الدكتور محمد عبدالغفار (رئيس مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات») ان التحولات في المنطقة لها اسباب داخلية وخارجية وان التحولات في العالم العربي ليست وقتية، بل انها تحولات تاريخية يحتمها منطق التغيير في الدولة والمجتمع. ويرى انه من الصعب فصل مستويات الامن الثلاثة المحلي والاقليمي والعالمي. هذا يعني ان هذه التغيرات سيكون لها تاثير عميق على المنطقة، ايجابي في كثير من جوانبه. لكن ما يهدد هذا المخاض ويعتبر من اهم التحديات التي تواجه العالم العربي هو صعود الحركات الدينية المتطرفة وقد اعتبره المؤتمر من اكبر التحديات.

 بالاضافة إلى ذلك هناك تحديات اخرى تطرق لها المؤتمر تتعلق مثلا بتضارب المصالح بين دول مجلس التعاون والدول الكبرى، وانتشار اسلحة الدمار الشامل، وتحديات الاصلاح والتنمية. فمثلا يتطرق الدكتور محمد الرميحي إلى تحديات الاصلاح بطرح متطلبات بناء استقرار يقوم على أسس ديمقراطية منها تكوين طبقة وسطى مزدهرة واقتصاد منتج وقوة بشرية مؤهلة. ويرى في الجانب الامني ان خياراتنا الاستراتيجية محدودة ولا يمكن الاعتماد على امريكا. فبعد ان تأثرت بحرب العراق وافغانستان والازمة المالية اصبح المجتمع الامريكي اقل استعدادا لقبول اي مغامرات خارجية او تدخلات مرهقة ماليا. ومع غياب اي ضمان دولي فان الحاجة إلى اقامة منظومة خليجية تراعي مصلحة الحاكم والمحكوم وقادرة على مواجهة التحديات الامنية اصبح ملحا. وحذر من ازمة الهوية التي تواجه المنطقة بسبب التأثير الديمغرافي والاضطرابات الطائفية والعقائدية. 

 في هذا السياق يحذر دوفيلبان (وزير الخارجية الفرنسي السابق) من الشتاء الاسلامي المتمثل في صعود التيارات الاسلامية المتطرفة الجهادية التي لا تؤمن بوجود الاقليات الدينية، ويشير إلى وجود ازمات داخلية تتمثل في الاستقطاب المذهبي الذي يهدد بتقسيم الشرق الاوسط إلى دويلات صغيرة على اسس مذهبية او عرقية او قبلية، ويؤكد على ضرورة قيام المنظمات (مجلس التعاون وجامعة الدول العربية) برسم سياسات التغيير السياسي عبر الاقتصاد والتعليم. 

 ما يحذر منه هذا المؤتمر يتلخص في عدد من التحديات اوالازمات (ازمة سياسية، ازمة طائفية، ازمة هوية، ازمة الاسلام السياسي) ويرى د. محمد عبدالغفار بان التكتلات الدولة والاقليمية الناجحة لا بد ان تعمل ضمن اطر استراتيجية واضحة، ويدعو إلى «ضرورة صياغة مفهوم استراتيجي خاص بدول مجلس التعاون يعكس مشكلاتها الامنية –والتنموية- و«يسعى إلى ضمان امنها واستقرارها وتقدمها وتحقيق الازدهار لشعوبها». وينادي بان يتكامل هذا المفهوم مع الجهود الدولية لحفظ الامن في المنطقة، ويؤكد الحاجة إلى قيم جديدة لترسيخ ثقافة الحوار بين الدول وداخل المجتمعات باعتباره الخيار الوحيد لحل المشكلات على اساس من المواطنة والدولة المدنية الحديثة بعيدا عن انتماءات ايديولوجية لا تتسق وروح العصر، كما يرى ضرورة وجود رسائل واضحة من ايران مطمئنة لشركائها في المنطقة.

 لكن من اهم ما تمخض عن المؤتمر هو التركيز على الخطر الاهم الذي يهدد المنطقة العربية والخليج وهو الاصول الفكرية في الاسلام السياسي التي تتناقض مع مفهوم الدولة المدنية. في الوقت الذي تطرح هذه الحركات شعارات ديمقراطية والسعي لإنشاء الدولة الدستورية فهناك خوف من ان تنقلب عليها حين وصولها للسلطة. سلاحها في ذلك توظيف الخطاب الديني المتعصب للحشد والتعبئة. كما نرى في واقعنا العربي فان هذه التيارات تمثل تهديدا حقيقيا للثورات العربية من تونس إلى سوريا واليمن. فكيف يتم التعامل معها؟

 يرى ابراهيم الفاسي الفهري (رئيس معهد اماديوس بالمملكة المغربية) بان اي حلول يجب ان لا تشمل هذا التيار المتشدد التابع لتنظيم القاعدة. لا شك ان هناك تفاوت في درجة التشدد بين التيارات الاسلامية ودرجة الخطورة الفكرية والامنية التي تمثلها ومدى قدرة المجتمعات على استيعاب بعضها، لكن في مجملها فانها تشكل ازمة للدولة. فالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة هي النموذج الذي تسعى الدول العربية – وخصوصا بعد الربيع العربي – إلى التوصل اليه لتحقيق اسس التنمية والتقدم العلمي والحوكمة الرشيدة المؤدية إلى الاستقرار السياسي والازدهار. وتعارض هذا المفهوم مع التيارات الدينية يمثل ازمة سياسية ينبغي مواجهتها. فلا يمكن للدولة ان تستمر في حرب داخلية مع بعض من مواطنيها وفي نفس الوقت تكون قادرة على تحقيق نجاح في التنمية. فماهي الاستراتيجية الممكنة للتعامل مع هذه التيارات الاسلامية؟ 

 هل اقتراح الاقصاء هو الحل؟ هل يمكن الاحتواء؟ ام ضرورة المواجهة الفكرية ورفض مفهوم الدولة الدينية على انها ليست من الاسلام في شيء؟ البديل هو ان نتنازل عن الاصلاح والتحديث الحقيقي ونضحي بالتقدم والازدهار المصاحب له ونرضى بالتبعية والفساد والاستبداد خوفا من التيارات الدينية؟ هل هذه هي خياراتنا؟

 قياسا على تجربة انسانية سابقة تصدت للتعصب الديني المسيحي في اوروبا قد نحتاج إلى استراتيجية ثلاثية الابعاد تعتمد على اولا تحصين الديمقراطية ضد التيارات الدينية او اي تيار اخر يسعى إلى اختطاف الدولة، وثانيا اصلاح التعليم لنشر قيم الشك والنقد والتمحيص، وثالثا المواجهة الفكرية مع الجماعات الاسلامية التي تفرض رؤيتها للدولة الدينية على المجتمعات. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *